قبل نحو3 أسابيع تقريبا وبالتحديد في18 سبتمبر الماضي.. كتبنا علي هذه الصفحة من سياحة وسفر مقالا تحت عنوان اضبط.. وزارة السياحة تبيع تأشيرات الحج المجانية وذلك بمناسبة الإعلان عن توزيع10 آلاف تأشيرة اضافية علي شركات السياحة مقابل12 ألف جنيه لكل تأشيرة رغم أن هذه التأشيرات تعطي مجانا من السعودية.. وقلنا إن المصريين الغلابة الذين يتشوقون لأداء الفريضة هم الذين سيدفعون الثمن. وأنه من غير المعقول أن تبيع الوزارة التأشيرات كأنها دخلت السوق السوداء مثل الشركات, ولايجوز أن تفعل ذلك مهما تكن المبررات.
وقلنا إن هذا البيع للأسف إجباري لمصلحة وزارة السياحة.. لكن كعادتنا خرج البعض يقول إن البيع تقوم به غرفة شركات السياحة وليس الوزارة وإن ذلك سيكون للمساهمة في صندوق يخصص لدعم صناعة السياحة.. ثم تراجعوا وقالوا انه اختياري وليس إجباريا.. وبرغم أنه حسب مصادرنا كان هناك رفض من عدد كبير من شركات السياحة لبيع التأشيرات فإن بعضهم خاف من شائعة تقول ان الشركة التي لن تقبل الحصة الإضافية ربما يتم عقابها مستقبلا من الوزارة. ولذلك فإن الشركات قبلت هذه التأشيرات ولم يتنازل عنها أو يرفضها سوي عدد محدود, كما قالت مصادرنا في الغرفة, بل إن هناك شركات طلبت تأشيرات مجموعها يفوق الـ10 آلاف تأشيرة اضافية!!
إذن.. لماذا حدث هذا التحول في موقف الشركات؟ وما معناه؟ أو ماذا يخفي وراءه؟ وهل معني ذلك كله أن بيع التأشيرات صحيح أو مقبول؟
للأسف كما قلنا إن التحول حدث في موقف عدد من الشركات خوفا من العقاب أولا.. أو خوفا من المجهول والمستقبل علي أيدي المسئولين في وزارة السياحة الذين في أيديهم إرسال لجان التفتيش إلي الشركات وتحرير المخالفات ووقف حال كل شركة تعترض علي النظام وذلك تحت ستار أو حجج أخري غير عدم تنفيذ أو قبول التأشيرات الاضافية.. لأن الوزارة في حقيقة الأمر التزمت بجمع120 مليون جنيه مقابل هذه التأشيرات من الشركات لمصلحة الدولة سواء لوزارة المالية أو للانفاق علي البعثات ورغم أن الحكومة نفت ذلك فإن الوزارة اتفقت مع الغرفة علي هذا المبلغ مقابل هذه التأشيرات ولابد من التنفيذ.
ونحن لانبالغ في قضية تهديد الشركات بالعقاب أو باللجان وتحرير المخالفات وهو ماحدث بالفعل انتقاما من بعض الشركات التي أعلنت رفضها لبيع التأشيرات الاضافية المجانية.
السبب الثاني والأهم لإذعان وقبول الشركات لفكرة قبول التأشيرات الاضافية هو أن الشركات عندما فكرت في الأمر اكتشفت أن المسألة بسيطة وأنها لن تخسر شيئا أو تدفع شيئا من جيبها أو من خزائنها وأن كله علي حساب الزبون أو الحاج.. بمعني أن شركات السياحة قالت إن هذا المبلغ الـ12 ألف جنيه سيتم تحميله علي الحجاج المصريين الغلابة واللي عاجبه يدفع.. وأنهم أي الشركات يعلمون مدي تشوق المصريين للحج لذلك فكروا في الأمر وقرروا قبول التأشيرات الإضافية لأن هناك الآلاف من المصريين الذين سيدفعون الغالي والنفيس في سبيل زيارة بيت الله الحرام وأداء فريضة الحج. إذا لماذا وجع الدماغ والخناقة مع وزارة السياحة؟ فليدفع كل حاج مصري الـ12 ألف جنيه ثمن التأشيرة الاضافية.
وفي حقيقة الأمر فإن نظام الحج السياحي نفسه يفرض علي كل حاج دفع من12 إلي15 ألف جنيه ثمن التأشيرات العادية التي تبيعها الشركات من خلال نظام الحصص بينها وبين بعضها في السوق السوداء.. فما الفرق إذن!! فليدفع المصري.. ليس ثمن التأشيرة الاضافية فقط.. بل مكسب الشركة كمان الذي يتراوح بين5 آلاف و10 آلاف جنيه للشركة عن كل حاج أو حتي3 آلاف أو5 آلاف جنيه فقط عند بعض الشركات.. والله أعلم!!
لكن المشكلة الكبري أنه عندما بدأت شركات السياحة تنفيذ الحصة الاضافية اكتشف البعض عدم رغبة بعض الحجاج الاقامة في مني المطورة كما كان الاتفاق بشأن تنفيذ هذه التأشيرات الاضافية, وبالتالي فرغم أن التأشيرات كانت في بداية الاعلان عنها أنها ستوزع علي كل شركة لمحدودي الدخل أو للحج الاقتصادي بواقع نصف الحصة الأصلية للشركة وأن تنفذ بالبر أو البحر وأن تكون في مني المطورة..
إلا أن بعض الشركات ذهبت إلي السعودية واتفقت علي تنفيذها في مني العادية خوفا من بعض الآراء التي لاتؤيد الاقامة في مني المطورة ولذلك اتفقوا مع المطوفين والمسئولين في السعودية علي تنفيذ بعض التأشيرات في مني العادية مقابل رسوم تصل إلي نحو5 آلاف جنيه!! يالله.. يعني الحاج المصري سيتحمل12 ألف جنيه لوزارة السياحة و5 آلاف جنيه للسعودية ومكسب الشركة من3 إلي5 آلاف جنيه, يعني سيتحمل أكثر من20 ألف جنيه لايتلقي مقابلها أي خدمة!! يعني يتم النصب علي الحاج المصري أو سرقته أو وضع الايادي في جيبه غصب عنه وأخذ20 ألف جنيه منه بلا مقابل.. والله حرام..
ثم بعد ذلك بالطبع ستتم اضافة تكلفة البرنامج, أي أن هذا الحج الذي قيل انه اقتصادي أو لمحدودي الدخل سيتعدي30 ألف جنيه.. كيف يحدث هذا.. وبمعرفة أو علم وزارة السياحة؟.. ألا من أحد يتدخل لمصلحة المواطن أو الحاج المصري الغلبان الذي تنهال علي رأسه الضربات من كل اتجاه مستغلين حرقته لأداء الفريضة؟!
لقد كتبنا علي هذه الصفحة منذ سنوات وأكثر من مرة عن أن هناك خللا في نظام توزيع تأشيرات الحج بنظام الحصص وأن المظلوم في ذلك هو الحاج أو المواطن المصري.
واليوم نكرر الكلام نفسه.. لعل وعسي أحدا يستجيب ويصلح الاوضاع ويفكر في المصريين الغلابة ولايفكر في مصلحة شركات السياحة فقط ومكسبها تحت دعاوي حرية الاقتصاد وحرية إنشاء الشركات!!
ان مايحدث في العالم الآن من تحولات في الفكر الرأسمالي تجعلنا نفكر بجدية في عدم قبول إلا مايحقق مصلحة المواطن.. أو المصلحة العامة.. فعند المصلحة العامة يجب أن تنتهي المصالح الخاصة تماما.
ان الحج في مصر يعتبر أغلي حجا في العالم.. لقد سألت كثيرا من القائمين علي الحج في دول عديدة واكتشفت أن معظم الدول الإسلامية والعربية وحتي الأوروبية يتم تنظيم الحج فيها بنصف أسعار الحج للمصريين!!
تصوروا.. الحج السياحي من أوروبا: ألمانيا وفرنسا وايطاليا لايتكلف أكثر من2500 إلي3500 يورو للحج الفاخر ومن أمريكا يتراوح بين4 آلاف و6 آلاف دولار أو7 آلاف يورو للحج الفاخر, أي الفنادق5 نجوم, أي30 و35 أو40 ألف جنيه, أما في مصر فضعف هذا الرقم بالطبع..
ونحن هنا لانتحدث بالطبع عن شركتين أو ثلاث تنظم الحج في مصر بنحو100 ألف جنيه, فهذه نسبة ضئيلة جدا. نحن نتحدث عن الغالبية في الحج السياحي, ففي مصر الحج السياحي الآن في المتوسط من40 إلي60 ألف جنيه.
إن المشكلة ليست في ان الحصة الاضافية سيدفع عليها المصري أكثر من20 ألف جنيه.. بل في الحج السياحي بشكل عام, فهذا المبلغ يتم دفعه أيضا ولا أحد يتكلم كل عام وذلك بسبب نظام الحصص الذي تنفذه وزارة السياحة منذ سنوات طويلة. وهو نظام كما قلت يراعي مصلحة الشركة ولايراعي مصلحة المواطن.
إن هذا النظام اخترعناه عندما زادت أعداد شركات السياحة التي تنظم الحج والعمرة وأصبح انشاء هذه الشركات هدفا يتقاتل من أجله عدد كبير ممن يستهويهم الربح السريع والكبير ودون مجهود.
فرغم أن الأصل في إنشاء شركات السياحة أو الهدف الأول هو جلب السياحة الأجنبية إلي مصر فإن الواقع يقول إنه من بين نحو1500 شركة سياحة مرخص لها بالعمل في مصر فإن أكثر من1200 شركة تعمل في الحج والعمرة والعدد الصغير الباقي هو الذي يسعي لجلب السياحة..
وكما قلنا لأن المكسب هنا سهل ومضمون وعلي دماغ المواطن المصري الغلبان أو من جيبه دون وجع دماغ في رحلات وتسويق لجلب السياحة الدولية.
مرة أخري إن المصلحة الخاصة يجب أن تتوقف وتختفي تماما أمام المصلحة العامة, بمعني أن وزارة السياحة أو الحكومة يجب أن تفكر في المواطن ولاتفكر في مكسب شركات السياحة بحجة حرية الاقتصاد وحرية انشاء الشركات والمنافسة في النظام الرأسمالي, فمصلحة المواطن أولا..
ومن هنا فإن هناك بعض الأفكار أو الاقتراحات الجريئة جدا التي يجب أن نفكر فيها حلا لارتفاع أسعار الحج السياحي في مصر بشكل يجعله ضعف الأسعار في كل دول العالم, لابد من التفكير في رفع الظلم عن الحجاج المصريين.. فمتي يأتي هذا اليوم؟ من يفكر في مصلحة الناس أو المصلحة العامة قبل مصلحة أو حرية إنشاء شركات السياحة تحت دعوي الاقتصاد الرأسمالي الحر الذي يتعرض الآن لتغيرات جذرية تتطلب تدخل الدولة والدليل مايحدث في أسواق العالم الآن!! ومن هنا نحن نطرح بعض الاقتراحات لمصلحة المواطن لا لمصلحة الشركات التي هدفها الربح فقط والتي بالتأكيد ستغضب منا جدا بل وستعترض.. لكنها في النهاية رؤية خاصة وأفكار هدفها المصلحة العامة لا مصلحة عدد من الشركات وإذا كانت هذه الشركات انشأت شركات سياحة فللسياحة وجوه كثيرة يمكن أن تسعي من خلالها للمكسب وليس الحج والعمرة فقط من دم الغلابة المصريين.
ان من أهم الاقتراحات مايلي:
1 ـ أن يتم إلغاء نظام توزيع الحصص في تأشيرات الحج فورا لأن هذا النظام هو الذي أوجد بيع التأشيرات سنويا والذي وصل الآن إلي15 ألف جنيه للتأشيرة تبيعها الشركات بين بعضها ثم تضع عليها الربح, أي أن الحاج يدفع أكثر من20 ألف جنيه ونحن مستسلمون سنويا قبل أن تظهر مشكلة التأشيرات الاضافية التي فجرت هذه القضية.
2 ـ تحديد عدد معين من شركات السياحة لتنفيذ تأشيرات الحج سنويا وبالدور حسب أقدمية الترخيص أو بالقرعة أو بأي وسيلة, وهذا طبعا سترفضه الشركات لأننا سنمنع عنها هذا المكسب السنوي السهل.
3 ـ العدد الذي سيتم تحديده من الشركات سيكون طبقا لحصة مصر(20 ألفا أو25 ألف تأشيرة للسياحة) وأن يتم الاتفاق بشكل اقتصادي هل تأخذ كل شركة حمولة أتوبيس مثلا في حدود40 أو50 تأشيرة أو100 تأشيرة سنويا أو أكثر.
4 ـ يلزم مع هذا أن يتم منع الاندماج بين الشركات تحت أي حجة وعلي كل شركة تنفيذ حصتها بنفسها لمنع بيع التأشيرات تحت أي ستار, وفي الوقت نفسه يتم تجريم بيع هذه الشركات أو وقف الشركة التي تقوم بذلك.
5 ـ أن تكون وزارة السياحة هي المسئولة عن تحديد أسعار برامج الحج وفق آراء خبراء ولاتترك للشركات تحديد البرامج وتعتمدها هي فقط.. ولنا في تجربة تركيا خير مثال, فهناك الوزارة هي التي تحدد أسعار البرامج في الفنادق4 نجوم أو5 نجوم وتقول انها تتراوح بين مبلغ كذا.. وكذا وكل الشركات تتحرك في هذا الإطار ولاتستطيع أن تفرض أسعارا أعلي بحجة الخدمات, وفي الوقت نفسه نتوقف عن تحديد مسافة بعد السكن عن الحرم وبعض الاجراءات الأخري التي ترفع السكن كما تفعل تركيا.
والقول أن أسعار الحج في تركيا أو أمريكا أو أوروبا أرخص من مصر لأن السكن أبعد مردود عليه بأن بعض المصريين سيسكنون في آخر مكة.. فقط مطلوب أن يتمكنوا من الحج بأسعار رخيصة ومستعدون لتحمل المشقة.
6 ـ قبل ذلك كله علينا أن نفكر في أخذ حصة مصر الرسمية بالكامل من السعودية لتوفير عدد أكبر من التأشيرات لمواجهة الزيادة في الطلب.
7 ـ الاقتراح الأخير هو التشدد في منع انشاء شركات السياحة التي تعمل فقط في الحج والعمرة, لأن بعض هذه الشركات لا هدف لها طوال العام سوي التفكير في المكسب من المواطن المصري الغلبان.
إننا يجب ألا نخاف أو نتشدق أبدا بحرية إنشاء الشركات وحرية الاقتصاد والمنافسة والعرض والطلب والنظام الرأسمالي.. فكما قلت: أمام المصلحة العامة يجب أن تتوقف المصالح الخاصة.. وأن تتدخل الدولة بقوة لمصلحة المواطن ولنا مايحدث في العالم الآن في أكبر الدول الرأسمالية عبرة وعظة!! فهل من أحد يتبني تنفيذ هذه الاقتراحات لمصلحة المواطن المصري؟!
قولوا يارب…