كلنا يعلم أن الكمبيوتر أداة عصرية تستخدمها الدول المتقدمة منذ سنوات طويلة من أجل أداء متميز يتفق مع روح العصر وسرعة إيقاعه ، وقد استطاعت دول كثيرة من العالم الثالث اللحاق بقطار التكنولوجيا التي تنتج الدول الكبرى آلياتها وأدواتها ، بل إن بعض دول العالم الثالث مثل الهند وماليزيا وإندونيسيا وغيرها استطاعت الانضمام إلى الدول المنتجة وأصبح إنتاجها يغطي حاجتها وتصدر إلى غيرها أجهزة تكنولوجية عديدة ومن بينها الكمبيوتر .
ونستطيع أن نقول إن مصر من الدول المستهلكة للكمبيوتر والتي نجحت إلى حد كبير في تطوير أداء هيئاتها ومؤسساتها الحكومية بدخول الحاسب الآلي في مختلف مجالات العمل ، كما أن القطاع الخاص استقطب خبرات أجنبية وأفرز كوادر مصرية على مستوى رفيع من الكفاءة في مختلف علوم الحاسب الآلي ، كل ذلك نقدره ونشجعه ونطالب بالاستمرار فيه ، لكن الملاحظة التي نتوقف عندها بالدهشة بل وبالريبة أيضاً هي وجود أعطال كثيرة في أجهزة الكمبيوتر في جهات حكومية وشبه حكومية ذات أهمية كبيرة كلها اتفقت على عبارة بائسة ” السيستم وقع ” يعني إيه يا جماعة ؟
يعني شبكة الكمبيوتر التي تربط بين وحدات هذه المؤسسات تعطلت فأصبح الاتصال بينها مستحيلاً .. وكثيراً ما نرى هذا المشهد الحزين في مكاتب مصر للطيران حيث يتوقف الحجز لساعات لأن ” صاحب الجلالة الكمبيوتر عطلان ” ويقف الموظفون والعملاء لا حول لهم ولا قوة سوى قيام الموظف بترديد كلمته المأثورة ” السيستم وقع ” بينما المواطن يفقد أعصابه من طول انتظار عودة الباشا ” السيستم ” للعمل فيظل يلعن أيام السيستم وسنينه ويترحم على أيام مضت لم يكن يتعطل فيها العمل ويتوقف ..
والأمر لا يقتصر على مكاتب الحجز وحدها بل يمتد إلى المطارات حيث يتكدس عشرات المسافرين في كثير من الأيام انتظاراً لعودة السيستم الذي وقع ولم ينهض بعد !! وكثيراً ما يلجأ الموظفون للعمل ” اليدوي ” حتى تتمكن الطائرات من الإقلاع ، وقد كتبت في مقال سابق في هذا المكان عن واقعة شهدتها في مطار شرم الشيخ تعطل فيها عن الإقلاع عدد من الطائرات بسبب إحدى نوبات غيبوبة الكمبيوتر على أثر انقطاع نبض الشبكة ووقوع ” السيستم ” وعندما اقتربت متسائلاً عن الأسباب قالوا إنه حال هذا الكمبيوتر الذي تم التعاقد عليه حديثاً ومن يوم دخوله الخدمة وهو دائم التعطيل ، ويرى بعض العاملين الذين التقيتهم أن نوعية الكمبيوتر الجديد سيئة للغاية وأن الكمبيوتر القديم الذي أحيل إلى التقاعد وهو في عز الشباب كان أفضل ألف مرة !!
مرة أخرى تكرر ذلك في أحد مكاتب الشهر العقاري حيث أدخلت حديثاً خدمة الكمبيوتر ليدفع الجمهور ثمن أنظمة بالية ولا تتفق كفاءتها مع طبيعة الأعمال التي أحضرت من أجلها إضافة لموظفين غير مدربين بل إن بعضهم ربما كانت المرة الأولى التي يتعامل خلالها مع هذه الأجهزة ..
وإذا انتقلنا من مصر للطيران ـ مكاتبها ومطاراتها ـ وكذلك غادرنا مكاتب الشهر العقاري نجد أن البنوك ليست أسعد حالاً … فكثير من البنوك يتكدس المراجعون في أروقتها انتظاراً للفرج .. أقصد لإفاقة ” السيستم ” الذي وقع !! وهو أمر كثير الحدوث ولم يكن وقوعه صدفة ، وعند السؤال عن السبب تأتي نفس الإجابة رغم أنه لا صلة بين هذه الهيئات اللهم إلا صلة واحدة هي ” الفساد ” فكثير من الهمهمات وأحياناً التصريحات تتحدث عن صفقات مشبوهة تقف وراء توريد هذه الأجهزة التي يصفها البعض بأنها ” متخلفة ” وأنهم يأتون بها بعد أن لفظتها دول أخرى أكثر تقدماً .. السؤال : لماذا يقع السيستم في كثير من أجهزتنا ومؤسساتنا وهيئاتنا الكبرى ؟ ثم متى سنفتح ملف توريد أجهزة كمبيوتر ليست على كفاءة نحتاج إليها ويتوقف تدريب بعض العاملين عليها على استخدام أصبع واحد من اليد اليمنى ؟ قد يقول البعض إن العيب ليس في الأجهزة لكنه في الأشخاص الذين يعملون عليها .. وهنا نقول إنها مسئولية تلك الهيئات والمؤسسات التي أحضرت الأجهزة أو اختارت هؤلاء الموظفين .. وإذا كان الحديث عن وقوع السيستم في البنوك وما يخلفه من أضرار للعملاء أمراً محزناً ، فإن هناك واقعاً أكثر مأساوية وهو وجود أعداد كبيرة من ماكينات الصرف الآلي أمام البنوك معظمها “عطلان ” وأدعو القراء الأعزاء لزيارة المواقع التي تضم هذه الماكينات ليروا الحنق والاستنكار من أصحاب الأموال الذين يفشلون في الحصول على جزء منها من هذه الماكينات الملعونة ، وأقسم أنني رأيت وعلى مدى يومين متتاليين بعض المراجعين يضربون إحدى ماكينات الصرف الآلي لأحد فروع بنك القاهرة بأرجلهم ويسبون البنك الذي فشل في إصلاح هذه الماكينة التي اشتريت قديمة واستمرت أعطالها على مدى سنوات !!
إنها مأساة أيها السادة .. إنه الفساد الذي استشرى بين أشخاص أصيبت ضمائرهم بالغيبوبة مثل تلك التي تصيب السيستم الملعون .
والله من وراء القصد