يصنف الكثيرون في دوائر الأمن القومي مخاطر المواجهة مع روسيا بـ “حادة”. ويقول المرشح الجمهوري دونالد ترامب متحدثًا عن سياسات كلينتون بشأن سورية “لا أنوي إرسال الطائرات إلى الروس كي يسقطوها [….] تلك السياسات قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة“.
ويتخوف المتقاعدون من كبار طياري الجيش الأميركي، بشكل متزايد، من أن اقتراح كلينتون بـ”منطقة حظر طيران” في سورية قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية مع روسيا، وأن تلك المواجهة قد تتصاعد، بدورها، إلى مستويات لم يكن أحد ليفكر بها إبان زمن ما بعد الحرب الباردة.
تحدث إلى “الغارديان” مجموعة من الاستراتيجيين العسكريين السابقين، في الوقت الذي حذر فيه منافس كلينتون الجمهوري دونالد ترامب من أن اقتراح كلينتون بإقامة “مناطق آمنة” بهدف حماية المدنيين السوريين المعرضين للخطر قد “تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة”.
وكان مقترح منطقة حظر للطيران قد نوقش بشراسة في واشنطن طوال السنوات الخمس الأخيرة، لكنه لم يحظ بأي حماسة واضحة من الجيش، بسبب الخطر الذي قد يتعرض له الطيارون الأميركان بسبب التواجد الروسي هناك، وكذلك الدفاعات المضادة للطيران التي يسيطر عليها النظام في سورية.
ويعدّ كثير في دوائر الأمن القومي في الولايات المتحدة الخطرَ المتأتي من مواجهات جوية مع الروس حادًا.
وقال جيمس كلابر، رئيس جهاز الاستخبارات المحلية في الولايات المتحدة “ما من شيء سوف يردعهم عن إسقاط مقاتلة جوية أميركية”. قال ذلك يوم الثلاثاء في رد على سؤال طرحته الغارديان في مجلس العلاقات الخارجية.
ويخشى أولئك الخبراء، ممن أشرفوا على مناطق حظر طيران في أجواء أقل خطورة في البوسنة وفي العراق أيام حكم صدام حسين، من أن تُلزِم الرئيسة كلينتون الولاياتِ المتحدة بـ -ما وصفه جنرال أميركي متقاعد من القوى الجوية بـ- “احتلال جوي”. ومن شأن خطوة كتلك أن تعرّض حياة طيارين أميركيين للخطر؛ وأن تجرؤ على مواجهة الجيش الروسي وهو على درجة من العدوانية لم يبلغها منذ سنوات خلت.
ويشكك منتقدو خطة كلينتون، كذلك، في أن يساهم استخدام قوة الجيش الأميركي، لإنشاء مناخ آمن للمدنيين السوريين، في إسقاط بشار الأسد؛ الأمر الذي يعدّ هو الهدف الظاهري للسياسة الأميركية في سورية.
“إن لم تكن تتظاهر بما تقوله لأسباب سياسية، فتلك كارثة. أتمنى أن يكون ذلك مجرد تظاهر سياسي”. هكذا قال جون كوين، وهو ضابط متقاعد من القوى البحرية الأميركية قام بمهمات متعددة في مناطق حظر طيران فوق البوسنة والعراق.
أما ديفيد ديبتولا، وهو جنرال متقاعد من القوى الجوية الأميركية وقد قام بقيادة عمليات في مناطق حظر طيران فوق شمالي العراق في العامين 1998 و1999، فقد قال إن الروس كانوا “عاملًا معقِّدًا” لكنه عدّ المشاكل التي قد تسببها منطقة حظر طيران في سورية، أكثر تعقيدًا وصعوبة، لأسباب مختلفة.
يقول ديبتولا: “طالما لا توجد إستراتيجية تحدد الهدف المطلوب بدقة ووضوح من العملية، فمن الصعب الدفاع عن فكرة إقامة منطقة حظر للطيران. [….] في الوقت الحالي، وبالطريقة التي تمت مناقشة الأمر فيها، تبدو أنها حل يبحث عن إستراتيجية ما. وإلى أن تحدد قوات التحالف الهدف الذي يرجون الوصول إليه، لا يمكن القول بأن حلًا مثل إقامة منطقة حظر للطيران هو بداية لعملية مفهومة”.
وتفوق التحديات القائمة في إقامة منطقة حظر طيران فوق سورية، مثيلاتها التي واجهتها الولايات المتحدة في ليبيا، أو البوسنة، أو العراق. فصواريخ أرض-جو السورية، والتي تقوم بحماية الساحل المتوسطي والمناطق الجنوبية، لا تزال تقع تحت سيطرة نظام الأسد، وهي كثيرة حتى قبل الإضافة الروسية لها؛ تلك التي دعاها كلابر، وهو جنرال سابق في القوى الجوية، بـ “عالية التطور” متحدثًا عن منظومة صواريخ إس-300 وإس-400، والتي في إمكانها تزويد معظم الطيران السوري بالصواريخ.
وتتطلب إقامة منطقة حظر طيران الحصولَ على المساعدة من حلفاء إقليميين -وتعد تركيا هي المرشح الأقرب للقيام بدور الشريك في سورية، لكن تركيا قد ركزت في الشهور الأخيرة على تطوير روابطها مع موسكو، بعد أن أسقطت القوات التركية طائرة روسية في نوفمبر 2015- أو القيام بنشر قوات جوية، من دون تاريخ محدد لنهايته، وبمخاطر عالية، إلى شرق المتوسط.
لكن المعلم الأكثر بروزًا في إقامة منطقة حظر طيران سورية في العام المقبل، هو التواجد الجوي لقوة عظمى أخرى، تحمل أهدافًا تناقض بشكل تام أهداف واشنطن. وفي الوقت الحالي، يتشارك الروس والأميركان السماء فوق سورية، ولكن يُبقيان حتى الآن على قنوات اتصال عسكرية بغرض تجنّب المواجهة.
وبينما ينفذ الطرفان العمليات في أجزاء مختلفة من البلاد، وبأهداف مختلفة –إذ تنفذ الولايات المتحدة العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق، بينما تنفذ روسيا العمليات في الغرب ضد معارضي الأسد- فإن منطقة حظر طيران سوف تضع الأهداف المختلفة للبلدين في موضع صراع ومواجهة. لا يمكن لأحد التكهن بكيفية رد أي من الطرفين إن اخترقت طائرة روسية المجال الجوي للجيش الأميركي الموجود هناك، ولا كيف يمكن نزع فتيل التصعيد قبل أن ينتشر ويتحول إلى صراع مديد.
يوم الثلاثاء، قال الروس إنهم سوف يتابعون وقف عمليات القصف الجوي على مدينة حلب المحاصرة، لكن مصادر محلية أكدت أن الأحياء التي تسيطر عليها القوات المعارضة قد تم قصفها في الأيام الأخيرة.
وقال كوين، الذي يعمل حاليًا أستاذًا للتاريخ العسكري في كلية “قيادة الجيش الأميركي والأركان العامة” (بالإنكليزية: US Army Command and General Staff College)، إن التصعيد قد يحدث بالصدفة، إما عبر مواجهة مباشرة في الجو، أو عبر أسر الروس –أو السوريين- طيارًا أميركيًّا بعد إسقاط طائرته.
يقول كوين: “لا أكاد أرى أي أمر إيجابي قد ينتج عن إقامة منطقة حظر للطيران في الوقت الحالي في سورية. على العكس من ذلك، فاحتمال تحويل وضع سيئ إلى أسوأ هو احتمال كبير جدًا، جدًا”.
طوال سنوات، عبّر ضباط رفيعو المستوى في الجيش الأميركي عن تمنعهم عن التدخل في الحرب السورية. في العام 2013، قال مارتن ديمبسي –الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لهيئة الأركان المشتركة- إنه حتى إقامة منطقة آمنة محدودة من شأنها أن تكلف بليون دولار كل شهر، وأن تتطلب أصولًا جوية كبيرة، مع المحافظة على وجود قوات برية بشكل مستمر. وأما خليفته، جوزيف دانفورد، فقد أخبر مجلس الشيوخ الشهرَ الفائت أن منطقة حظر للطيران قد “تتطلب منا الذهاب إلى حرب ضد سورية وروسيا” قبل إرجاع ورقة التقييم التي أعدّها تحت ضغط جون ماكين، الذي يدعم المقترح.
كلينتون، التي دعمت مقترح إقامة منطقة حظر للطيران طوال فترة المذبحة السورية، اعترفت بأهمية تلك المخاوف في المناظرة الرئاسية الثالثة التي قامت الأسبوع المنصرم.
تقول كلينتون “سأتابع الضغط في اتجاه إقامة منطقة حظر طيران، ومناطق آمنة، في سورية، ليس فقط للمساهمة في حمالة المدنيين السوريين ووقف التدفق المستمر للاجئين […] بل كذلك، لكسب بعض النفوذ للتأثير على كل من الحكومة السورية والروس، علّنا نتوصل إلى نوع من المفاوضات الجدية الضرورية لإنهاء الصراع، والمضي في طريق الحل السياسي”.
ولكن يواجه المحللون الاستراتيجيون صعوبات في فهم كيف يمكن لمنطقة حظر طيران أن تؤمن للأميركان النفوذ والتأثير الكافيين لإقامة الصفقات مع الأسد أو روسيا، خاصة مع كون الهدف هنا هو الحماية الذاتية، وحماية مصالح شريك لأميركا بحسب اخبار سوريا.
يقول جوشوا روفنر، الذي يعمل في جامعة ساوثرن ميثوديست، “لا أفهم كيف يمكن لمنطقة حظر طيران أن تمنحنا تسوية سياسية، لا وجود لسابقة تاريخية تدعم تلك النظرية. مثلًا، كانت هنالك مناطق حظر للطيران في العراق، استمرت نحو عقدٍ من الزمن، وما من تسوية حدثت هناك. [….] أتمنى أن تكون النتيجة هي ذلك النوع من النفوذ الذي يبدو أن كلينتون تأمل الحصول عليه، لكنني لا أرى ما يهدد الأسد أو بوتين في ذلك. تلك العملية باختصار هي أن تقبل بصرف نفقات جديدة كثيرة ومتعددة، مع فوائد قليلة للغاية”.