دمشق " المسلة " سلوى صالح … هل يقبل الفن المساومة وهل تبرر الفورة الهائلة في أسعار لوحات الفن التشكيلي تحول العمل الفني من اختيار ثقافي جمالي إلى استثمار تجاري لدى أصحاب الصالات التي تتسابق إلى رفع الأسعار لتصبح عملية الاقتناء ترفاً ورفاهية بعيداً عن قيمتها الفكرية.
وهل صار تعليق لوحة تشكيلية بمقاسات كبيرة لاسم فني معروف في صالون فاره مجرد قطعة ديكور مكملة لأثاث المنزل يتباهى بها مالكوها من باب مواكبة الموضة.
يقول الفنان التشكيلي مصطفى علي إن توفر الإمكانية المادية أمر ضروري لاقتناء العمل الفني ولكن الذوق الفني مطلوب أيضاً فهناك من يملك المال ولكن ليس لديه رغبة بالاقتناء وهناك من تكون لديه هذه الرغبة ولكن إمكانياته المادية عادية فيشتري اللوحة بالتقسيط وهناك من يحجزون العمل الفني ريثما يتوفر لديهم ثمنه .
ورأى أن اسم الفنان يلعب دوراً في موضوع الاقتناء فهناك من يشتري على الاسم المتداول والسمعة سبهان ادم مثلا بالرغم من أن هناك من لا تعجبهم أعماله وهناك من يشترون لفنانين مغمورين بأسعار زهيدة وعندما يصبحون مشهورين ترتفع أسعار أعمالهم فيحقق المقتنون ثروة وهناك من يشتري اللوحات كهدايا للأقرباء والأصدقاء في المناسبات والأعراس وجزء من المقتنين فقط يشترون بدافع القيمة الفنية ومنهم من يشتري ويخزن الأعمال فيصل الاقتناء عندهم لدرجة الهوس.
وحول المبيعات في صالته يقول مصطفى علي إنها تصل إلى خمسة ملايين ليرة بالسنة وقد بيعت إحدى اللوحات في معرضه العام الماضي بـ35 الف دولار.
ولفت علي إلى إمكانية الاقتناء عن طريق شخص يسمى كورييتر وهو مفوض باقتناء أعمال فنية للمتاحف أو لكبار الشخصيات يتمتع بالثقافة الفنية والرؤية الموضوعية وقد يأخذ شريط فيديو لمعرض من المعارض أو صوراً لبعض اللوحات المختارة فيعرضها على الشخصيات التي ترغب في الاقتناء لانتقاء ما تريد منها.
من جانبه يقول الفنان أنور الرحبي أمين سر اتحاد التشكيليين إن المعنيين بثقافة الاقتناء يتنوعون بين اصحاب الثروة المادية وذوي الثقافة الذوقية الجمالية اما ما يتعلق بجمع الثروات فان اللوحة أو العمل الفني قد يلعب دوراً في كسب مالي غير مشروع من خلال تبييض الأموال وخلق بورصات مالية اطارها فني وداخلها تهريب أموال لذلك نجد أن أغلب الصالات الموجودة في الدول الأوروبية أغلقت بسبب إغلاق البورصات المالية.. وبالمقابل هناك فئة ذكية من المقتنين تحترم الجمال والفن البصري من خلال ذوق مشروط بإيقاع فني صحيح بعيداً عن فكرة بيع العمل الذي يعتبر جزءاً من ثقافة المكان.
ويعود بنا الرحبي إلى السوق الفني الطبيعي بسورية في الثمانينيات عندما كان ذوو الدخل فوق المتوسط يستطيعون أن يقتنوا لوحة لافتاً إلى أنه في التسعينيات ظهرت فورة في الثقافة البصرية نتيجة اهتمام الحكومة بالفن واهتمام رأس المال أيضاً فظهرت صالات خاصة استطاعت أن تشاغل الفنانين باقتناء أعمالهم فتكرست بعض الأسماء وبالتالي ارتفعت سوية أسعار اللوحات بما يتناسب مع المتمكنين من سعر الفن وفي تلك الفترة لم يكن هناك ابتكارات وقتية انية بل كانت هناك أسماء مهمة شكلت قاعدة شرائية اقتصادية.
أما بالنسبة لآلية بيع اللوحات فيشير الرحبي إلى اختلاف كلي بين البيع في الصالات الخاصة والصالات العامة التي تعتبر نسبة البيع فيها شبه مجانية فهي تحصل على نسبة 5 بالمئة فقط من المبيعات وهذه النسبة يحددها اتحاد التشكيليين فيما تصل النسبة في الصالات الخاصة إلى 45 بالمئة أو أكثر.
ولفت إلى أن صالة الشعب التابعة لاتحاد التشكيليين تشهد حركة بيع لا بأس بها تصل الى ثمانين عملاً في العام.
وأوضح أن حركة الاقتناء والبيع تتأثر بالمحيط الخارجي وبإقفال عدة صالات وفتح أخرى سواء خاصة أو عامة وبدعم بعض الصالات لذلك يحتاج المقتني إلى ثقافة توازي العمل المبدع وتمنى الرحبي من كل عائلة سورية تملك الإمكانية المادية للشراء ان تدخل ثقافة الاقتناء إلى بيتها.
السيدة دينا تسابحجي من هواة مقتني الاعمال الفنية ولدى سؤالها عن كيفية اختيارها للأعمال التي تود اقتنائها قالت إنها تختار لوحات بمقاسات مختلفة لأسماء معروفة ولكن هذا لا يمنع أن تشتري لوحة لفنان شاب إذا أعجبتها من باب تشجيع الفنانين الشباب.
وتمتلك دينا عشرين لوحة كبيرة وبعض اللوحات الصغيرة التي أهدتها إلى أبنائها كما تمتلك بعض الاعمال النحتية للنحات فؤاد أبو عساف و تقتني لوحات للفنان صفوان داحول اشترتها بسعر معقول واليوم صار سعرها اغلى بعد ان اصبح مشهورا وهذا ما يدخل السرور إلى قلبها كونها تعلق في بيتها لوحات ذات قيمة فنية كبيرة.
عمار عثمان الذي يعمل في غاليري أيام يقول إن معظم من يقتنون الأعمال الفنية هم رجال اعمال اوروبيون بهدف الاستثمار فيما النسبة القليلة من المقتنين هي من السوريين وقد يشتري فنان تشكيلي لوحة لفنان آخر حسب الاهتمام وحسب الحالة المادية00فيما يقول الفنان مصطفى علي إن معظم المقتنين هم رجال اعمال سوريون مقيمون بدبي.
أما مدير صالة ارت هاوس غياث مشنوق فتكتم على الأسماء مشيراً إلى أن الزبائن يفضلون ان تبقى أسماؤهم سرية.
ويقول الفنان التشكيلي بشار ملوك الذي يعمل في تسويق الأعمال الفنية إن نسبة قليلة ممن يشترون اللوحات هم من ذواقي الفن والنسبة الاكبر هم من الاثرياء وسيدات ورجال اعمال المجتمع وهناك من لا يملك ذوقا فنيا ولكن يقتني لمجرد التباهي والموضة وهناك التجار الذين يقتنون لاسباب مادية بحتة.. ومن خلال عملي في التسويق داخل سورية وخارجها الاحظ أن المقتنين داخل سورية يرغبون في شراء لوحات لفنانين سوريين اما في الخارج فيقتنون لأسماء معينة مشهورة بطلب محدد.
وأشار ملوك إلى أن هناك ذواقين لا يملكون الامكانية المادية للشراء لذلك أدعو الفنانين أن تكون أسعار أعمالهم منطقية بعد أن ارتفعت أسعار بعض اللوحات إلى مستوى خيالي مثل اعمال صفوان داحول ونذير نبعة وزهير حسيب وحمود شنتوت..إضافة إلى أعمال الرواد اذ وصل سعر احدى لوحات لؤي كيالي الى سبعين الف دولار.
ويرى ملوك ان عملية التسويق تخدم وتدعم الفن السوري وان مجرد وضع لوحة في بيت أي انسان يعتبر بصمة للفنان السوري ونحن بشكل عام نفتقد للثقافة الفنية في سورية وانا كفنان عندما اشتري العمل للتجارة ابحث عن القيمة الفنية واسم الفنان قبل القيمة المادية.
اما الفنان محمود الجوابرة رئيس فرع اتحاد التشكيليين بدرعا فيرى ان من يقتني العمل الفني هو اما ملك المال او ملك الثقافة الشمولية او شخص ورث الاقتناء ليكون تاجرا وهذا ما يؤثر على ثقافة اللوحة..فأنماط الفن هي التي تفرز المقتنين كون اللوحة التشكيلية هي نتاج معاصر حديث لسورية لا يوازيه كم من المعرفة او الثقافة التشكيلية لدى العامة بحيث تفرز اشخاصا يتفهمون ويستوعبون العمل الفني بحيث نجد ان هناك عزلة كبيرة بين العمل الفني وبين المتلقي فالنخبة هي من يتعامل مع الفن التشكيلي.
ويعود بنا الفنان المخضرم غسان السباعي إلى فترة الخمسينيات عندما كانت الدولة هي المقتني الأكبر للفن التشكيلي وخاصة لأعمال الرواد وبأسعار زهيدة ثم تم فتح الصالات الخاصة في دمشق وحلب وازداد عدد الفنانين وتبادل المعارض داخل وخارج سورية ما روج للفن السوري وبالتالي نشأت برجوازية سورية تعتبر الاقتناء من متمماتها.
وبعيداً عن الاقتناء الخاص تطرق السباعي إلى اقتناء المؤسسات معتبراً أن تزيين دار الأوبرا في دمشق بلوحات لفنانين سوريين يعتبر عملاً حضارياً يدعم الفن السوري متسائلا ما المانع من ان تزين الاعمال السورية ردهات المستشفيات والبنوك والمطارات.