Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

نجوم في سماء السياحة(4) الفريق يوسف عفيفي .. رائد التنمية السياحية في محافظة البحر الأحمر

فئة من الناس وهبها الله بصيرة خاصة، أنارت لها طريق النجاح في كل المجالات التي عملت فيها.. وهكذا كانت مسيرة الفريق يوسف عفيفي، الذي شغل العديد من المواقع الهامة إبان خدمته في القوات المسلحة التي بدأها منذ حصوله على بكالوريوس العلوم العسكرية عام 1948 وحتى انتهاء خدمته العسكرية في عام 1980، ليبدأ مرحلة جديدة من العمل الوطني بتوليه مسئولية محافظة البحر الأحمر في بداية عام 1981، وليتولى بعدها آخر مواقعه الرسمية كمحافظ للجيزة.

مسيرة الفريق يوسف عفيفي في القوات المسلحة زاخرة بالدراسات العسكرية المتميزة.. فقد حصل على دبلوم العلوم العسكرية بكلية القادة والأركان، ودبلوم الأسلحة المشتركة من أكاديمية فرونز بموسكو، والدراسات العليا العسكرية بأكاديمية ناصر، وكذلك تدرج في المواقع العسكرية، بدءً من قيادته لفصيلة المشاة بفلسطين والسودان، ومروراً بقيامه بالتدريس في مدرسة المشاة والكلية الحربية وكلية الأركان، وندبه للمخابرات العامة، وعمله في مكتب المشتريات العسكرية في بون، ثم رئاسته لأركان الحرس الجمهوري، وتوليه قيادة الفرقة 19 مشاة وتعيينه ملحقاً عسكرياً بموسكو وقائداً للجيش الثالث ومساعداً لوزير الدفاع، إضافة لعضويته بالبعثات العسكرية التدريبية في اليمن وسوريا وغيرها.

ولعل السجل الحافل بالأوسمة والنياشين التي حصل عليها الفريق يوسف عفيفي من بلده، ومن العديد من الدول العربية يؤكد المكانة الرفيعة للرجل الذي شارك في جميع الحروب التي خاضتها قواتنا المسلحة الباسلة مع العدو الصهيوني منذ عام 48 وحتى نصر أكتوبر المجيد الذي كان للرجل والفرقة التي خاض بها حرب أكتوبر وهي الفرقة 19 دوراً بارزاً في تحقيق هذا النصر الكبير.. ويذكر أنه نال ضمن أوسمته وأنواطه وسام العبور المصري ونجمة الشرف وأنواط الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة، وكذلك نوط الخدمة الممتازة.

وقد لا يعرف البعض أن الفريق يوسف عفيفي هو أحد الضباط الأحرار.. كما أنه كان ضمن من عاشوا الأيام الصعبة في حصار الفالوجا عام 48 وكذلك حصار السويس إبان حرب أكتوبر 1973 .

وقد شهد كل من تعامل مع الفريق يوسف عفيفي أثناء خدمته العسكرية على امتداد 32 عاماً أنه كان مقاتلاً شجاعاً، وجاء في مذكرات القادة العسكريين الإسرائيليين بعد نصر أكتوبر والذين تعاملوا مع الفرقة19 في المواجهة، أن يوسف عفيفي كان أحد القادة الأفذاذ الذين أحسنوا التعامل في إطلاق نيران الأسلحة المشتركة في فرقته في الوقت والمكان المناسبين، وتطوير الهجوم والتميز في فتح الثغرات واقتحام وتدمير النقاط الحصينة على خط بارليف، وأنه كان يسبب صداعاً مستمراً للأعداء بفضل مهارة قيادته لفرقته.
* * * * * *

وإذا أردنا أن نعطي للرجل حقه فيما أنجزه في فترة خدمته العسكرية فقد يطول بنا الحديث ولا نتمكن من تغطية كافة تفاصيله وإنجازاته في مثل هذه المساحة.. لكن الفارس لم يقبل بعد كل إنجازاته العسكرية أن يترك جواده ويترجل.. أن يجلس مزهوا بما حققه لوطنه والذي أستحق عليه التقدير والثناء، وهذه القائمة الطويلة من شهادات التقدير والأنواط والنياشين، إضافة إلى مشاعر الاحترام التي استقرت في قلوب قادته وزملائه وأبنائه.. ليجيء قرار القيادة السياسية بتكليف وطني جديد بمواصلة الكفاح وذلك بتعيينه محافظاً للبحر الأحمر.. ولم تكن هذه المنطقة غريبة على يوسف عفيفي، فقد خبرها من خلال المواقع العسكرية التي كانت موجودة فيها.. كان يعرف أيضاً أنها منطقة نائية.. صحراء ممتدة تحتضن موجات بحر رومانسي وطبيعة سخية وشاطئ ذهبي لا يزال على طبيعته بكراً.. أما الإمكانيات فلم يكن لها وجود فوق هذه الأرض.. لا توجد بنية أساسية أو موارد أو نشاط حيوي للسكان الذين ينتمون لمجتمعات قبلية.. المياه تأتيهم عبر بواخر البترول وهي تحمل رائحته وأحيانا بعض من لونه ومذاقه.. الأغنام ترعى في الشوارع.. باختصار لم يكن هناك أي مقومات لمجتمع تنبئ بعمل شيء سوى الاسترخاء واللامبالاة التي أستسلم لها من سبقه في تولي هذه المسئولية..
.. وقد ظن البعض أنها رحلة استجمام للفريق يوسف عفيفي بعد مشواره الشاق في القوات المسلحة.. لكن يوسف عفيفي المقاتل لم يتعامل يوماً مع كلمة “هدنة” فطبيعته تجعله في حالة استنفار دائم.. وبعد أيام قضاها في تأمل وتفكير عميق، أعلن حالة الطوارئ ورفع درجة الاستعداد وأحضر الخرائط وأعد التخطيط ثم بدأت مرحلة العمل.. ولكن من أين تأتي الإمكانيات؟ كان هذا هو السؤال الكبير واللغز الذي تعامل معه الرجل بإصرار، وابتكر في سبيل تحقيق هذه الإمكانيات أسلوباً فريداً وعلميا يستحق الدراسة والتأمل..

وعلى الرغم من أن يوسف عفيفي قد قضى معظم سنوات عمره يرتدي الزي الكاكي ويتعامل مع الأسلحة والذخائر والمعارك، لكنه كان رجلاً حالماً ورومانسياً.. أخذني في سيارته في شهر مارس عام 1982 ووقف فجأة أمام مساحة شاسعة من الأرض مقابلة للبحر، وأخذ يشرح لي ويتحدث عن منشآت سياحية عملاقة.. هذا فندق، وهذه قرية سياحية، وذاك مركز غوص، وهناك شاطئ و… الخ.

ثم بادرني متسائلاً: إيه رأيك؟… قلت: رأيي في إيه؟.. قال: في مشروع المركز السياحي اللي بكلمك فيه؟.. ضحكت قائلا: هو فين يافندم المركز ده؟ قال: أمال إحنا كنا بنقول إيه من الصبح؟!
انصرفت وأنا أقول في نفسي.. الراجل ده أحلامه كبيرة.. استطاع أن يرسم في خياله مركزاً سياحياً متكاملاً وهو لا يملك مليماً.. فقد كانت الموازنة المخصصة لمحافظة البحر الأحمر كلها سنوياً تزيد قليلا عن الثلاثة ملايين جنيه!!

وتعلمت الدرس بعدها بسنوات.. تعلمت من يوسف عفيفي ومن تجربته التي عشتها وعايشتها عن قرب أن الأعمال العظيمة لا بد أن تبدأ بأحلام كبيرة.. أما التفاصيل فقد صاغها الرجل وسجلها في كتاب أصدره بعنوان “تجربة لا أنساها”، وصفحات هذا الكتاب تصلح بأن تكون نموذجاً لتجربة تؤكد أن الإصرار والمثابرة والقدرة على الحلم والإبداع والعمل المخلص كلها تحقق الآمال حتى ولو كانت صعبة.

إن الفريق يوسف عفيفي الذي أدعوه لمواصلة تسجيل تجاربه بعد أن أصدر كتاباً عن حرب أكتوبر فاز بالمركز الأول منذ سنوات بعنوان “مقاتلون فوق العادة”، لا بد أن يصدر العديد من الكتب والمذكرات حتى يستفيد منها الجيل الجديد من القادة.. لقد وضع الرجل محافظة البحر الأحمر على طريق التنمية وأنطلق بها حتى أصبحت علامة بارزة على خارطة السياحة العالمية، فاستحق أن يكون ضمن هذه السلسلة من النجوم في سماء السياحة.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله