باب شجون مصرية ل الكاتب محمد مصطفى
هذا الشبل من ذاك الاسد
ربطتنى علاقة وطيدة برجل المخابرات المصرى البارز الراحل محمد نسيم الذى كان واحداً من قادة الخدمة السرية فى المخابرات لسنوات طويلة .. ونسيم كان شخصية نادرة تمرس على الصبر والصمت وامتصاص المفاجآت فى هدوء ورباطة جأش ، وكانت مصر تستقر فى أعماقه وتحتل شغاف قلبه ولا تغادر عقله ومشاعره لحظة واحدة .
جمعتنى بالرجل جلسات كثيرة وكان دائماً يقاوم نهمى الصحفى فى معرفة الأسرار المثيرة التى كان يضعها فى صندوق مغلق داخل صدره ، ولا يفرج الا على ما يريده مهما كانت الضغوط ، فلم أنل الا القليل من هذه الأسرار المثيرة لنشرها فى تحقيقات صحفية .. ورغم هذا القليل فقد كنت واحداً ممن أتيحت لهم فرصة معرفة العديد من العمليات المخابراتية التى شارك فيها الرجل وقاد بعضها .
بعد سنوات اكتفيت بدور الصديق وتوثقت العلاقات الشخصية والعائلية بيننا ، وأتيحت لى فرصة مصاحبة محمد نسيم فى العديد من الرحلات ، فكانت رحلة استمرت اسبوعين فى الجزائر ورحلات أخرى عديدة فى سوريا ولبنان ودول الخليج عندما كان الرجل يشغل موقعه كأنجح رئيس لهيئة تنشيط السياحة التى أسسها بعد تركه موقعه فى الخدمة السرية بالمخابرات ، وخلال تلك الرحلات ومع حميمية العلاقة استمعت الى الكثير من محمد نسيم، وللأسف فإن الدراما التليفزيونية التى تناولت بعض ملفات المخابرات لم تكن قريبة من الوقائع ، وهو أمر كان يضيق به محمد نسيم وكثيراً ما فسر لى كيف أن بعض هذه المسلسلات تسيىء الى الحقيقة والوقائع الذى حدثت بالفعل .. كان حنقه كبيراً على مسلسـل ” الحفار ” الذى شوهت فيه الدراما دور الأبطال الحقيقيين الذين أدوا هذه الملحمة ..
ولعل أكثر ما يحتاج لإلقاء الضوء عليه فى مسيرة محمد نسيم والتى تعكس كفاءة جهاز المخابرات المصرى فى وقت لم تكن متاحة هذه الأجهزة والأدوات التكنولوجية الموجودة الآن ، فقد كان رجال المخابرات يعتمدون على ايمانهم بعدالة قضايا مصر وعلى ذكائهم وكفاءتهم ووطنيتهم والجهد المخلص الذى يبذلونه والتضحيات الكبيرة التى كانوا يقدمونها فى سبيل الوطن .
#####
ان أكثر ما يحتاج لتسليط الضوء عليه تلك الفترة التى قاد محمد نسيم خلالها العمل السرى فى بيروت حيث كانت أجهزة المخابرات العربية والأجنبية تتصارع فوق أرضها وكانت محطة استخباراتية زاخرة بأجهزة ومدارس وأدوات عديدة ، وكان لعب الأجهزة خلال هذه الحقبة ” على المكشوف ” .. وفى هذه الفترة تم تهريب عبد الحميد السراج نائب رئيس الجمهورية السورية الأسبق من سجن المزة الرهيب فى سوريا وتم اخفاءه فى منزل محمد نسيم نفسه فى بيروت .. هذا المنزل الذى كان مرصوداً من أجهزة المخابرات المتصارعة .. وقصة تهريب السراج ثم تفاصيل ترحيله الى القاهرة تحتاج الى وقفة تأمل لجسارة وجرأة نسيم البالغة ..
لقد تحمل الرجل فى سبيل تنفيذ العمليات العديدة التى كان يكلف بها الكثير من الأخطار ، فقد روى لى – يرحمه الله – أنه تم وضع قنبلة موقوتة تحت سيارته فى الوقت الذى كان يستعد للذهاب بولديه هشام وفؤاد الى المدرسة ، لكن عناية الله أرادت أن يكتشف هذه القنبلة قبل انفجارها بدقائق ، كما أن فى القصة الحقيقية لإغراق الحفار الكثير من التفاصيل التى تثبت مدى قوة أعصابه وثباته الإنفعالى عندما حمل حقيبة مملوءة بالمتفجرات الى ابدجان وفى الطريق وقف ترانزيت فى مطار روما ، وذهب الى أحد ضباط المطار وطلب أن يترك عنده هذه الحقيبة حتى يذهب فى جولة سريعة للإستمتاع بمدينة روما الى أن يحين موعد اقلاع الطائرة بعد 6 ساعات .
حكايات كثيرة وتفاصيل مذهلة أرجو أن تتاح الفرصة يوماً ، ويتم الإفراج عنها ليعلم الجميع مدى ما يبذله رجال المخابرات والخدمة السرية من جهود وتضحيات وما يتعرضون له من أخطار .
#####
اليوم تدور عجلة الزمن ويأتى ابن محمد نسيم الأكبر ” هشام ” ليحقق انجازاً لمصر ولكن فى مجال مختلف – فقد استطاع هذا الشبل أن يسجل اسمه فى موسوعة جينسى للأرقام الخارقة وذلك من خلال تجربته فى عبور بحر الرمال الأعظم فى رحلة من شمال الجلف الكبير حتى واحة سيوة فى سيارة واحدة وفى وقت قياسى وليكون هشام نسيم هو أول مصرى وأول عربى يتم تسجيله فى الموسوعة من خلال مغامرة من هذا النوع .
آه لو كانت المعلومات متاحة عن الأعمال الخارقة التى قام بها محمد نسيم .. لأحتلت صفحات من موسوعة ” جينسى ” لكن الواقع يؤكد أن ما حققه محمد نسيم وغيره من رجالات مصر الأبطال قد سجل بحروف من نور فى تاريخ الوطن .. مبروك لهشام محمد نسيم انجازه الذى يؤكد أن هذا الشبل من ذاك الأسد .
والله من وراء القصد,,,
للتواصل مع الكاتب محمد مصطفى مباشرة Egcmedia @ hotmail.com البريد الشخصى