السويداء " المسلة " … إلى الشمال من قرية أم الرمان جنوب محافظة السويداء تقع مغارة الهوة إحدى تحف الطبيعة البكر التي تم اكتشافها قبل نحوعشر سنوات. تشكلت المغارة بفعل العوامل الطبيعية البازلتية ويكسوها الكلس وفيها طوالع ونوازل وتشكيلات صخرية في غاية الروعة تضاهي مغارة جعيتا في لبنان.
ولما كانت المغاور نقطة جذب سياحي هامة بالنسبة للسائح وترفع من سوية المنتج السياحي ولاسيما أن سورية غنية بطبيعتها الخلابة والمتنوعة فكان لا بد من تفعيل دورها والتركيز عليها في عملية التسويق والترويج والاستثمار.
وحول أهمية هذه المغارة يقول وسيم شعراني مدير الآثار في السويداء إن المغارة تشكلت جراء عوامل طبيعية وهي جرف مائي وتوضع طبقات بركانية ترك على صخورها تضاريس حضارات تختصر آلاف السنين مشيرا إلى أنه لم يكتشف حتى الآن سوى جزأين فقط من المغارة وان مغارة ثانية تشكلت فوق المغارة الأولى في زمنين مختلفين ومتباعدين. ويستطيع الزائر للمغارة وفقا لمدير الاثار ان يصل اليها عن طريق معبد لكنها تفتقر الى الخدمات الأخرى.
وأشار شعراني إلى أن التجول فيها يعتبر خطيرا بسبب الخوف من احتمال حدوث انهيارات وسقوط أجزاء من سطحها بكميات أوشكت أن تغلقها في أكثر من مكان. وأضاف شعراني أن المغارة تحتاج إلى الانارة وإلى دراسة جدية من قبل وزارة السياحة لتفتح أبوابها أمام السياح المحليين والأجانب للاستفادة من هذه التحف الطبيعية النادرة مشيرا إلى وجود مغاور كثيرة في المنطقة ومن أهمها العريقة المستثمرة بشكل جيد أملا أن تحظى مغارة الهوة أسوة ببقية المغاور والمناطق الأثرية بالخدمات اللازمة.
ولدى سؤالنا المهندس جهاد أبو زكي مدير السياحة في محافظة السويداء حول تأهيل المغارة اكتفى بالقول إن هناك خطة معدة وجاهزة لاستثمار المغارة من قبل وزارة السياحة إلا أن هناك معوقات تتعلق باستملاك مساحة اضافية من فوهة المغارة حيث لا تملك الوزارة سوى جزءا بسيطا من الفوهة لاتتيح لها العمل بشكل جيد على تأهيل المغارة والقيام بدراسة عواملها الطبيعية على النحو المطلوب. وأضاف أبو زكي أنه في حال تم تسوية هذه المعوقات فإن الوزارة ستباشر بتنفيذ الخطة واستثمار المغارة بشكل سريع.
وفي السياق ذاته وريثما يتم تسوية هذه المعوقات تبقى المغارة برسم الجهات المعنية تناشدهم ألا يقفلوا الأبواب على تلك الحضارات المتعاقبة بسبب الاجراءات الروتينية.
ويصل طول المغارة الحالية إلى حوالي 3000 متر وعرضها 12-17 مترا وقد بقي من سطح المغارة السفلى كتفان شاهدان بارزان على تشكلها باتجاه الداخل بعرض يزيد على المترين أحيانا وهذان الكتفان المتبقيان من سطح المغارة السفلى يلازمان جانبيها من مدخلها وحتى نهاية القسم المكتشف منها.
وتحزز كلا الكتفين بثلاثة أفاريز أو أكثر على طول المغارة ونظرا لوجود طبقة من الردميات فإنه يقدر ارتفاع المغارة السفلى بخمسة أمتار أما سطح المغارة العليا فيرتفع عن مستوى الكتفين أي عن سطح المغارة السفلى بين 5 و 7 أمتار. وقد ظهر مدخل المغارة الحالي بسبب انهيار سطحها فشكل هذا الانهيار هوة يصل عمقها إلى حوالي 15م تماما كالانهيار الذي أظهر باب مغارة عريقة .
أما الظاهرة الثانية في مغارة الهوة بحسب الباحثين التاريخيين فهي وجود نماذج رائعة التشكيل من الصواعد والنوازل الكلسية فيها وقد تشكلت ضمن نظم يعجز المشاهد عن وصفها يقدر زمن تشكلها ضمن فترة قد تصل إلى مليوني عام إذ من الثابت أن تكشفات الصبات الثلاثية قد ظهرت على مساحات واسعة في جنوب وشرق جبل العرب وبخاصة الثلاثي الأعلى النيوجين وأن كل ما عداها صبات تابعة للزمن الرابع الذي بدأ قبل مليوني عام.
ويرى الباحثون أن سماكة سطح المغارة الأعلى تزيد على 15م وإن إعطاء رقم المليوني عام قد يكون قليلا فالصهارة البركانية لم تكن خالية من الكلس الذي بدأ بالذوبان مع مياه المطر بعد أن خمد البركان ثم تسربت تلك المياه عبر تشققات سطح المغارة وأثناء تشكل كل نقطة يتبخر بعض الماء تاركا ذرات الكلس تلتصق حول منطقة التسرب ومع الزمن تكدست الذرات لتشكل نماذج مختلفة من النوازل.
ويضيف الباحثون أن استمرار تسرب المياه يزيد من حجم النقطة التي تسقط فوق أرض المغارة فإذا تعرضت للتبخر السريع تكدس الكلس كي يشكل الصواعد المسلاتية ما يدل على أن الصواعد والنوازل في المغاور البركانية لم تتشكل من الكلس الصافي.
وبحسب الدراسات التاريخية يعتبر مصدر الصهارة أو الحمم البركانية في المغارة قادما من تل عبدمار أو من فوهة بركانية تقع غرب التل الذي أقيمت عليه قلعة صلخد وانه بسبب ميل الأرض باتجاه الغرب والجنوب الغربي اندفعت الصهارة في واد عميق بين قرية الرافقة وبلدة ذيبين وانه استمر اندفاع المهل اللزج في ذلك الوادي لفترة زمنية طويلة ما سمح لعوامل الجو أن تبرد سطح هذا الوادي الملتهب, فيتقسى ويتجمد مشكلا سطح المغارة الأولى.
أما عندما توقف انبعاث الصهارة انسحب المتبقي منها والذي حافظ على حرارته العالية تحت الغطاء المتصلب إلى المناطق المنحدرة تاركا فراغا تحت السطح شكل المغارة الأولى وعندما عاود البركان نشاطه بعد فترة زمنية عاد ليرسل حممه إلى الوادي نفسه أي إن الحمم المنصهرة الجديدة قد سالت فوق سطح المغارة الأولى وبسبب استمرار السيلان فقد أدت حرارة المهل العالية إلى إذابة سطح المغارة الأولى مما أدى تشكل المغارة الثانية.