كتب د. عبد الرحيم ريحان
القاهرة “المسلة” ….. تتميز مصر بعناصر تفرد بكل مفردات الحضارة المصرية من عمارة وفنون ونقوش ووثائق تؤكد قيم التسامح والنسيج الواحد على أرض مصر ومنها دير سانت كاترين المسجل كأثر من آثار مصر فى العصر البيزنطى الخاص بطائفة الروم الأرثوذكس عام 1993 والمسجل ضمن قائمة التراث العالمى (يونسكو) عام 2002 يعتبر من أهم الأديرة على مستوى العالم والذى أخذ شهرته من موقعه الفريد فى البقعة الطاهرة التى تجسدت فيها روح التسامح والتلاقى بين الأديان ولقد بنى الإمبراطور جستنيان الدير ليشمل الرهبان المقيمين بسيناء بمنطقة الجبل المقدس منذ القرن الرابع الميلادى عند البقعة المقدسة التى ناجى عندها نبى الله موسى ربه وتلقى فيها ألواح الشريعة وبنى المسلمون الجامع داخل الدير أيام الخليفة الآمر بأحكام الله الفاطمى 500هـ 1106م.
وأن معظم المخطوطات العربية المسيحية بمكتبة دير سانت كاترين متأثرة بالحضارة الإسلامية فنجدها تستهل بالبسملة “بسم الله الرحمن الرحيم”وتختتم بالحمد لله وتؤرخ بالتقويم الهجرى وتبدأ أسفار الكتاب المقدس فى كثير من المخطوطات كالآتى (بسم الله الرحمن الرحيم نبتدى بعون الله ونكتب أول سفر ) ، كما أطلق على كثير من الرسل والقديسين المسيحيين اسم (المصطفى) بدلاً من كلمة البشير أو الإنجيلى كما إزدانت كثير من تلك المخطوطات وأغلفتها بنقوش ورسوم وزخارف على هيئة طيور وأزهار وتوريقات نباتية وإطارات على النسق العربى.
وهناك العديد من المواقع الحضارية بطور سيناء التى تؤكد التعايش الحضارى ومنها جبل الناقوس الذى يبعد 13كم شمال غرب طور سيناء 10كم شمال جبل حمام موسى ويشرف على خليج السويس وهو جبل من الصخور الرملية الرسوبية استغله الحجاج المسيحيون والقوافل التجارية العربية كمكان للراحة والتزود بالطعام وأثناء ذلك نقشوا ذكرياتهم وأسمائهم وأدعيتهم على أجزاء متفرقة من هذا الجبل وتجاورت النقوش المسيحية باللغة العربية مع النقوش العربية بالخط الكوفى على نفس الصخرة لعبورهم سويًا فى أمان لهذه الطرق فتجاورت الآيات القرآنية ونص الشهادة والصلاة على النبى عليه الصلاة والسلام وطلب المغفرة والرحمة مع الأدعية المسيحية وطلب الغفران كما نقشت على الجبل أسماء لعائلات مسيحية تقطن الطور بتل الكيلانى متجاورة مع منازل المسلمين.
ومنذ عام 1885م كان طريق الحجاج المسلمون والمقدّسون المسيحيون مشترك حيث يركب الاثنين معًا نفس الباخرة من القلزم (السويس) إلى ميناء الطور ومنه يزورون سويًا الأماكن المسيحية والإسلامية ويسجلوا نقوشهم على جبل الناقوس ثم يتجهوا معًا إلى دير سانت كاترين عبر وادى حبران وهو مركز التقديس بسيناء حيث تتم رحلة المقدّسون بزيارة الدير وصعود الجبل ورحلة المسلمون بزيارة الجامع الفاطمى داخل الدير وتركوا نقوشهم على المحراب وصعود الجبل لزيارة الجامع الفاطمى أعلى الجبل ثم يستكمل المسيحيون طريقهم إلى القدس لاستكمال التقديس ويعود الحجاج المسلمون إلى ميناء الطور ليستكملوا رحلتهم فى االبحر الأحمر إلى جدة ومنها إلى مكة المكرمة .
وفى القاهرة ثلاث ظواهر مجمع الأديان بمصر القديمة وواجهة المتحف القبطى حيث اختار مؤسس المتحف القبطى مرقص سميكة باشا واجهة جامع الأقمر الفاطمى بشارع المعز لتكون واجهة المتحف القبطى حين تأسيسه والموجودة حتى الآن وأن هذه الواجهة هى نموذج طبق الأصل من واجهة جامع الأقمر وقد أضاف إليها الفنان التشكيلى راغب عياد الرموز المسيحية و قد تأسس المتحف عام 1908 وافتتح رسميا عام 1910 وباب جامع الناصر محمد بشارع المعز هو باب كنيسة سان جان بعكا بفلسطين ووضع على الجامع دون أى تغيير بطرازه القوطى المعروف .
وفى البهنسا دراسة أثرية للمهندس ماجد الراهب رئيس مجلس إدارة جمعية المحافظة على التراث المصرى أكدت أن البهنسا مدينة الشهداء وبها أربعون من الصحابة وكانت إحدى المدن التى تأتى منها كسوة الكعبة وبها شجرة العذراء مريم التى استظلت تحتها العائلة المقدسة وبئر يوسف الذى عاش بها هو وإخوته وعدة أديرة وكنائس.
وفى الفنون أكدت دراسة أثرية للآثارى أحمد النمر مدير إدارة الآثار القبطية بقطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار أن الفنون أيضًا عبرت عن هذا النسيج فى النسيج المعروف بالقباطى (تابسترى) وهو النسيج المعروف فى الفترة المسيحية بمصر واستمر أوائل العصر الإسلامى لأن صناع النسيج كانوا فى أوائل العصر الإسلامى من المسيحيين ثم زاول العرب فيما بعد ممارسة الحرف الصناعية كالنسيج وغيرها وظل اسم القباطى يطلق على النسيج الذى ينتجه ويصنّعه هؤلاء جميعًا فى العصر الفاطمى.
وكانت كسوة الكعبة المشرّفة تصنع من القباطى المصرية فى صدر الإسلام وفى عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه أوصى بكسوة الكعبة بالقباطى المصرى وفى عهد الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه وكانت الكعبة فى العصر الأموى تكسى بالديباج والقباطى وعرف المسلمون المنسوجات المصرية عندما أهدى المقوقس رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون ثوبًا من القباطى.