كتب / جلال دويدار رئيس جمعية الكتاب السياحيين المصريين
كل بقعة في مصر يتصاعد منها عبق التاريخ وكل المظاهر التي تحمل سمات الحضارة الانسانية وروافدها الطبيعية المرتبطة بكل مراحل التطور للعالم الذي وجدت فيه الحياة منذ الأزل. كل الشواهد تشير بما لا يدعو لادني شك إلي أن الحضارة المصرية المتناهية القدم تضم في ثناياها كنوزا يتم الاعلان عنها من وقت لاخر لتحكي جانبا من اسرار هذا الكون.
هذه الاكتشافات وما تقدمه من معلومات غير مسبوقة في كل ما يتصل بتطور الخليقة جعلت من مصر عنصر جذب للبارزين من علماء العالم في كل أوجه البحث العلمي ليس في مجالات الانشطة الانسانية فحسب وانما أيضا في الكثير من نواحي التاريخ الطبيعي.
انطلاقا من هذه الحقيقة الموثقة عالميا فإن الفرصة متاحة لبروز مقاصد سياحية جديدة يمكن أن تجذب بالترويج والتسويق والدعاية أعدادا هائلة من الباحثين عن الجديد في هذه الدنيا .
*****
يوم الاحد الماضي عشت صورة حية ورائعة في محراب واحد من كنوز الحضارة الطبيعية في الفيوم بدعوة من وزير البيئة المهندس ماجد جورج لحضور الاحتفال الذي أقيم تحت رعاية السيدة الفاضلة سوزان مبارك بتسليم البراءة العلمية الدولية لاكتشاف وادي الحيتان باعتباره اثرا طبيعيا عالميا . انطلقت قافلة الاحتفال من القاهرة تتقدمها قرينة السيد الرئيس وتضم فاروق حسني وزير الثقافة وماجد جورج وزير البيئة وهاني سلامة وزير التعليم العالي وفايزة ابو النجا وزيرة التعاون الدولي وزهير جرانة وزير السياحة ود. عوض الحسن ممثل اليونسكو بالاضافة إلي عدد كبير من السفراء والمهتمين بالبيئة وبالتاريخ الطبيعي للعالم وفي مقدمتهم ممثلون لليونسكو ونادية مكرم عبيد وزيرة البيئة السابقة.. كان في الاستقبال مجدي القبيصي محافظ الفيوم وعدد من العلماء المصريين والاجانب الذين ساهموا في تحقيق هذا الاكتشاف .. واستغرقت الرحلة بالطائرة الهليكوبتر من مطار الماظة وحتي موقع الاحتفال في وادي الحيتان وسط صحراء الفيوم حوالي الساعة.. حيث فوجئنا عند وصولنا بوجودنا وسط بحر من الرمال التي تتناثر فيه التلال والصخور ذات النقوش الرائعة بفعل عوامل التعرية من رياح ومياه وشمس .
*****
لم نكن ندرك حجم العمل الذي قامت به وزارة البيئة إلا بعد أن شاهدنا المدقات والعلامات والاكواخ والمتحف الاثري و البيئي وكلها شيدت متوافقة مع البيئة باسلوب الفنان المعماري المرحوم حسن فتحي.. تحركت بنا السيارات ونحن مبهورون بالمناظر الفريدة التي أحاطت بنا حتي سرادق الاحتفال الذي القيت فيه كلمات وزير البيئة ووزير التعليم العالي ومحافظ الفيوم وممثل اليونسكو.. بعد ذلك جرت مراسم تسليم براءة اعتبار الاكتشاف اثرا طبيعيا عالميا للسيدة الفاضلة سوزان مبارك.. اتجهنا بعد ذلك لمشاهدة بعض الحيتان التي وضعت بقاياها بنفس الشكل الذي كانت عليه عندما تم العثور عليها مدفونة في الرمال.. كان أحد هذه الحيتان ممددا علي الارض عظما بطوله الطبيعي الذي يبلغ 18 مترا بينما تظهر أنيابه وفقراته واضحة تماما.
تحدث العلماء المصريون المسئولون عن الموقع وبعض العلماء الامريكيين القادمين من جامعة ميتشجان عن ملابسات الاكتشاف وقيمته العلمية. قالوا إن عمر الحيتان التي تم اكتشافها حتي الان في هذا المكان يتجاوز ال 04 مليون سنة وأن الابحاث العلمية تشير الي أن هذا الوادي الرملي الذي وجدجت فيه كان بحرا قديما تحول بفعل التطورات المناخية والطبيعية الي صحراء. أشاروا إلي أن البعثات الكشفية عثرت علي بقايا 400 حوت حتي الان وأنها قامت بالابقاء عليها مدفونة في الرمال حفاظا عليها من الاندثار.. أعلنوا ان هناك أبحاثا قد جرت ومازالت تجري باستخدام هذه الاكتشافات الفريدة للوصول الي معلومات جديدة تسهم في تحديد بعض جوانب التاريخ الطبيعي للكرة الارضية.. أكدوا أن اكتشاف وادي الحيتان بصحراء الفيوم هو أنتصار علمي عالمي بكل المقاييس.
*****
الحقيقة أن محافظة الفيوم التي تبعد عن قاهرة المعز لدين الله حوالي الساعة بالسيارة تعد محظوظة بهذا الاكتشاف الذي ربما يساعدها لان تأخذ مكانها علي خريطة السياحة العالمية. إنها ورغم ما هو متوافر لديها من امكانات سياحية أخري .. طبيعية وجمالية وشاطئية تمتد بطول بحيرة قارون وكذلك الآثار الفرعونية والرومانية والاسلامية والقبطية.. فإنها لم تستطع استغلال هذه المقومات طوال السنين الماضية.. أن الامل معقود علي وادي الحيتان ليجعل منها منطقة جذب سياحي حقيقي.