من عادتنا أسرتى و أنا الإستيقاظ فجراً للصلاه و رغم بروده الجو القارصه بالأقصر إلا أننا بعد الصلاه كنا نخرج من غرفنا الفندقية على جزيرة التمساح ملتحفين بكل ما فى حوزتنا من ملابس صوفية و نعبر الممرات المخترقه للحدائق بهدف بلوغ قاعه الطعام لتناول وجبه الإفطار و كنا أثناء السير نلاحظ فى الأفق عدد من مناطيد الهواء الساخن و هى ترتفع بهدوء شديد و سكون أشد لعنان السماء أعلى آثار البر الغربى مع إنعكاس أشعه شمس الفجر الزاهيه والبراقه على مسطحاتها الملونه و كنا نحسد هؤلاء السياح المغامرين راكبى الحاويات الخيزرانية المعلقه أسفل هذة المناطيد .
. و خلال يومين كنا بالإجماع قد قررنا خوض هذة المغامره و بالأستفسار عن تفاصيل هذة الرحله علمت أنه متوفر عده أحجام من حاويات هذة الرحلات و التى هى على شكل صندوق مربع أو مستطيل بدون غطاء ( سبت ) معلق بأسلاك معدنية بجسم المنطاد فهناك ما تحمل إثنين و ثلاثون راكباً و هى متصله بأكبر منطاد هواء ساخن فى العالم و لا وجود لمثل حجمه فى أى مكان أخر ثم هناك ما تحمل عشرون و ما تحمل إثنى عشره و ثمانية و سته و إثنين فقط هذا بالإضافه لقائد الرحله أو الطيار و أن هناك حاليا ً بالأقصر عدد خمسه شركات متخصصه فى هذا النشاط و أن إجمالى المناطيد بالأقصر هو خمسه عشره كما علمت أن أقصى إرتفاع للمنطاد السياحى هو إثنين كيلو أعلى مدينه الأقصر و مده الرحله حوالى ثلاثه أرباع الساعه و أن قواعد إنطلاق هذة الرحلات تقع بالبر الغربى للمدينه و دائماً تبدء الرحلات فجرا إذا سمحت الظروف الجوية .
فتعاقدت على حاوية لعدد سته أشخاص بعدد أفراد أسرتى و فعلاً غادرنا الفندق الساعه السادسه من فجر اليوم التالى الى مرسى أمام فندق الونتر بالاس التاريخي و ركبنا زورق نقلنا للبر الغربى ثم قامت سياره بنقلنا لموقع المناطيد حيث كانت أعداد كبيره من السياح منتشرين هنا و هناك يتعمدوا الوثب فى مكانهم أو تحريك الأذرع بسرعه لضمان تدفئه الجسم أو نفخ الهواء الساخن من أفواههم لأيديهم لتدفئه أطراف الأصابع و الكل يرتدى ملابس ثقيله و أغطية رأس صوفية سواء الكبار أو الصغار من الجنسين و الكل متحمس و سعيد فالضحكات كانت عالية لا أعلم هل هى ضحكات عصبيه إنفعالية لإقدامهم على هذة المغامره أم ضحكات سعيده صادقه فعلاً .
و قد بدءت أشعه الشمس الذهبية تضىء الدنيا حولنا و إنعكست على زراعات القصب و سيقان النخيل و على جبال البر الغربى حيث معابد و مقابر أجدادنا الفراعنه ثم بدء صوت هدير المراوح الكهربائيه الضخمه و التى دفعت بالهواء داخل تجاويف المناطيد لفتح فتحتها الرئيسية لتسهيل العملية الرئيسية التالية و هى إنطلاق نيران شديدة و بدفعات قوية جداً فى إتجاه هذة الفتحات و هو ما يسبب دخول الهواء الساخن الى داخل تجويف المنطاد فيبدء فى الإنتفاخ و الإرتفاع تدريجياً لأعلى ثم تصدر أوامر قاده المناطيد للسياح و لنا بسرعه الوثب داخل الحاويات الخيزرانية و التشبث بحلقات الحبال المثبته داخل السبت لمده الدقائق الخاصة بالإرتفاع التدريجي من الأرض الى السماء و هو ما قمنا به بسهولة و يسر و إهتزت الحاوية قليلا و هى تنزلق و تحتك بالأرض من ثقلنا ثم إرتفعت بهدوء و يسر لأعلى و أنظارنا تتنقل على كل ما حولنا فالمزارع و تيجان النخيل تبتعد عنا تدريجياً لأسفل و الهواء يزداد بروده و نسماته الرقيقه النقية تقبل وجوهنا و الهدوء الشديد و الصمت يخيم على كل ما حولنا فنبتسم لبعض بسعاده و بعض أفراد الأسره سكت عن الكلام خوفاً من التسبب فى إهتزاز الحاوية بنا و كلما إنفعلت و أشرت إلى معبد الرمسيسوم أو حتشبسوت مثلاً وسط الجبال طلب منى بعض أفراد الأسره الصمت و عدم الحراك بالطبع خوفا ًو هيبه بينما أتصرف أنا بشكل طبيعى كرجل مظلات سابق لا يهاب الإرتفاعات علماً بأن جدار الحاوية حولنا يصل لمستوى خصرى و نصفى العلوى فى الهواء الطلق و وقعت عينى على منظر خلاب بكل المقاييس و هو شروق الشمس و إنعكاس ألوانها على صفحه النيل أثناء عبورنا من فوقه .
كم جميلة الأقصر من أعلى فتشابك صروح و آثار أجدادنا مع زراعات اليوم و إحتضان رمال الصحراء الغربية و الشرقية لخضره وادى النيل لمشهد رائع بكل المقاييس و قد إستمتعنا بمشاهده تفاصيل معبد الكرنك و البحيرة المقدسة بالبر الشرقى ثم هبط المنطاد بنا بهدوء و يسر حتى لامس رمال الصحراء فى موقع شرق معبد الكرنك على أطراف المدينه و حضرت سياره لإعادتنا للفندق بعد رحله و تجربه رائعه حقاً .
. كنت أجلس على ضفاف النيل و أراقب حركه الفنادق العائمه و التى بلغ عددها اليوم مائتان أربعه و سبعون فندقاً هذا بالإضافه لعدد إثنين و ثلاثون فندقاً جارى بنائهم ليبلغ العدد نهاية العام الحالى الثلاثمائه فندق عائم و هو بالتأكيد أكثر من طاقه النيل و يشكل ظاهره إحتقان سياحى و يؤثر بالسالب على الأسعار و الجوده و كنت أستمع لتعليقات السياح حولى و أشاهد تصرفاتهم فكانوا يشيروا بإندهاش لفندق عائم عباره عن صندوق معدنى قبيح المنظر لا ذوق فيه من جميع الأوجه و لاجمال يصدر صوت مرتفع جداً و مزعج و الفندق الذى عبر أمامنا جميعاً ظهر أحد الأيام و أخذ يطلق نفيره المزعج جداً بصفه مستمره مما دفع النزلاء الخروج من غرفهم إعتقادا أنها إستغاثة ليكتشف الجميع أنه تصرف صبيانى شاذ و لا معنى له تماماً مثل الحادث بمواكب الأفراح بشوارع العاصمه أى إنتقلت هذة الظاهرة المؤسفة الى سطح النيل .
و كان الفارق بين كل فندق و فندق يمر أمامنا هو حوالى ثلاثمائة متر و هو ما يدفعنى تسجيل إقتراح بوقف أى تراخيص جديدة فمظهر هذة الفنادق الراسية المتراصه و الملتصقه ببعض و عدد كبير منها لا يعمل و لا يتحرك يدفعنى إقتراح تفكيك عدد كبير منها و تقليل عددها للصالح العام و أن نتوقف عن ظاهره التقليد و تكرار نفس الشىء بلاحساب و لا دراسه حتى لو كان داخل مساحه محدوده لا تسمح بكل هذة النشاطات . و هو ما يدفعنى أيضاً أن أتمنى عدم حدوث هذة الظاهرة بواحه سيوة الصغيره الهشه .!!