القاهرة "المسلة" د. عبد الرحيم ريحان …صنعاء مدينة كلما اقتربت منها زاد رونقها وازداد إعجابك بها فهى فى مقامها الطبيعى فريدة عجيبة وفيها الهواء أعذب من الماء وتتجلى بها إبداعات وجماليات الهندسة الإسلامية ومن هذا المنطلق كانت الورقة البحثية التى ألقاها الدكتور على سعيد سيف أستاذ الآثار الإسلامية ـ قسم الآثار ـ جامعة صنعاء فى المؤتمر الرابع عشر للإتحاد العام للآثاريين العرب الذى انعقد بمدينة القاهرة 15 ، 16 نوفمبر وعنوانها " المناخ وأثره على عمارة مدينة صنعاء فى العصر الإسلامى" وتعد صنعاء المثل الحى للعمارة والفنون الإسلامية فى اليمن بما تضمه من منشآت دينية ومدنية وعسكرية وما تحويه من فنون زخرفية ومشغولات يدوية وتقع مدينة صنعاء ضمن الهضبة الشرقية لليمن فى الأحواض المنخفضة لهذه الهضبة وبالتحديد عند سفح جبل نقم الجبل الجوى للمدينة الذي يعتبر تجمع غيوم المطر فى الصيف مما كان له الأثر الكبير فى اختيار موقع المدينة إضافة لوقوعها في سهل منبسط وخصب تتوافر فيه المياه الجوفية والتربة التي تشكلت من خلال تلك الصخور المليئة بالمعادن لذلك تم اختيار موقع المدينة وإقامة مجتمع حضارى فيها كما أنها تحتل مركزا وسطا بالنسبة لخطوط الطول والعرض فهى تقع على خط طول على دائرة عرض( 15,23درجة) شمالا وخط طول (44,23درجة) وترتفع عن مستوى سطح البحر بنحو 2350م
المناخ وتخطيط المدينة
منذ بداية العصر الإسلامى كان للعوامل البيئية والمناخية لها أثر كبير في اختيار موقع المدينة الإسلامية كما اهتم المسلمون أيضا بالاعتبارات الصحية والمناخية عند اختيارهم لموقع مدنهم فقد طلب الحجاج عند بناء مدينة واسط أن يكون الموقع مرتفعا وأن يكون مناخها جيد وطعامها سائغا وهذا ما ينطبق على مدينة صنعاء فى موقعها وارتفاعها فهى تقع عند سفح جبل نقم على ارتفاع نحو 2350م فوق سطح البحر وفى هذا تعد مدينة صنعاء ذات جو حسن فقد ورد فى القرن الثالث الهجرى أن أحد الأمراء طلب من شخص أن يذهب إلى مكة المكرمة وكان قد طبخ لحم فتركه في قدره وسار وعاد بعد ثلاثة أشهر ووجد أن اللحم لم يفسد وكأنه طريا على حاله و يعتمد تخطيط المدينة على نظام توزيع الوحدات السكنية المتجاورة (بلك) بحيث يكون لكل تجمع سكنى مسجد وحمام ومقشامة (بستان) لتمويل سكان الحارة بما يحتاجونه من خضار وفاكهة ويوجد مشكلتين مناخيتين رئيسيتين فى التصميم المعمارى الإسلامى وهما الحماية من أشعة الشمس الحارقة وتوفير التبريد للمساحات الداخلية وما يتولد عن أشعة الشمس من عناصر مناخية ثانوية كانبعاث الرياح والرطوبة كما أن شكل الأبنية ومواقعها ومواد البناء وسطوح وألوان الواجهات بالإضافة الى تخطيط الشوارع لها نفس التأثير المذكور وتميزت شوارع اليمن بعدم استقامتها وضيقها وعدم امتدادها لمسافات طويلة وتفرعها إلى حارات وعدم استواء سطح الشوارع.
مــنازل المــدينة
تتميز المباني فى اليمن بطابع متميز وفريد ذى ملامح محلية واضحة وإن كانت تعتبر صياغة محلية للعمارة الإسلامية وفى لوقت نفسه لا تتشابه مع طرز العمارة الإسلامية في باقى البلاد الإسلامية الأخرى فعندما تذكر مدينة صنعاء يتبادر إلى الذهن منازلها ذات الطراز المتميز سواء في عمارتها وأسلوب بنائها أو ما تحمله من عناصر زخرفية تزين واجهاتها وعندما تنظر إليها وكأنك تنظر إلى لوحة فنية وتتميز بارتفاع بعضها الذى يصل إلى ست أو سبع طوابق يعطى مظهراً لا يكون إلا فى مدينة صنعاء ولقد كان لتأثير المناخ دور كبير فى تخطيط المنزل في صنعاء حيث نجد أن المنزل الصتعاني ارتبط ارتباطا وثيقا بالمناخ فقد أدرك المعمار اليمنى تبعا للموقع الجغرافى وتأثير المناخ لمدينة صنعاء أن الشمس تتجاوز خط 44,23شرقا والذى تقع عليه صنعاء أثناء رحلتها نحو الجنوب لتتعامد على مدار الجدى فى 21ديسمبر ثم عودتها إلى هذا الخط فى 22مارس واتجاهها نحو الشمال لتعامد على مدار السرطان في 23يونيو ثم عودتها مرة أخرى إلى خط الاستواء في 21سبتمبر ومن خلال ملاحظته لحركة الشمس وجد أن الواجهة الجنوبية من المنزل تكون أكثر عرضة لأشعة الشمس في النهار لتكون أكثر دفئا فى الشتاء بينما تكون الواجهة الشمالية أثناء فصل الشتاء واقعة فى الظلال وبالتالى تكون باردة أما فى فصل الصيف وأثناء رحلة الشمس نحو الشمال وعودتها نحو الجنوب فتكون الواجهة الشمالية أكثر عرضة للشمس بينما تكون الواجهة الجنوبية مظللة مما يجعلها معتدلة الحرارة لذا ركز المعمار فى صنعاء على جعل وحداته السكنية المعيشية فى منزله تتجه جنوبا .
وقد جاء في الموروث الصنعاني (أن البيت العدنى بيت كامل والبيت الغربى نصف بيت والبيت الشرقى ربع بيت والبيت القبلى الشمالى لا بيت) أى أن الغرف فى المنزل المتجهة فتحاتها إلى الجهة الجنوبية يعد بيت كامل وذلك بسبب أن هذه الفتحات تشرق عليها الشمس طوال اليوم في الشتاء كما أنه يأتى إليها الهواء الحار الدافئ من الجهة لجنوبية ويطلق على هذه الجهة فى صنعاء الجهة العدنية نسبة إلى عدن الواقعة فى الجنوب من صنعاء أما الغرف المتجهة فتحاتها إلى الشرق فتعد عند أهل صنعاء ربع بيت وذلك بسبب أن الشمس لا تدخل إليها إلا قليلا وأما الغرف المتجهة فتحاتها إلى الغرب فتعد عند أهل صنعاء نصف بيت وذلك بسبب أن الشمس تدخل إليها فترة أطول من الغرف المتجهة فتحاتها شرقا وأما الغرف المتجهة فتحاتها شمالا ـ أو ما يسميها أهل صنعاء الجهة القبلية ـ فهى لا بيت بمعنى أن الشمس في هذا الجانب لا تدخل الغرف المتجهة فتحاتها إلى هذه الجهة ولذا فقد عمد المعمار في مدينة صنعاء إلى عمل مرافق البيت فى هذا الاتجاه.
عمارة المنازل والمناخ
تشكلت المبانى باليمن وفقاً للظروف المناخية فارتفاع المبانى لزيادة كمية الظل لتظليل الشوارع والأسقف المستوية تؤدى إلى تعرضها لساعات شمس أكثر خلال ساعات النهار أما الجدران فكانت عمودية لتكون الطاقة المكتسبة من الشمس فى هذه الحالة أقل مما يكتسبه السقف من الطاقة ذاتها كما تم اللجوء إلى تظليل الواجهات بواسطة كاسرات الشمس كالمشربيات أو مظلات الفتحات أو جعل جدران المنازل سميكا وشيد من مادة عازلة كالطين والطوب والحجر بأنواعه.
كما أن واجهات المنازل خضعت لاعتبارات الشمس أكثر من خضوعها لحركة الرياح وذلك لضمان توفير أكبر قدر ممكن من سقوط أشعة الشمس على الأسطح الخارجية للمنزل فضلا عن الهواء الجاف الساخن الذي يأتى من الجهة الجنوبية دافئا حيث يصل إلى الغرف فيقوم بعملية تدفئتها شتاء أما بالنسبة للصيف فإن الهواء الحار الذى يأتي من الجهة الجنوبية ونتيجة لعدم سقوط أشعة الشمس على الأسطح المتجهة جنوبا فيمر الهواء على المناطق المظللة قبل وصوله إلى المبنى ومن هذا المنطلق كان التوجيه الأفضل والأمثل للفتحات هو الجنوب ويأتى التوجيه إلى الغرب فى المرتبة الثانية ثم الجهة الشرقية بالمرتبة الثالثة واستخدمت بصنعاء مواد بناء ذات السعة الحرارية العالية كالطين والطوب والحجر بأنواعه التى يمكن زيادتها بزيادة سمك الجدار وذلك للتغلب على خاصية المدى الحرارى الكبير الذى تتميز به المناطق الحارة والجافة من العالم الإسلامى واستخدام الخشب كمادة معمارية بنائية فى عمل الأسقف كما اتخذت منه الأوتار الخشبية التي كانت تربط السقف دونما اهتزاز أو انحراف .
وتقل البروزات فى واجهات منازل صنعاء وتطل من واجهاتها الخلفية على حديقة أو بستان كبير بحيث يعتبر الفناء فى منازل صنعاء حديقة خارجية تفتح عليها المنازل والشائع في بيوت صنعاء الحوش الذى يحيط المنزل من جميع الجهات وتبنى الطوابق السفلية من المنزل وأحيانا حتى 13م بالحجرالأبيض ويبلغ سمك الجدار ما يقرب من المتر ويكون هذا الجزء عديم البروز والفتحات باستثناء المدخل وبعض الفتحات الصغيرة اللازمة للإنارة والتهوية وتزداد الفتحات كلما اتجهنا إلى الأعلى وتكون معظم المنازل مجمع سكنى بمدخل واحد يفتح على ساحة صغيرة( الحوش) تطل عليها المنازل بمداخلها وفتحات نوافذها ويتضح عنصر التفرد فى ندرة اشتراك منزلين متجاورين في واجهة واحدة أو التشابه فيما بينهما رغم اختلاف الطراز الفنى.
ويغلب على المنازل الشكل المستطيل والمربع لمسقطها الأفقى وتتفاوت في مساحتها وارتفاعاتها
كما تميزت بأن المداميك السفلية أعرض من العلوية وهذه الطريقة تعطى قوة تحمل للمبنى واستمرارية كما تتميز منازل صنعاء بوجود غرف علوية يطلق عليها( المفرج ) تمتاز بسعة نوافذها وانخفاض مستواها بحيث يتيح للجالسين متعة النظر إلى الخارج .