لا يستطيع أي منصف أن ينكر الجهد الذي يبذل على كافة المستويات للنهوض بالسياحة المصرية كصناعة واعدة تضخ الخير والنماء في شرايين الاقتصاد الوطني .. كما لا يمكن إنكار التغييرات الإيجابية التي تحدثها وزارة السياحة من وقت لآخر في محاولة للحاق بركب السياحة العالمية التي تشهد قفزات تطورية هائلة ، لابد أن نسعى بل ونلهث لمحاولة اللحاق بها من خلال عملية إصلاح شاملة ، ويأتي في مقدمة بنود هذه العملية تعديل وتنقية مختلف القوانين والتشريعات الخاصة بجميع مجالات الحركة السياحية المصرية ..
أقول ذلك في الوقت الذي ما زال حديث الأوساط السياحية في مصر متواصلاً حول التعديلات التي أقرها مجلس الشعب مؤخراً على بعض مواد القانون رقم 38 لسنة 1977 والخاص بتنظيم عمل شركات السياحة ، بحيث لا يقل رأس مال الشركة عن 2 مليون جنيه ولا يزيد التأمين عن 200 ألف جنيه ، ورغم أن هذه التعديلات التي أقرها المجلس أعلنت يوم 8 يونيو الماضي ولا تتضمن إلا أربع مواد فقط من بين مواد القانون المنظم لعمل شركات السياحة التي يزيد عددها عن ثلاثين مادة .. رغم ذلك فإن حلقات الجدل والنقاش لم تنقطع في الأوساط السياحية المعنية بالأمر .. ولازال هناك من يعلن تبرمه من هذه التعديلات ويعتبرها عائقاً في تواصل مسيرته العملية في مجال الساحة ..
والواقع أن الجانب الأهم في هذه التعديلات أنها جاءت متسقة مع طبيعة الأمور واتساع حجم الأنشطة السياحية التي تمارسها الشركات السياحية وتطور حجم أعمالها ، فليس من المعقول ولا المقبول أن تظل الشركات السياحية تعمل في إطار قانون صدر منذ أكثر من ثلاثين عاماً وقت أن كانت الحركة السياحية المصرية محدودة للغاية ، وبالتالي كان حجم الأنشطة السياحية التي تمارسها الشركات ضئيلاً جداً بالنسبة لما تمارسه اليوم .. وهنا أتساءل : هل من المعقول أن يظل رأس مال شركة سياحية عامة ـ وحسب قانون 1977 ـ فقط 100 ألف جنيه يخصص منها 20 ألف جنيه كتأمين وأن يكون رأس مال شركة للنقل السياحي 20 ألف جنيه ويخصص منها 4 آلاف جنيه كتأمين ، و40 ألف جنيه لشركات حجز التذاكر يخصص منها 8 آلاف جنيه كتأمين ؟! هل يتناسب حجم رأس المال الضئيل جداً هذا مع حجم الأعمال الكبيرة لتلك الشركات الآن ، والذي يتعدى مئات الملايين ويصل في بعضها إلى المليارات ؟ ..
وماذا تفعل الـ 20 ألف جنيه كتأمين في تغطية حجم المخاطر والأخطار التي ترتكبها الشركة مع هذا الحجم الضخم من الأعمال التي تمارسها الآن ؟ والغريب أنه عندما تم وضع بعض الضوابط في عام 1977 ـ أي بعد عشرين سنة من صدور القانون ـ وبناء على الضوابط الخاصة بزيادة رأس مال الشركة السياحية العامة إلى 2 مليون جنيه ، وأن يكون التأمين 400 ألف جنيه ، قامت الدنيا ولم تقعد ، ورفع العديد من الشركات دعاوى قضائية ضد وزارة السياحة ، وحصلت شركات على أحكام لصالحها استناداً إلى القانون الذي نص على أن رأس المال 100 ألف جنيه والتأمين 20 ألف جنيه !!
إنني أرى أن هذه التعديلات في قانون الشركات السياحية التي أقرها مجلس الشعب مؤخراً قد تأخر إقرارها تشريعياً في ظل المتغيرات السريعة والمتلاحقة في حجم الأنشطة السياحية .. وعلى أصحاب الشركات أن يدركوا حجم التحديات التي ستواجهها شركاتهم والمنافسة الشرسة التي ستفرض عليهم عندما يسمح لشركات السياحة العالمية ذات الرءوس المالية الضخمة بالعمل في مصر ، وذلك عند بدء العمل باتفاقية التجارة في مجال الخدمات ” الجاتس ” .
ومن هنا أقول إن على أصحاب هذه الشركات ألا ينظروا تحت أقدامهم ، وأن تكون نظرتهم مستقبلية بالعمل على تكوين كيانات ضخمة ، وذلك عن طريق اندماج الشركات الصغيرة حتى تستطيع هذه الكيانات الصمود في وجه الطوفان القادم .. أعود وأكرر أن تعديل القوانين والتشريعات البالية التي يعمل في إطارها هذا النشاط الحيوي ضرورة ملحة لتكون بمثابة البداية لعملية إصلاح شاملة لابد منها إذا أردنا نهضة وحركة سياحية تتواكب مع ما يشهده عالم السياحة العالمية من تطور . والله من وراء القصد