“محمد مصطفي”لم أكن أقرأ صفحة الوفيات في شبابي. فقد كانت كل أحلامنا أفراحا.عندما تقدم العمر. وبدأ رفاق الطريق يتركوننا إلي رحاب الله. حرصت علي متابعة أخبارهم. فمنهم من غاب عني وغبت عنه. لأكتشف عند فقده أن جزءا مني يقتطع. أدمنت صفحة الوفيات. ولو أنني في الفترة الأخيرة لم أعد أجد فيها أحدا من أبناء جيلي. وكثيرا ما كنت أطويها. أقول لنفسي – ساخرا – لم يعد سواي!. فقدت أعزاء أضافوا لقلبي الأحزان. ولم أستطع أن أمسك بالقلم أنعي واحدا منهم. عجزت لفرط تأثري عن إعلان عواطفي. ثم عجزت بسبب الصحة والسن عن المشاركة كما أحب في واجب العزاء.. كان القلب يبكي في صمت. فكل صديق ذهب وتركني وحيدا عاريا. يزداد بفقده إحساسي بالبرد في هذه الدنيا. الأصدقاء أعمدة تتكاتف مع بعضها البعض. تعطي إحساسا بالأمان.. وعندما يتساقطون أبدوا معلقا في الهواء بلا سند أو كيان. قد لا تلقاه عاما كاملا أو بضعة أعوام يمكن أن تطول. ولكنه موجود. رصيدك في الحياة. عندما حدثني شقيقه. أدركت أن أمر الله وقع. فانقبض قلبي.. إذن لم يفد دعائي ودعاء الألوف من محبيه. ولم يستطع أمهر الأطباء أن يوقفوا الهجمة الشرسة علي جسده. فقد اختاره الله إلي جواره. ما أقسي الدنيا علي الذين يشيعون أحبابهم. وما أكثر الذين تركونا وحدنا. الكاتب الصحفي الأديب عاشق التاريخ صاحب القلب الجميل “جلال السيد” فوجئت به يتخلي عني مبكرا ومازلت أفتقده. الشاعر الصحفي الإنسان قمة الاستقامة والعطاء “مصطفي بهجت بدوي”. أحبه واحترمه كل من عرفه. الزميلة الرقيقة المشاغبة الشجاعة “سهير عبدالستار” لم يقهرها سوي المرض الخبيث ومع ذلك ظلت تقاومه بنفس الشجاعة. ورجال عرفتهم عن قرب. اختلف البعض حولهم. ولكنهم نجوم ساطعة ونماذج رائعة إنسانيا ومهنيا. ظلمتهم الأيام أحيانا. كما ظلمهم الحكام.. “حلمي سلام”. “إبراهيم نوار”. “موسي صبري”. “صلاح الدين حافظ”. “صلاح عزام”. “ابتسام الهواري”. وغيرهم ممن لا تستطيع مساحة المقال استيعاب أسمائهم.. ذهب كل منهم ومعه قطعة من القلب.. تري كم بقي في القلب..؟!. لم أستطع أن أكتب عن واحد ممن أحببت. حتي جاءني نبأ “محمد مصطفي”. وكنت قد رأيته قبل ساعات علي سرير مرضه في مستشفي “وادي النيل”. متألما صابرا مجاملا. ولم أصدق أنها المرة الأخيرة التي نلتقي فيها. لن أتحدث عن كتبه ومقالاته التي تسابقت علي نشرها في الفترة الأخيرة أكثر من صحيفة. أو عن برامجه التليفزيونية يقدم فيها نجوم الصحافة ورجال الأعمال. أو عن عصاميته وصعوده بشرف واحترام. وإنما أتوقف أمام سؤال كان يجيبني عليه دائما بابتسامة وأحيانا يتمتم من فضل الله.. كيف أحبه كل هؤلاء. وأحبهم؟.. لم يختلف أحد عليه. فحظي بتقدير ومعزة وأخوة وزراء ومحافظين ومسئولين وفنانين وصحفيين ومواطنين عاديين. مثله يبقي ذكره في الدنيا.. ويدخل الجنة!.