باب – بوابة مصرية ل الصحفى محسن حسن
الرياضة المصرية .. بطولات حية .. وأهداف ميتة !!
في الساعات القليلة الماضية ، أجريت فعاليات قرعة كأس العالم للشباب بمدينة الأقصر ، ورغم الترحيب الشديد الذي أبداه الأعضاء المشاركون باختيار هذه المدينة السياحية الرائعة لتكون مكاناً لإجراء القرعة ، إلا أن حفل إجراء القرعة جاء كعادته دائماً ـ في مصر ـ رتيباً ومملاً ولا يتناسب مع التسويق السياحي اللائق بمسابقة يشارك فيها 24 منتخباً يمثلون خمس قارات عالمية ، ورغم أنغام موسيقى عمر خيرت الجميلة الحالمة ، إلا أن تفاصيل القرعة جاءت جافة ومقتضبة إلى أبعد الحدود ، وخالية مع عناصر التشويق والإبهار .. والسؤال هو .. هل مجرد اختيار مدينة الأقصر لإجراء القرعة هو غاية المراد في مناسبة كهذه تتناقلها وسائل الإعلام العالمية ؟
الإجابة بالقطع : لا ؛ فقد كان من الممكن أن تستغل وزارة السياحة المصرية هذه المناسبة ، بإعداد برنامج سياحي ترويجي وتسويقي متكامل للتعريف بمفردات السياحة الرياضية في مصر ، خاصة وأن مدن السياحة المصرية شهدت الكثير من المسابقات الدولية والعالمية على أرضها منها مثلا بطولة الاسكواش الدولية بالغردقة ، وسباق مصر الدولي للدراجات بجنوب سيناء ، وماراثون مصر الدولي بالأقصر ، ومسابقات وأماكن سياحة رياضية مصرية أخرى غير ذلك كان من الممكن استغلال حفل كهذا للتسويق والترويج لها عبر وسائل الإعلام العالمية ، فمن غير المعقول أن تمر في مصر أية مناسبة عالمية رياضية على وجه الخصوص دون استغلالها في دعم السياحة الرياضية الوليدة على أرض مصر !!
*****
والسؤال الذي يطرح نفسه : هل ستمر بطولة كأس العالم القادمة للشباب على أرض مصر كما مرت قرعتها بالأمس مرور الكرام ؟ الواقع يشهد أن نتائج الإعلام السياحي الرياضي في مصر هزيلة ومتدنية خلال البطولات والمسابقات الرياضية على أرضنا ومنها بالطبع بطولة ماضية لكأس العالم للشباب!!
والسبب ـ في رأيي ـ يعود لنظرة تقليدية تسيطر على عقولنا وتفكيرنا تجاه البطولات والمسابقات الرياضية ؛ فهي في نظرنا مجرد تجمع رياضي يبدأ بشعلة واحتفال جماهيري ، ثم ينتهي باحتفال مماثل وتسليم جوائز !!
وهي نظرة لا يخفى على أصحاب الفكر الثاقب أنها كفيلة بقتل جوانب ثرية وبراقة يمكن الاستفادة منها وتوظيفها في خدمة السياحة المصرية التي لا أعتبرها ـ هي الأخرى ـ مجرد تعريف جغرافي بالمدن والمنتجعات الترفيهية والرياضية ، بقدر ما أعتبرها مصطلحاً اثيراً يحمل بين طياته قيماً حضارية وثقافية وسياسية ودينية جديرة بتقديمها لكل وافد وزائر ..
*****
لكل ذلك أرى تقصيراً بالغاً في استغلال الفعاليات الرياضية على أرض مصر ، فبطولة مثل كأس العالم للشباب يشارك فيها أكثر من 650 فرداً مشاركة فعلية ويعتبرون سفراء لنا في قارات العالم ، وتتابعها كل الدنيا عبر المرئي والمسموع ، يجب أن تحشد لها الطاقات الخلاقة ، وتتكاتف خلالها كافة مؤسسات الدولة للتعريف بنا وبتاريخنا وبحضارتنا وبلغتنا وبثقافتنا وبديننا وبكل ما نملك من عطاء وإنجاز ، بل لا أكون مبالغاً إذا قلت بأن مثل هذه الفعاليات الرياضية العالمية توظف من قبل دول بعينها لإحداث طفرة في الهيمنة الثقافية والسياسية والإعلامية ، وانتزاع التأييد من ” ضيوف الرياضة ” للمواقف العالقة والانتماءات المطلوبة ..
كل هذا وغيره يحدث في دول العالم المتحضر عند استضافة أي بطولة رياضية عالمية ؛ فما إن تستقر الدولة على استضافة الحدث حتى تسارع وزاراتها المعنية ـ بمساعدة فاعلة من وزاراتها غير المعنية ـ بإعداد الحملات الدعائية الواسعة للتعريف بالحدث والبلد المضيف ، وتتحول الهيئات السياحية والمؤسسات الرياضية إلى كتلة عاملة تنطلق عناصرها البشرية لتحميل الحدث ما يستحقه من إنجاز ، وتهيء وزارات الثقافة نفسها في ثوب جديد كي تنقل إلى هؤلاء السفراء الوافدين إلى أرضها رسائل ثقافية ذات مغزى تبقى في ذاكرتهم ويحملونها إلى بلادهم فيغيروا بها أفكارا مغلوطة ، واعتقادات منحرفة عن البلد المضيف ..
*****
هذا غيض من فيض مما يحدث في بلاد العالم في مثل تلك المناسبات النادرة والقليلة التكرار والحدوث .. ولكي لا أطيل عليك ـ عزيزي القاريء ـ أطرح معك على مسئولي السياحة والرياضة المصريتين هذه الأسئلة : ماذا أعد هؤلاء المسئولون لاستغلال هذا الحدث العالمي ؟
هل تبنت وزارة السياحة المصرية برنامجاً متكاملاً خلال الشهور القليلة القادمة للترويج والتسويق لهذه البطولة العالمية ؟
هل فكر جهاز الرياضة في استغلال الحدث بما يضمن إحداث طفرة في المنشآت الرياضية المصرية خاصة في مدن الصعيد والوجه القبلي على اعتبار أنها من المناطق الأكثر تهميشاً في اهتمامات هذا الجهاز ؟
هل فكرت وزارة الثقافة في إعداد برنامج ثقافي توعوي عن الشخصية المصرية تبثه من خلال فنادق اللاعبين خلال أوقات فراغهم ، وكذلك وزارة السياحة بالنسبة لآثارنا المصرية وسياحتنا الرياضية ؟
هل فكرت وزارة الاقتصاد في وضع خطة مالية لاستثمار الحدث تكون في صالح هذا الشعب ؟
هل خطر ببال وزارة الإعلام والتليفزيون المصري وضع خطة برامجية تفتح من خلالها باب المشاركة الجماهيرية مع اللاعبين والإداريين في حوار مفتوح يترك علامات فارقة عن صورة مصر والعرب والمسلمين في نفوس الضيوف ؟
وأخيراً أتوجه إلى كل المسئولين في مصر ـ دون تحديد جهة بعينها ولا شخص بذاته ـ وأقول : لماذا لا يوظف حدث كهذا بشكل منظم وبسيط على أنه علاقة نادرة بـ ” الآخر ” ، وفرصة يجب ترجمتها إلى عمل قومي وحضاري ؟ وحتى يجيبني أحد ، تظل بطولات مصر الرياضية في نظري ونظر الكثيرين مجرد بطولات حية ، لأهداف لازالت في عرف العمل الجاد والمنظم أهدافاً ميتة !!
والى لقاء
الصحفى محسن حسن [email protected]