كتب / محمد العويد
تتنوع تصاميم المتاحف المنتشرة في محافظة درعا بين المغلق والمفتوح معبرة من خلال محتوياتها عن غنى الارث التاريخي لهذه المنطقة من سوريا و التفاعل المستمر بين حضور الانسان وادواته التعبيرية التي استخدمها لتخليد صور من حياته اليومية وتسجيل نجاحاته واكتشافاته لتعطي صورة بانورامية عن المنطقة التي مازالت صروحها شامخة حتى يومنا هذا.
وتشمل مقتنيات متاحف بصرى ودرعا وجاسم ادوات الزراعة والحصاد والموءونة والأزياء الشعبية وادوات زينة النساء والبناء فضلا عن مجموعات متفرقة من ادوات صناعة القهوة العربية والالات الموسيقية كالربابة والشبابة والدف والادوات المصنوعة من القش المخصصة لتقديم الطعام ولوحات الفسيفساء وغيرها من المنحوتات الحجرية والتوابيت الجنائزية كبيرة الحجم.
وتحدث أنور الجهماني عضو المكتب التنفيذي لقطاع السياحة والآثار في محافظة درعا عن اهمية هذه المتاحف في تعريف الزائرين بالغنى التاريخي والحضاري للمنطقة مضيفا انه يمكن اعتبار محافظة درعا متحفا بالهواء الطلق فاينما تتجه شمالا او جنوبا تستوقفك العديد من الأبنية الأثرية.
و أشار إلى أن المتاحف في المحافظة تقسم الى متاحف ابرزت الموروث الشعبى بصرى وجاسم تعكس نمط الحياة التى عاشها الأباء والاجداد وتشكل جسرا يربط الماضى بالحاضر والمستقبل الذى يتناقل مفرداته الاباء عن الاجداد وصولا إلى الأحفاد ليكون لهم معينا على المعرفة والتواصل مع الماضى.
و أضاف ان القسم الثاني هو المتاحف الكبيرة درعا المخصصة لعرض المكتشفات الاثرية لافتا الى سعي المعنيين لتقديم كل المستلزمات الضرورية لصيانتها و بالتنسيق مع غرف السياحة في سورية ومديريات التربية والجامعات والمعاهد وتنظيم رحلات دورية إليها بهدف ترسيخ القيمة الحضارية للمحافظة والتعريف بأهميتها التاريخية.
بدورها بينت وفاء العودة رئيسة دائرة آثار بصرى أن المتحف الموجود داخل قلعة بصرى والذي تم افتتاحه عام 1975 يتكون من عدة قاعات أهمها قاعة الفلاح والمطبخ والمضافة والطيور والعروس والالبسة وتحتوى كل قاعة أهم الأدوات المستخدمة فى حياة السكان اليومية.
ويتجاوز عدد اللقى الاثرية التي يضمها متحف بصرى المغلق والمكشوف الـ 1117 قطعة أبرزها 150 قطعة حجرية تتنوع بين تماثيل وتوابيت وأعمدة وقطع اكساء تعود للفترات الرومانية والبيزنطية والنبطية وبعضها تماثيل لالهة النصر تيكة ودافع الشر غورغوريون اضافة إلى احتوائه على تماثيل لشخصيات مهمة ولوحات فسيفسائية كلوحة دير العدس والنقوش الكتابية اليونانية واللاتينية والنبطية والاسلامية وهي عبارة عن نصوص تاسيسية لمبان اثرية وشواهد وقبور.
وأوضحت العودة أن المتحف يقسم إلى قسمين الأول في البرج السابع من القلعة وتبلغ مساحته 480 مترا مربعا والثاني عبارة عن متحف مكشوف يقع على مساحة350 مترا مربعا في الجهة الشمالية بين البرجين العاشر والتاسع موضحة ان عدد القطع المعروضة فيه يبلغ 75 قطعة اثرية.
وتتضمن معروضات المتحف قطعا فخارية يبلغ عددها 391 قطعة تتنوع بين سرج وجرار واباريق واوان منزلية ومدامع وقوارير وقنابل يدوية ايوبية ومجموعة من القطع المعدنية ذهب و فضة وبرونز ونحاس يبلغ عددها759 قطعة فضلا عن 283 قطعة موجودة في المخازن و242قطعة من الزجاج.
وتعد السرج الفخارية أهم المكتشفات الأثرية في بصرى حيث تعتبر من اقدم القطع التي وجدت فيها وتعود الى عصر الحديد كما يوجد بعض الجرار العائدة إلى فترة البرونز الحديث وعدد من السرج العائدة للفترة الهلنستية فيما يعود الباقي إلى الفترات الرومانية والبيزنطية والاسلامية.
ويقسم المتحف الوطني في محافظة درعا إلى قسمين الأول حديقة المتحف التي تمتد على مساحة 5 دونمات وتضم عدداً كبيراً من التماثيل المصنوعة من حجر البازلت القاسي الذي تشتهر به منطقة حوران تم جلبها من مدينة سحر اللجاة معبرة عن حضور تاريخي لشخصيات مشهورة والهة المدينة القديمة وابرزها قبور الدولمن اضافة إلى بعض اللقى الأثرية كما وجدت في الطبيعة بكامل اجزائها كالمدافن الأثرية ولوحات الفسيفساء والجرار والأعمدة البازلتية.
فيما تضم قاعات المتحف الممتدة على 1900 متر مربع قاعات مرتبة حسب التسلسل التاريخي تبدأ بعصور ما قبل التاريخ وصولاً إلى العصور الإسلامية أكثر من 1700 قطعة اثرية متنوعة.
من جانبه أكد محمد نصر الله رئيس دائرة آثار درعا أن المتحف عبر اتباعه المنهج العلمي في تقسيم القاعات يتيح لزواره فرصة قراءة التاريخ بشكل دقيق مبينا ان القاعة الأولى تعرض اللقى الأثرية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ والجيولوجيا أما القاعة الثانية المسماة قاعة الشرق القديم فتضم اللقى الأثرية التي تعود إلى بداية عصر البرونز الممتد من 3200 إلى1200 قبل الميلاد.
و أضاف أن القاعة الثالثة المخصصة للعصور الكلاسيكية تعرض اللقى التي تعود للفترات اليونانية و الرومانية والبيزنطية في حين ان القاعة الرابعة تعرض المكتشفات العائدة بتاريخها للعصورالإسلامية الأيوبي والمملوكي والعباسي والأموي فيما تضم القاعة الخامسة القطع النقدية والحلي الذهبية التي تعود إلى جميع العصور.
و بين أن أبرز القطع النقدية قطعة تحمل صورة الامبراطور فيليب العربي ماركوس يوليوس فيليبوس والذي حكم روما في الفترة بين 244-249 للميلاد عثر عليها في موقع سحر اللجاة حيث تعد من أندر القطع النقدية في العالم حسب توصيفات المؤرخين ولايوجد منها إلا نسختان الأولى في متحف درعا والثانية في مكتبة بيربونت مورغان في نيويورك.
من جانبه بين رائد عسكر أمين سر مكتبة المركز الثقافي بمدينة جاسم ان متحف الفنون الشعبية المفتتح حديثا في ثقافي مدينة جاسم يضم أكثر من200 قطعة تراثية تمثل الذاكرة الحقيقية لأبناء منطقة حوران من عادات وتقاليد.
و يقسم المتحف حسب مقتنياته إلى مجموعات منها مجموعة الأدوات المنزلية كالمفروشات والأدوات الزراعية كالمنجل و الداروس اضافة الى السلال والصاجات والأفران والمناسف وادوات الزينة لتعكس بذلك واقع الحياة الاجتماعية الذي كان سائدا قبل عقود في المنطقة عموما وما يحيط بمدينة جاسم خصوصا.
من جهته أشار صبحي الموصللي مدير تربية درعا الى سعي المديرية لربط الجانب النظري لمادة التاريخ بالجانب التطبيقي عبر تنظيمها للزيارات المدرسية لهذه المتاحف موضحا أهمية الرحلات الدورية لهذه المتاحف باعتبارها مؤسسات ثقافية تعمل على تعريف جيل الناشئة بالعمق التاريخي والحضاري لمنطقتهم.
و قال إن الرحلات المدرسية للمتاحف تعمل على ترسيخ المعلومة لدى الطلاب و غرس مفاهيم قيمة الحضارات القديمة وضرورة الحفاظ عليها اضافة إلى تنمية الحس الجمالي والذوق الفني والوعي الحضاري لديهم.
وأشار السائح فيليب غاسي من ايطاليا خلال زيارته لمتحف بصرى إلى أن الزيارة لا تكتمل الا بالتوقف لساعات أمام ما يقتنيه المتحف من اوان وجرار وادوات صيد حيث انها تقدم صورة تقريبية لواقع الحياة المعاشة في تلك الفترة مضيفا ان المتاحف على أهميتها توفر للزائر فرصة اطلاع نوعية وهامة حيث ان لكل ايقونة حكايتها وتاريخها.
ولفت إلى أن سوريا عموما قطعت شوطا كبيرا في توثيق العديد من الآثار الهامة عبر مجموعة من المتاحف التي زارها في رحلات ماضية مشيرا الى ان المتاحف باتت أحد مصادر المعرفة التي تمكن الباحث او المراكز البحثية من اجراء دراسات معمقة تضاف إلى سياق المعرفة المتوفرة بهذا المجال والمقارنة مع ما توفره المتاحف الاخرى في مناطق أخرى من العالم.