أيها السائحون ارحلوا
فينيسيا "المسلة" ….. طوفان من البشر يتدافعون عبر ميدان سان ماركوس، الجسور الرومانية العريقة، وحارات وأزقة المدينة القديمة. تستقبل مدينة القوارب عشرة ملايين سائح كل عام ينزلون في فنادقها وبنسيوناتها، يضاف إليهم 14 مليونا يزورون المدينة لمدة يوم واحد، وتعد هذه الأعداد كارثة حقيقية أخذا في الاعتبار أن إجمالي تعداد سكان المدينة لا يتجاوز 260 ألف نسمة.
الرومانسية، الجمال، وهذا الضوء السحري المميز، الذي لا يجذب السائحين بالملايين، بل يجذب أيضا نجوم السينما الباحثين عن التميز مثل جورج كلوني وزوجته المحامية الحقوقية من أصل لبناني، أمل كلوني، وصناع الأفلام وأصحاب الملايين.
لكن أهل فينيسيا أصابهم الضجر من الزحام، وسلوك السياح غير اللائق. تشير صحيفة «كورييري ديل فينيتو» إلى أن المواطنين من نفاد صبرهم بدأوا حملة تحريض ضد السائحين «أيها السائحون ارحلوا!»، «إنكم تدمرون المكان!»، وقد علقت لافتات بهذا المضمون على الجدران القريبة من كنيسة سان جيوفاني في بارجورا. ويعتقد أن هذه الحملة وراءها رجل أعمال لم يستطع تحمل الوضع أكثر من ذلك بحسب د.ب.أ.
تجدر الإشارة إلى أنه في ذروة الموسم السياحي، أثناء الاحتفال بمهرجان فيراجوستو « Ferragosto »، وهو إجازة رسمية في جميع أنحاء إيطاليا، تعرضت فينيسيا لكارثة حقيقية، نتيجة إغلاق جسر الحرية، الشريان البري الوحيد الذي يربط مدينة القوارب بإيطاليا، بسبب السيول غير العادية التي تعرضت لها البلاد في عز الصيف، مما دفع الكثير من المصيفين إلى البحث عن بدائل أخرى لقضاء يومهم بعيدا عن فينيسيا، أما أهل المدينة فقد وجدوا أنفسهم محاصرين بجحافل من السياح.
ولكن مظاهر الغضب والضجر من سلوك السياح، لم تؤثر على عائدات السياحة مطلقا، وفقا لما يؤكده جان دير بورج أستاذ الاقتصاد بجامعة كافوسكاري بفينسيا، حيث يوضح أن معدلات السياحة الوافدة تشهد زيادة بمعدل 25% سنويا، وفقا لأرقام السنوات العشرة الأخيرة.
من جانبها توضح خبيرة السياحة باولا مار «نحاول التوفيق بين اهتمامات السياح واهتمامات السكان، ولكن هذه ليست مشكلة فينيسيا وحدها بل العديد من المدن الإيطالية».
على الرغم من ذلك، تعتبر فينيسا حالة استثنائية، نظرا لحالة مبانيها الأثرية، والأثر السيئ الذي يتركه عليها توسيع مجاري القنوات لكي تتسع لمرور العبارات الضخمة، والروائح التي تخلفها هذه العبارات على هذه المباني، مما دفع اليونسكو لتهديد إيطاليا برفع اسم مدينة القوارب من قوائم مدن التراث العالمي . أخذا في الاعتبار أن زوار العبارات غير مرحب بهم في كثير من الأحيان. يقول فان دير بورج «إنهم يغزون فينيسيا بالكامل مقابل زيارة ليوم واحد لا يرون خلالها سوى ميدان سان ماركوس».
يقول البروفيسور إن «أعداد السائحين مرتفعة للغاية بالنسبة لحجم المدينة، فضلا عن النوعية الرديئة من السائحين التي باتت تتردد على المدينة. فينيسيا تحتاج إلى نظام حماية، يوفر متعة حقيقية للسائحين المهتمين حقيقة بالتعرف على المدينة، وليس مجرد المرور العابر بقنواتها. كما تحتاج المدينة لخريطة جيدة لتوزيع كل هذه الأعداد على مدار العام، بدلا من تكدسهم خلال فصل الصيف».
من جانبه اقترح عمدة المدينة الجديد لويجي برونيارو، خطة تتضمن تحديد عدد زائري أماكن مهمة مثل ميدان سان ماركوس، وتطبيق نظام المحميات على العبارات وركابها.
كما اقترح في أكثر من مناسبة فرض نوع من تذاكر الدخول لزيارة المدينة، على الرغم من أن هذا الاقتراح آثار جدلا واسعا. يقول فان دير بورج «يجب التفكير في السياح الشبان الذين لا يمتلكون الكثير من المال»، مشيرا إلى أنه من الناحية القانونية لا يمكن تطبيق إجراء كهذا بسهولة. يذكر أنه منذ مطلع شهور الصيف، خصصت الحكومة لسكان فينيسيا ممرات خاصة بهم لركوب قواربهم «vaporettos»، حتى لا يضطرون للوقوف في طوابير جنبا إلى جنب مع السائحين لركوب الجندولات الشهيرة، التي تعتبر وسيلة المواصلات العامة التي تقطع قنوات مدينة البندقية.
من ناحية أخرى أطلق مجموعة من السكان المحليين حملة لتوعية السائحين بالسلوك اللائق الواجب اتباعه أثناء زيارة فينيسيا تتضمن ملصقات على صناديق القمامة تصور خنازير في لباس البحر مدون عليها عبارات باللغة الإنجليزية مثل «ستوب» أو «ليس مرحبا بكم في فينيسا».
تقول باولا ديل مار «إنها صور لا تبتعد كثيرا عن الواقع، الكثير من السياح يسبحون في القنوات بلباس البحر، وبعضهم يتجول في أرجاء المدينة شبه عار، وهناك من يقيمون مخيمات للمبيت في ميدان سان ماركوس، وهناك نوع آخر من السائحين يأتون للمدينة على دراجات، دون أن يستوعبوا أن المدينة غير مؤهلة بسبب الجسور والقنوات لسائحي الدراجات».
وحتى بدون هذه السلوكيات، في ذروة الموسم يبدو الوضع فوضويا، هناك دائما تكدس في جميع الشوارع وفوق الجسور وعلى طوابير القوارب. أما سائقو القوارب والعبارات فبسبب هذا الوضع المتأزم يتبادلون السباب والشتائم طوال الوقت. أما السياح: فيتبادلون صور السلفي منبهرين بهذا الجمال الساحر على صفحة قنوات البندقية بينما ينساب الجندول بنعومة ورومانسية أسرت الشعراء وسحرت الفنانين منذ الأزل.