Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل
جانبى طويل

حماية الآثار العربية لا تنفصل عن حماية العمران والسكان

 

 وصلت جرائم الاعتداء على التراث الثقافي والآثار والمتاحف وسرقتها وبيعها غير المشروع وتدميرها، في العام 2016 في بلدان تشهد نزاعات وحروباً ضارية مثل سورية والعراق واليمن وليبيا، الى أقصى درجات الخطورة تاريخياً.

 

خصوصاً أن الميليشيات الإرهابية التي تهجّر وتقتل ملايين الأشخاص في هذه الدول العربية بأبشع الطرق وأعنفها، وتعمل على تشويه التاريخ ومحو الهويات وتفخيخ الانتماءات و «تطهّر» المجتمع العربي من أي شكل من أشكال التنوّع الثقافي، تموّل حملات إرهابها وجرائمها التدميرية من خلال تهريب الآثار وبيعها بطرق غير مشروعة. هذا الخطر على التاريخ والهويات والتراث الذي يجعل البشرية جماعة واحدة والرابط ضمن مصير مشترك، لا ينفصل عن خطر الحياة البشرية المهدّدة في هذه البلدان حيث النزاع يجرّ نزاعات والحرب تجرّ حروباً… لذا كان لا بدّ من تضافر الجهود الدولية وإن لا تزال برعماً طرياً، لتهزّ العصا للإرهاب من باب الآثار، إذ اجتمع أكثر من أربعين دولة ومنظمة دولية بخاصة في مؤتمر أبو ظبي للحفاظ على التراث الثقافي، في الشهر الأخير من السنة، معلنة إنشاء صندوق دولي لحماية التراث الثقافي في مناطق الصراع تبلغ قيمته مئة مليون دولار، سيحظى بحوافز ضريبية وسيستوحى من النظام الداخلي للصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا، ومركزه سويسرا.

 

وسيساعد الصندوق في تمويل العمليات الوقائية والطارئة ومكافحة الإتجار غير المشروع في القطع الأثرية، كما سيساهم في ترميم الممتلكات الثقافية التي لحقت بها أضرار. وهذا ليس تفصيلاً، وإن لم يكن الحلّ الأمثل والأوحد، إلا أنه بداية تعطي أملاً لسكان هذه المناطق الذين حصدوا ثمن مدافعتهم عن أرضهم وحريتهم وكرامتهم، آلاف الأرواح عدا عن تدمير مدن بكاملها.

 

وفي مقابل هذا التفاؤل، يتخوّف خبراء الآثار خصوصاً في مصر واليونان من اقتراح فرنسا الذي عرضه رئيسها فرنسوا هولاند في نقل التراث المهدد في سورية والعراق ومناطق النزاع، الى مركز محفوظات «لييفان» الذي يبنيه متحف اللوفر في شمال فرنسا. وقد اقتُرحت في المؤتمر عمليات نقل معالم تراثية وحفظها وترميمها من خلال استخدام تقنية ثلاثية الأبعاد، وكذلك تدريب اختصاصيين لهذه الغاية.

 

والسؤال هنا: هل إذا نقلنا الآثار المهددة من سورية والعراق الى فرنسا أو سويسرا أو أي بلد آخر، نحميها أم أن دولاً كبرى تستثمر وجودها في متاحفها وتعرضها على السياح، ويستفيد منها خبراؤها وباحثوها وطلابها، وبالتالي يستغنون عن السفر الى دولها الأم؟ وهنا مَن يضمن عودة هذه الآثار؟ ولا ننسى أن دولاً مثل بريطانيا وفرنسا وبرلين وإيطاليا لم تردّ آثاراً مهمة كانت نقلتها الى أراضيها ومتاحفها من مصر وبلاد ما بين النهرين والشام، في فترات الاستعمار وخلال حملات التنقيب التي قامت بها بعثات رسمية من هذه البلدان الأوروبية؟ قد يقول قائل الحمدالله إنها لم تفعل، وإلا كانت آثار مهمة مثل حجر رشيد وتمثال أبولو والرأس البرونزي الموجودة في المتحف البريطاني في لندن حالياً، تحت رماد «داعش» أو في منزل أحد زعماء مافيات الحرب! لكن الأجدر من كل ذلك، أن تنظر الدول المتكاتفة والتي يرقّ قلبها على الحجر قبل البشر الذين صنعوا هذا التاريخ والذين هم ورثة هذه الحضارات، الى الناس والبلاد من خطر الموت الذي يأتي من نيران صديقة ومن أبناء البلد ومن الميليشيات الإرهابية والمتطرفة. وإذا استطاعت فرنسا مثلاً التي اقترحت نقل الآثار لحفظها في مخازنها، نقل عدد معيّن من القطع الأثرية (وهذا مكلف جداً ويحتاج الى حماية من هجمات إرهابية وسرقة) فهي لن تستطيع نقل متاحف مفتوحة ومدن أثرية بكاملها مثل تدمر أو النمرود أو الناصرية، ولا قلاع ومعابد ضخمة مثل قلعة صلاح الدين، هذه المتاحف المفتوحة والضخمة من يحميها؟ وكيف نحميها؟

 

 

الأهم الآن التفكير في أن حماية الآثار لا تنفصل أبداً عن حماية السكان، لذا من المهم أن يعمل هذا الصندوق لحماية الآثار على استراتيجية تموّل حماية الآثار بطرق غير تقليدية، من أهمها زيادة الوعي لدى سكان هذه المناطق الأثرية بأهمية التراث لشخصهم ولمجتمعاتهم المحلية، وبالتالي تدريبهم على حراسة آثارهم وحمايتها وتشجيعهم على ذلك من خلال المال أو التوظيف لتكون حماية الآثار هدفهم ووظيفتهم الأولى كما هي وظيفتهم مقاومة العدو والإرهاب وإيجاد لقمة العيش. فإذا اعتبر الناس المحيطون بالمناطق الأثرية أن هذه الآثار ملكهم الخاص، لن يُفرّطوا بها وسينسجون علاقة مميزة معها وستدخل في يومياتهم وسيحمونها وقد ينقلونها معهم ويخبّئونها كما يخبّئون ذهبهم وأموالهم الخاصة ليومهم الأسود. فهذه الآثار هي الجامع بيننا وهي هويتنا وهي قوت يومي لأهل المناطق التي وُجدت فيها منذ آلاف السنين.

لذا على كل من يدمّرها أو يهدّدها أو يسرقها أو يبيعها، أن يحاكمه الشعب والمجتمع المحلي كما يحاكمه المجتمع الدولي والمحكمة الدولية التي سجّلت في 2016 سابقة حين بدأت في آب (أغسطس) الماضي محاكمة أحمد الفقيه المهدي المتهم بجرائم حرب تتمثل في تدمير المعالم التاريخية والدينية في مدينة تمبكتو في مالي، في الفترة بين نهاية حزيران (يونيو) 2012 و11 تموز (يوليو) 2012. وهي القضية الأولى أمام المحكمة الجنائية الدولية في ما يتعلق بمالي وأول قضية يقر فيها المتهم بذنبه، وهي أول قضية أمام المحكمة الدولية تركز حصرياً على موضوع المباني التاريخية التراثية أو الأماكن المخصصة للعبادة. وبالتالي توجّه هذه المحاكمة «رسالة قوية إلى أهالي مالي بأن العدالة تأخذ مجراها وأن الاعتـــداءات ضدهم وضد رموزهم ورموز هويتهم وإرثهم الثقافي لن تمر بدون عقاب، وهي أيضاً رسالة تذهب إلى أبعد من حدود مالي تقول إن هذه الاعتداءات تشكل جرائم خطيرة لا يجوز غض النظر عنها ولا يجوز الاستمرار بها من دون عقوبة»، كما أعلن الناطق باسم المحكمة فادي العبدالله.

فهل تحاكَم الميليشيات والجماعات الإرهابية في اليمن وسورية وليبيا والعراق وأخيراً مصر (تفجير الكنيسة البطرسية) بتهمة جرائم تدمير الآثار وسرقتها وبيعها؟

 

نقلا عن الحياة

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله