Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

رحلة دافئة في أحضان الإبداع الرباني. بقلم محمد مصطفى

كتب / قام بالرحلة الصحفى محمد مصطفى• هنا أروع معرض نحت طبيعي في العالم. • أهل الفرافرة يطلون بيوتهم باللون الأزرق خوفاً من الحسد. • لوحات تشكيلية رائعة من صخور ناصعة البياض كقطع الثلج. • حكاية البئر الذي زادت مياهه كلما اقتربنا منه وانحسرت كلما ابتعدنا عنه.إذا كنت من عشاق رحلات السفاري والمغامرات ، الباحثين عن الجمال والطبيعة، يمكنك الذهاب معنا في واحدة من أجمل هذه الرحلات بالعالم.. تعال معنا إلى الصحراء البيضاء أو سويسرا المصرية كما يسمونها حيث الطبيعة البكر التي لم تصل إليها يد المدنية، وحيث آيات الجمال التي صورها وأبدعها الخالق في أروع الصور .. صحراء على مرمى البصر نقية.. خالية.. تخالها تنصت لأصداء التاريخ الهاربة في جوف الزمن تسردها الطبيعة الخلابة الجذابة.. بعد منتصف الليل بقليل بدأت الرحلة من الجيزة بالقرب من أهراماتها الشهيرة.. كنا على موعد مع يوم مثير.. فبعد خمس ساعات من ركوبنا السيارات المجهزة للسير في الصحراء والطرق الوعرة وصلنا إلى أول محطة على بعد 365 كيلو متر وكانت استراحتنا في “الواحات البحرية” يا إلهي ما هذا الطقس البديع الخالي من التلوث، والذي يبعث على الانتعاش !!.. ما هذا الكم الهائل من النخيل وشجر الزيتون !!.. وكيف اجتمعت كل هذه العيون المعدنية والآثار القديمة !؟، وكانت المفاجأة الكبرى هي وجود أعداد وفيرة من السياح الأجانب جاءوا من أقصى بلاد الدنيا للاستمتاع بهذه الطبيعة البكر وما يتوفر في هذه المنطقة من خصائص السياحة العلاجية والثقافية في آن وسط هذا الإبداع الرباني وقفنا نترقب لحظة شروق الشمس وميلاد فجر جديد.. وبعد دقائق معدودة بدأ اللون الأحمر في الظهور خلف أشجار النخيل الكثيفة التي اكتسبت حمرة خفيفة.. ويتزامن ظهور هذا اللون مع نسمات هواء ندية ليكتمل المشهد بتمايل الأشجار وكأنها تتراقص فرحاً لمقدم هذا الوليد الجميل.. وخطوة بخطوة ليكتمل الميلاد ويظهر قرص الشمس كاملاً في الأفق معلناً عن بداية يوم جديد. وتبدأ باقي محطات الرحلة داخل واحة الألف بئر بالتوغل في أحضان هذه الطبيعة الجميلة.. وبعد استراحة وقيلولة نصحنا صديقنا الذي يملك فندقاً سياحياً حفر في بطن الجبل ويطل على الواحة الخضراء – نصحنا بألا يفوتنا مشهد غروب الشمس من فوق معبد الإسكندر – وبالفعل كانت نصيحتة رائعة.. فالشمس في هذه المنطقة تنسحب خلف الأفق البعيد في وداعة ورشاقة وتعزف ألحاناً شجية وتترك في صفحة السماء علامات لا يمكن لأي رسام تشكيلي أن يصنع خطوطها.. سألت صديقي ياسر عبد الحق الذي رافقني في هذه الرحلة وهو يملك كماً من المعلومات الغزيرة عن المنطقة التي عشقها منذ سنين.. ما قصة هذا المعبد ؟.. قال: لقد جاء الإسكندر الأكبر إلى مصر بجيش كبير غازياً ولم يلق مقاومة تذكر من الفرس وقتئذ، وعندما أصبح حاكماً لمصر حاول بالحيلة أن يستميل المصريين فادعى أنه فرعون مصر وابن المعبود آمون رع.. وأخذ ياسر يشرح ويشرح من تفاصيل.. ورحنا نتجول في الواحات البحرية حيث المنازل بالغة البساطة والبدائية والنخيل وأشجار الزيتون والفاكهة تحتضنها من كل جانب في مشهد فريدونواصل رحلتنا إلى عمق الصحراء الغربية المصرية التي تمثل مساحتها 67% من مساحة مصر والتي تجري محاولات اكتشافها حيث أعظم معرض نحت طبيعي في العالم وبكل ما تحتويه من كنوز وآبار ومعابد وآثارمن مختلف العصور وبحيرات وكثبان رملية وجبال ووديان.. ونمر في طريقنا بجبال تحمل ألواناً مختلفة منها الأسود والرمادي والأحمر ووديان آية في الروعة والجمال لنصل إلى محطتنا التالية وهي “واحة الفرافرة” ذات الطبيعة الخاصة والانعزالية وذات التقاليد والعادات العريقة – وفي المدينة القديمة تصافحنا بساتين النخيل كما تلتقينا ينابيع الكبريت الحارة وبحيرة “المفيد”، وسألت مرافقي عن سر طلاء كثير من بيوت القرية باللون الأزرق فأجاب أنه الخوف من الحسد.. وفي المساء عاد القمر يطل علينا ساطعاً تجاوره نجوم تتلألأ في سماء صافية لا غبار فيها ولا أدخنة وفي صمت تستريح عليه الآذان التي طالما أتعبها ضجيج المدينة وأرهقتها ضغوط صخبها.. يا إلهي.. ما هذا الصمت اللذيذ الذي يبعث على التأمل ويستدعيه في وداعة كادت تخنقها أصوات المدينة.. وبعد عشاء من الخراف المشوية والمكمورة تحت الرمال وفواكه وخضروات قطفت لتوها ومياه شفافة صافية كان للغناء دور في منظومة السعادة بآلات موسيقية تميل إلى أنغام الجنوب وتتميز بطابع خاص ورقصات ليس لها مثيل في المدينة ورجال ونساء سمر صنعوا من الرقص لوحة تتميز بالبساطة والخصوصية.. جاء النوم هادئاً عميقاً.. فالصمت يلف المكان وضوء القمر ينير كل ما حوله والهواء يساعد على الاسترخاء دون حبوب مهدئة. في الصباح الباكر ـ وعلى غير عادتنا ـ صحونا نشعر بالنشاط والحيوية وسألنا عن وجهتنا القادمة بعد إفطار صحي قدمته الطبيعة السخية.. انطلقنا إلى حيث “الصحرا البيضا” كثير من الحكايات والأساطير سمعنا في الليلة البارحة عن هذه الصحراء، وهنا طلبت من مرافقنا بعض المعلومات الجغرافية فقال..إن الصحرا البيضا تقع في الجزء الشمالي من واحة الفرافرة وتبلغ مساحتها (1030 كم ) ويتكون الجزء الأسفل منها من الطباشير الأبيض – إن هذه الصخور الطباشيرية تعكس بيئة الترسيب البحرية العميقة – وهي تحاكي الطبيعة فنجد الصخور وقد صنعت أشكالاً عجيبة تشكلت بفعل عوامل النحت التي تمت بواسطة الرياح. وصلنا إلى حيث تحدثوا إلينا.. إنها الصحرا البيضا .. شيء لا يصدقه عقل.. الحجارة كلها بيضاء.. بيضاء ناصعة ككتل من الثلج تمثل لوحات تشكيلية رائعة وفريدة.. ما هذا !؟.. إنه جمل تشكل من الحجارة، ونبات الفطر، وعجل البحر وكثير من المخلوقات.. لا يمكن أن يصدق أحد أنه لم يحضر إلى هنا آلاف النحاتين المحترفين وقاموا بتشكيل هذه التماثيل والأشكال.. هذه بقايا أشجار متحجرة وهذه أيضاً أشجار السنط المعمرة.. طلبت لقاء أحد المعمرين في المنطقة.. ومن حسن حظي أن تواجد أحد قصاصي الأثر الذي يبلغ من العمر أكثر من ثمانين عاماً.. التقيته بشغف كبير وأخذت أمطره بالأسئلة وهو ينطلق بالإجابة بذاكرة ابن العشرين وفرحت عندما قادني إلى بئر من المياه له أسطورة شهيرة في المنطقة.. إنه “عين الثرو” قال لي عم عبده الحاطي.. يابيه البير ده المية بتزيد فيه لما الناس بتيجي عليه وتقل المياة عندما يذهب الناس من أمامه.. في البداية لم أصدق ورحت ومن معي نجري عشرات التجارب.. رأينا بأعيننا المياه تزيد وتتدفق كلما اقتربنا من هذا البئر وهي بالفعل تقل وتنحسر كلما بعدنا عنها.. حكى لي عم عبده قصاص الأثر الشهير بالمنطقة قصة رحلة الشتاء والصيف التي كان يقضيها أبناء البادية من واحة الفرافرة إلى حيث الصحراء الليبية الممتدة يحملون معهم التمر ويعودون بسلع أخرى يحتاجونها. لا زلت في رحلة التأمل في “الصحرا البيضا” محطتنا الأخيرة في هذه الرحلة فقمنا بجولات استكشافية لمناطق عديدة في هذه الواحة الرائعة حيث العديد من المناطق الأثرية التي تضم مجموعة من الكهوف النادرة وبقايا مومياوات قديمة ونقوش من عصور ما قبل التاريخ.. وبعد ساعات من المتعة الفريدة وسط سويسرا مصر – منطقة تظنها للوهلة الأولى ثلوج ناصعة البياض وعندما تقترب تجدها صحراء ممتدة اكتست بالبياض والنقاء.. وفي رحلة العودة استقرت الدهشة على الشفاه ونحن نشاهد الصحراء السوداء – ألوان وطبيعة مختلفة تماماً – فبعد أن تركنا في طريقنا واحة “الحايز” وما يتقرب منها من الأطلال الرومانية والكنيسة القبطية التي تحتوي على رسوم من “الجرافيت”.. وفي طريق العودة لم نستطع مقاومة روعة الكثبان الرملية الذهبية، ولم أخف شغفي بأن أصعد بالسيارة الجيب التي كنت أستقلها بجوار سائق محترف الصعود إلى بعض الجبال وقد كانت تجربة مدهشة رغم ما تملكني من خوف في بدايات هذه المغامرة. وبعد عزيزي القارئ .. هل تظن أنه بإمكاني أن أنقل لك كل ما شاهدته خلال خمسة أيام من أحلى أيام العمر خلال هذه السطور القليلة التي خصصت لتغطية هذه الرحلة؟ بالطبع لا .. فالمشاهدات كثيرة ومتنوعة والمتعة لا حدود لها.. إنها لمحة من صحراء مصر الغربية.. أما حكاية اختفاء جيش قمبيز بكامله في هذه الصحراء.. وكذلك حكاية بحر الرمال الأعظم والحلف الكبير وغيره من حكايات الصحراء الغربية.. كل ذلك وغيره سنستكشفه في رحلتنا القادمة.. فإلى اللقاء

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله