الكل يتفق على أن السياحة هي الأمل وهي قاطرة التنمية الاقتصادية، والوعاء الذي يضخ الخير في شرايين الاقتصاد المصري .. وغير ذلك الكثير من الحقائق التي تضع السياحة في الصف الأول من اهتمامنا .. ولكن عندما نود تطبيق تلك المفاهيم والأهداف العليا فإنه يجدر بنا أن نتعامل مع العديد من الممارسات المتعلقة بهذه الصناعة الهامة بنظرة واقعية وألا ندفن رؤوسنا في الرمال، وأن يتم التعامل مع الكثير من السلبيات بمنتهى الشفافية والحزم أيضا ..
وإذا كان هناك الكثير من السلوكيات التي نطالب بالتصدي لها بقوة ودون تهاون، فإنني أسوق اليوم واحدة منها وهي ” لعنة البقشيش” تلك اللعنة التي أصبحت تمثل ظاهرة سلبية وسيئة إلى الحد الذي جعل السياح يتندرون بها، بل إن الكثيرين منهم أخذوا يتهكمون على مصر بسببها .. ولا أبالغ إذا قلت إن البعض منهم راح يراهن على اختراق القانون والقيام بأعمال شاذة ومتجاوزة وهم يعرفون أن الثمن مجرد بضعة جنيهات يتم وضعها في يد هذا أو جيب ذاك .. وعلى من يريد أن يرصد هذه الظاهرة المؤلمة فليذهب إلى أحد “الفنادق الكبرى” الكبرى جدا ذات النجوم الخمسة وما فوقها وما تحتها أيضا، وسيرى بنفسه جحافل المتطفلين من العاملين في هذه الفنادق يصطفون في ذل مهين أمام النزيل عند مغادرته ويتسابقون في إظهار خفة الدم والاستعداد لتقديم كافة الخدمات مع الإساءة الجسيمة للشعار الجميل الذي يحتل صدارة الدعاية للسياحة المصرية هذا العام “نورت مصر “، تلك العبارة التي يطلقها هؤلاء الطفيليون أمام الفنادق وداخلها وفي مختلف المرافق السياحية وحتى في الشوارع والميادين .. وبدلا من أن تكون نورت مصر عبارة ترحيب تحولت إلى عبارة تسول يقولها الحابل والنابل ..
ولكني في نفس الوقت لا أستطيع الادعاء بأن كل من يقول عبارة ” نورت مصر” هم من المدعين، فالواقع أن المشاعر المصرية الحانية الأصيلة تلتف حول ضيوف مصر من الأجانب والأشقاء العرب وأن الكرم والترحيب بالضيف هما سمات إنسانية في الشخصية المصرية عبر التاريخ .. لكن ” الهوجة ” التي تشهدها سياحة هذه الأيام، وفي غياب توعية حقيقية ومتواصلة خلقت هذه السلوكيات السلبية !
وراح البعض يعمل بطريقة استنزاف السائح والحصول منه على أقصى ما يمكن الحصول عليه بصرف النظر عن سمعة بلده، وعن الملايين الكثيرة التي تنفقها الدولة في الترويج والدعاية وهو أمر لا بد من التصدي له بكل قوة وحزم.
وأجد نفسي مضطرا لإعادة مطالبة أجهزة الإعلام – جميعها – بتبني أفكارا علمية للتوعية السياحية المستمرة، وبوسائل مختلفة وجذابة باعتبارها قضية قومية وألا تقتصر هذه الدعاية على موسم الصيف .. وهنا أطرح من جديد فكرة أن يتبنى التلفزيون بجميع قنواته تقديم برامج وتنويهات – مجانا – كذلك يمكن للصحف بمختلف توجهاتها أن تخصص ولو مساحات صغيرة وبشكل متواصل – مجانا أيضاً – من أجل تحقيق هذه المهمة، وهو أمر لا أعتقد أنه يمثل صعوبة للجميع ..
ويبقى أن أطالب هيئة تنشيط السياحة التي يقودها شخصية سياحية وخبيرة وهو الأستاذ أحمد الخادم .. أطالبه بإيجاد وحدة رقابة داخل الهيئة لمتابعة سلبية “البقشيش” .. ورصد المهازل التي تحدث في الفنادق والمنشآت السياحية والتي تشوه بالطبع سمعة السياحة، وتقوض الجهود المتواصلة والإيجابية التي تبذلها هيئة التنشيط لجذب المزيد من السياح لبلدنا .. وأثق أن أحمد الخادم بما عُرف عنه من جدية سيتعامل بمنتهى الجدية مع هذه السطور ..
وللقضية بقية
نورت مصر..