اعداد: فاطمة رياض
جزر القمر.. الطبيعة أغدقت عليها بكرم
هي جنة من جنان الله في الأرض، فتحت لها الطبيعة صندوق عجائبها وأغدقت عليها الكثير من ثرواتها البديعة، ورسمت بريشتها السحرية “جزر القمر”. بفضل هذه الهبة الطبيعية تعتبر “جزر القمر” من أهم المقاصد السياحية في إفريقيا والعالم، وهي إضافة إلى مناخها الإستوائي المميز، تزخر بمخزون ثقافي وطبيعي يجذب إليها الكثير من السياح في كل عام.
والزائر لهذه الجزر الساحرة يجد نفسه أمام خيارات سياحية متعددة، فالطبيعة الخلابة والشواطئ النظيفة والتراث الثقافي كلها توفر للسائح تنوعا سياحيا فريدا، يتباين من سياحة الصيد والمغامرات بالإضافة إلى السياحة البيئية وسياحة الإسترخاء على الشواطئ الرملية الدافئة.
وتذكر الحكايات أن سبب تسمية هذه الجزر بـ”جزرالقمر”، لأن القمر كان بدرا يوم اكتشاف هذه الجزر، لذلك أطلق عليها مكتشفوها “القمر”، وأخذ الأوروبيون الاسم فيما بعد، فأطلقوا عليها اسم “كومور” أو “كوموروس”.
وجمهورية جزرالقمر بلد عربي إسلامي إفريقي صغير يتكون من عدة جزر تقع في المحيط الهندي محصورة ما بين أراضي قارة إفريقيا غربا ويابس جزيرة مدغشقر شرقا، وبذلك فهي تقع عند المدخل الشمالي لمضيق موزمبيق.
وتبلغ المساحة الإجمالية لجمهورية “جزر القمر” 2.236 كيلومترا مربع، ولغتها الرسمية هي العربية والفرنسية، ويمكن للسائح أن يزور عدة مدن فيها فى جولة من أمتع الجولات في العاصمة “مروني” بالإضافة إلى مدينة “موتسامودو” و”دموني”.
وفد العرب إلى “جزر القمر” منذ القرن الأول الهجري قادمين من “حضرموت” وسواحل افريقيا الشمالية إلا أنَّ مخطوطة اكتشفها الفرنسيون تشير إلى أن أصول هذه الدولة تكونت منذ أن نزحت إليها جماعات كانت تسكن منطقة العراق قديما تضم هذه الجماعة خليطا من العرب والفرس.
غير أن اعطاء الصبغة العربية الكاملة لـ”جزر القمر” تم في القرن الحادي عشر الميلادي نتيجة اتساع رقعة الدولة العربية الاسلامية وانتشار رحالتها وتجارها في الأصقاع البحرية الجنوبية لشبه الجزيرة العربية وجنوب شرق مصر واليمن. وقد ورد ذكر “جزر القمر” في كتب المؤرخين والجغرافيين العرب مثل الادريسي والمسعودي وابن خلدون الذي أشاد بعطورها وطيبها وحجارتها الكريمة.
احتل الفرنسيون الجزر عام 1841 وحرفوا اسمها إلى “كومور” ولكن أهلها ظلوا محتفظين بتراثهم وتقاليدهم العربية في مختلف مناحي الحياة إلى أن نالت “جزر القمر” استقلالها في السادس من يوليو عام 1975 وأصبح اسمها الرسمي “جمهورية القمر الاتحادية الاسلامية”.
وتعتبر دولة “جزر القمر” أحدث دولة تنضم إلى جامعة الدول العربية وتمّ ذلك سنة 1993 وكانت قد قبلت في عام 1975 كعضو في هيئة الأمم المتحدة، كما انضمت لمنظمة المؤتمر الإسلامي فى عام 1976.
ولسكان جزر القمر مميزات مختلفة عن سكان باقي البلدان ولهم أيضا زي مميز وعادات مختلفة عن باقى البلدان الاسلامية فالقمريون يمثلون خليطا من الثقافة الإفريقية والاسلامية.
ويتكون “أرخبيل القمر” من أربع جزر بركانية كبيرة ورئيسية هي “جزيرة القمر الكبرى” التي تعرف أيضا باسم “نجا زنجا” وهي أكبر جزرالأرخبيل وعلى ساحلها الجنوبي الغربي تقع “مروني”، لؤلؤة جزر القمر وعاصمة الدولة الإتحادية، وتبلغ مساحة الجزيرة 1024 كلم مربعا ويبرز في وسطها كارتالا وهو أكبر بركان لايزال حيا في العالم، ويرتفع حوالي 2361 مترا، بالإضافة إلى “جزيرة أينجوان” و”جزيرة مايوت” و”جزيرة موهيلي” وهي أصغر الجزر الأربع، وقد رفض سكانها الانفصال عن فرنسا، وتوجد بها أراضي خصبة وتشتهر بزراعة جوز الهند وأشجار الكاكاو.
وميّزت الطبيعة العاصمة “رموني” عن باقي جزر الأرخبيل، فأبدعت سطورها التلال التي تصعد من الحواري الضيقة، ليدخل الزائر في وسط غابات كثيفة من شجر قرنفلي الشكل، يقال إن الشجرة منه لا تبلغ سن النضج إلا بعد عشرين عاما حيث تعطي أزهارا تأخذها فرنسا لتصنع منها أثمن أنواع العطور، لهذا ليس غريبا أن يطلق البعض على جزر القمر ومياهها لقب “أرخبيل العطور”.
وتعتبر “جزيرة أينجوان” لؤلؤة المحيط الهندي، فهي جزيرة جميلة تنتشر بها الأنهار وتتخذ التلال والجبال فيها أشكالا جميلة. وهي أكثر الجزر عددا في سكانها ويوجد بها أقدم ميناء في الجزر.
وآخر عنقود هذه الجزر، جزيرة “مايوت” التي تعطي أغلب انتاج الدولة من قصب السكر والأرز وجوز الهند وتوجد بها المراعي الواسعة لتربية الماشية، وكان البرتغاليون هم أول من رأوها في القرن السادس عشر. وتشبه جزيرة “مايوت” جزيرة مدغشقر في أشياء كثيرة أوضحها المعمار.
ومن أكثر الأنشطة التي يقوم بها القمريون الزراعة حيث تنتشر بها السهول الخصبة كما توجد بها غابة استوائية كثيفة في الجنوب. وتنتج “جزر القمر” قصب السكر والكاكاو والبن وجوز الهند والفانيليا. ويمثل الصيد ثروة هامة من ثروات البلد وذلك لطول سواحلها ويغلب على “جزر القمر” مناخ استوائي بحري وجوها لطيف ممطر اكتسبت جمالها من قربها من خط الاستواء وفي نفس الوقت اطلالها على المحيط وارتفاعها عن مستوى سطح البحر.
ويحظى “أرخبيل القمر” بثروة سمكية لا تقدر، حيث توجد بها أفضل البيئات البحرية في العالم التي تحوي أسماكا نادرة، مثل: أسماك “المرلين”، و”السلفيش”، و”الببغاء”، وسمكة “سيليكانت” التي لا توجد إلا في “جزر القمر”، وتعتبر أغلى سمكة في العالم؛ إذ تبلغ سعر الواحدة عشرة آلاف دولار، كما تتوافر فيها أسماك التونة بكميات ضخمة تزيد على ربع مليون طن سنويًا لا تستهلك منها الجزر إلا سبعة أطنان فقط.
كما تشتهر بالزهور المختلفة التي تصدر معظمها إلى فرنسا لتستخلص منها أثمن أنواع العطور وبعض المستحضرات الطبية، وأشهرها زهور “يلانج بلانج” التي تملأ الجزر وتمثل نسبة كبيرة من دخلها الوطني.
يمكن لزائر الجزر أن يشاهد المساجد وقصور السلاطين الغابرين وأضرحة الأولياء تنتصب شاهدا يؤكد عمق علاقة الاسلام بالأرخبيل كما هو الحال في قرية “بانفا كولي” التي تشتهر بعراقة انتمائها العربي. والجزر ليست حكرا على ذكريات الحضارة وصروح التراث، إذ يمكن للزائر رؤية آثار الغزو البرتغالي وغزوات القراصنة والقادمين من جزيرة مدغشقر.
بفضل ما حباه الله بها من جمال وسحر، أصبحت “جزر القمر” قبلة عدد كبير من السياح، الباحثين عن نوع فريد من السياحة والمتعة، يختلف عن السياحة العصرية وفنادقها الفاخرة ومنتجعاتها المرفهة. في “جزر القمر” الطبيعة العذراء هي روح المكان وزينته.
وتظهر الأرقام بوضوح أهمية المشاريع السياحية التي تنفذها مجموعات دولية على غرار “صن انترناشيونال” وخاصة بالنسبة إلى بلد مثل “جزر القمر” محدود السكان، ويحتاج بشدة إلى زيادة العملات الصعبة التي يمكن أن تدرها السياحة.
ويؤكد أحد المسؤولين أن مستقبلا زاهرا ينتظر “جزر القمر” سيأتي من قطاع السياحة خاصة وأن المسؤولين يعملون على تنظيم البرامج السياحية التي تتلاءم مع السائح الغربي، الأوروبي بالخصوص، وكذلك البرامج التي تناسب السائح العربي المسلم الذي يصطحب عائلته إلى “جزر القمر”، فعلى سبيل المثال هناك أكثر من ألف شاطئ مجهز خصيصا للمصطافين العرب وهي شواطئ جميلة ومعزولة وواسعة وبوسع الأسرة أن تقضي فيها كل النهار من دون أن يزعجها أحد.
إنّ بإمكان جزر القمر أن تصبح وجهة سياحية فريدة، حيث يمكن اعتبارها أفضل منتجع سياحي في منطقة المحيط الهندي ويمكن القول إن جزر القمر ستصبح هاواي المحيط الهندي، إذ يوجد فيها كل الامتيازات التي تجذب السائح إليها، فالطبيعة الخلابة والطقس الدافئ كفيلان بجعلها محط أنظار العالم بأسره.