Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

الجزء الثانى والاخير من ام كلثوم.. سيرة الحب

حِكايةُ حُب
وأذكر أنني عندما أجريت حواراً تليفزيونياً مع الكاتب الكبير الراحل “مصطفى أمين” سألته عن أول لقاء له مع “أم كلثوم” فقال لي: “أنا كنت أشتغل نائب رئيس تحرير روزاليوسف عام 1933 ورحت لأم كلثوم أعمل معاها حديث صحفي وكانت وقتها ملئ السمع والبصر وقدمت نفسي لها باسم “مصطفى محمد”، وطلبت مني أن أذكر لها أسئلة الحوار، وكان سؤالي الأول هو: إيه رأيك في الحب وكم مرة أحببت؟؟ وهنا وقفت “أم كلثوم” غاضبة وقالت: انتهت المقابلة ما فيش حديث .. فقلت لها ما فيش حديث يعني حايرفدوني وأنا مسؤول عن أسرة كبيرة، وكده حاتشرد. وصعبت عليها وردت متأثرة: ما فيش مانع بشرط بلاش الأسئلة دي..
وبالصدفة رن جرس التليفون فحملته وسارت به عدت خطوات بعيداً عني، وأنا حسيت إنها بتكلم راجل، وعندما انتهت المكالمة وعادت، قلت لها: خلاص أنا عرفت جواب سؤالي اللي أغضبك، وعرفت إنك أنت بتحبي، فاحمر وجهها، وسألتني: إيه اللي أنت عرفته بالضبط ..فقلت لها: كل شيء ظهر على وشك. فسألتني أنت حاتكتب الكلام ده؟ قلت لها: طبعاً.قالت :لأ أرجوك توعدني إنك ما تكتبش ولا كلمة من الكلام ده.
ووعدتها بذلك ولم أكتب أي شيء عن هذا الموقف .. فاتصلت بي تشكرني .. ومن هنا بدأت الصداقة تتوطد بيننا.
وكثيراً ما حدثني الكاتب الكبير الراحل “مصطفى أمين” عن “أم كلثوم” التي صادقها وعشق فنها الجميل وكان أحد المقربين جداً إليها .. فيقول: إن عبقرية أم كلثوم تكمن في كونها فلاحة بسيطة استطاعت أن تعلم نفسها وترتقي بفنها، ورغم ما وصلت إليه من شهرة ومجد فكثيراً ما رأيتها في حالة قلق شديد قبل صعودها على المسرح فتظل تقرأ القرآن وتدعو أن يوفقها الله، وتسأل من حولها والمقربين منها عن رأيهم فيما ستغنيه.

لا بُخْل، ولا جُحُود
وضمن رحلة غوصي التي رحت أستكشف فيها كل شيء عن أم كلثوم التقيت بواحدة من صديقات كوكب الشرق اللائي اقتربن منها إلى أقصى حد، وهي السيدة “عبدية عبد الله” وسألتها سؤالاً مباشراً: هل كانت أم كلثوم بخيلة كما أشيع عنها؟ قالت : بالعكس .. كانت “ثومة” من أكرم الناس خاصة تجاه أهلها وتجاه الفقراء، وأذكر أنني قلت لها عندما شاهدتها تقوم بعمل خيري كبير: “ليه يا ست ما بتعلنيش عن الحاجات الخيرية الكثيرة اللي بتعمليها عشان ده يرد على الناس اللي بتتهمك بالبخل” .. ضحكت ثومة وقالت: “أنا ما يهمنيش الناس .. وبعدين إشاعة إني بخيلة بتحميني من المتطفلين والطامعين والمستغلين اللي بينظروا للفنان نظرة فيها حقد وطمع وابتزاز.
وتواصل السيدة “عبدية وتقول: في رمضان والمواسم الدينية كانت “أم كلثوم” تحرص على أن تجهز مائدة تكفي لأربعين شخصاً من أفضل المأكولات، وكان ده قبل ما تنتشر موضة موائد الرحمن.
أما الإعلامية “مشيرة كامل” ابنة المؤرخ الموسيقي الكبير “محمود كامل” الذي ارتبط بصداقة وطيدة مع أم كلثوم، فقد سألتها عما أثير عن جحود أم كلثوم للفنان “محمد القصبجي” حسبما ذكرت د.”رتيبة الحفني” في إحدى ندواتها، وتخليها عنه كملحن والاكتفاء بدوره كعازف عود في فرقتها، فأكدت أن للموسيقار”محمد القصبجي دوراً مهماً، ومحورياً في مسيرة أم كلثوم، فهو الذي قدم لها عشرات الألحان التي قادتها إلى سلم النجومية والتألق ، ولعلنا نذكر لحنه الرائع لها “رق الحبيب”، وتقول “مشيرة كامل”: إنها كثيراً ما كانت تشاهد أم كلثوم والقصبجي أثناء زيارتهما لمنزل والدها، وكانت ترصد الاحترام الشديد والتقدير الذي تكنه أم كلثوم للقصبجي.

هديَّةٌ لـ”بليغ حمدي”
ويحكي لي الإعلامي الكبير “وجدي الحكيم” واقعة تؤكد حرص وتقدير أم كلثوم للمتعاملين معها، ويذكر أنها كانت شديدة التدقيق في مواعيد البروفات في الوقت الذي كان فيه الموسيقار الراحل “بليغ حمدي” ينتمي لفريق غير المنضبطين في مواعيدهم مع كوكب الشرق، وكانت تغضب غضباً شديدا منهم، وفي إحدى البروفات وصل “بليغ” متأخراً، فألغت “أم كلثوم” البروفة، فراح يسترضيها قائلاً إن التاكسي الذي استقله هو سبب التأخير، واكتشفت “أم كلثوم” يومها أن “بليغ” لا يملك سيارة، فدلته على معرض سيارات معين وقالت له اذهب إلى هذا المعرض واختر أية سيارة هدية مني.
وبالفعل ذهب “بليغ” للمعرض واختار أصغر سيارة فيه، وسألته أم كلثوم: لماذا لم تختر سيارة أكبر؟ فقال لها: أنا لا أحب السيارات الكبيرة.

لِقَاءُ السَّحَاب
وظل السؤال عن تأخر لقاء السحاب بين العملاقين “ثومة” و”عبد الوهاب” طوال السنوات التي تألق فيها كل منهما في سماء الفن، فارضاً نفسه.
ويجيب مصطفى أمين على هذا السؤال في حديثي التليفزيوني والذي أجريته معه قبل شهور من رحيله حيث قال لي: لقد حاولت من خلال علاقتي المتميزة بالقطبين أن أحقق هذا اللقاء، ونجحت في أوائل الأربعينات أن أقنعهما بالاشتراك معا في فيلم عن “ألمظ” و”عبده الحمولي”، فوافقا وتم الاتفاق على كل التفاصيل لكن أم كلثوم اشترطت أن يقوم بتلحين أغانيها في الفيلم “زكريا أحمد”، و”القصبجي”، و”السنباطي”، في الوقت الذي تمسَّك “عبد الوهاب” بتلحين جميع أغاني الفيلم، وتمضي السنين ويتحقق الحلم؛ لقاء السحاب بأمر رئاسي عندما حضر الرئيس “عبد الناصر” أحد احتفالات 23 يوليو، الذي كان يشارك فيه “محمد عبد الوهاب”، و”أم كلثوم”، وفي الاستراحة أبدى رغبته لهما بأن تجمعهما أغنية مشتركة، ولم يكن أمامها سوى الاستجابة فكانت رائعة “أنت عمري” التي تلتها روائع أثرت

مع “عبد النَّاصِر”
ارتبطت أم كلثوم بعلاقات حميمة مع رجال ثورة يوليو وتشكلت بينها وبينهم علاقة إعجاب مبكرة بدأت منذ أن كان “جمال عبد الناصر” محاصراً في الفالوجا عام 1948 في الوقت الذي كان يحرص فيه مع زملائه الضباط على الاستماع لحفلات “أم كلثوم” مساء الخميس من أول كل شهر، وهناك قصة شهيرة تقول إن “عبد الناصر” أرسل من جبهة القتال رسالة باسمه ومجموعة الضباط زملائه يطلب من “أم كلثوم” أن تغني لهم وهم في الحصار أغنية “غلبت أصالح في روحي” ولبت “أم كلثوم” طلبهم، وبعد أن نجحت الثورة حرص الضباط الأحرار على أن يكون لأم كلثوم مكانة مرموقة فارتبطت بصداقات شخصية بالكثيرين منهم وبعائلاتهم، وكثيراً ما غنت للثورة وقائدها ..
ويذكر أنه عندما منع أحد الضباط المسئول عن الإذاعة أغاني أم كلثوم بحجة أنها تمثل العهد البائد غضب الرئيس “عبد الناصر” غضباً شديداً وقال “إن الهرم أيضاً من العهد البائد فاهدموه”.
وفي حديث لي مع الكاتب الراحل “محمد تبارك” ذكر تفاصيل كثيرة عن حزن “أم كلثوم” عند وفاة “عبد الناصر” حيث كان “تبارك” يرافقها في موسكو، وحاولت بكل الوسائل أن تعود إلى مصر فور سماعها الخبر، لكن التعليمات في ذلك الوقت في موسكو كانت تمنع أي شخص من المغادرة في غير اليوم المحدد له، فأصرت “أم كلثوم” على إقامة صلاة الغائب على روح “جمال عبد الناصر” ، وأصابها حزن عميق وصل إلى درجة الاكتئاب.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله