بقلم :أسعد بشارة
في ظلّ الظروف القاسية التي تمرّ بها المنطقة العربية، قد يتساءل البعض: هل بقيَ مكان في هذه المنطقة يشكّل ملاذاً آمناً للسائح يؤمّن له الهدوء والراحة ويتمتّع في الوقت عينه بأجمل المواقع السياحية والتاريخية والدينية التي تنقله من عالم الواقع إلى عالم التاريخ بكلّ أبعاده؟!إنّها الأردن التي احتلّت مكاناً ثابتاً على خريطة السياحة العالمية ودخلت لائحةَ التراث العالمي من بابه العريض.
ليس خفيّاً على أحد أنّ الأردن تختزن أماكن جذبٍ سياحية كثيرة، لكنّ الغريب هو أن يتمتّع بلد واحد بهذا التنوّع السياحي والديني والمناخيّ، بالإضافة الى أنّه البلد الذي يَجمع جماليات الطبيعة بكلّ أضدادها.
هو البلد الذي يجمع في آنٍ بين البحر والصحراء، بين الساحل والجبل، بين حياة البداوة والبساطة وحياة المدينة والصخب، البلد الذي يحتضن شعبَه من طوائف عدّة دونما تمييز أو تفرقة، ليقدّم نموذجاً بالعيش المشترك والانفتاح.
بالإضافة الى الموقع الجغرافي المميّز للأردن، فهي تتمتّع بميناء بحري مهمّ عبر نافذتها الى البحر الأحمر، «العقبة»، أو كما يُسمّونها لؤلؤة البحر الأحمر، تلك المحافظة التي تحتلّ مكانةً مميّزة على خريطة الأردن السياحية وتُعتبَر نقطة انطلاق مهمّة لزوّار الأردن القادمين إليه عبر البحر أم عبر مطار العقبة، لاستكشاف المعالم التاريخية والأثرية.
ويُعتبَر موقع العقبة استراتيجياً للسائح، بحيث لا تستغرق الرحلة من العقبة لزيارة البتراء «إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة»، أو وادي رم «الصحراء ذات الأصداء اللامتناهية» اكثرَ مِن ساعة، لذلك تُعرَف العقبة بأنّها رأس المثلّث الذهبي السياحي في الأردن، إضافةً الى خليج العقبة المصنّف من أفضل المواقع العالمية للسياحة البحرية من سباحة وغوص، نظراً إلى نظافة مياهِه وهدوئها وجمالها.
قد يُخيَّل للسائح الى صحراء وادي رم، هذه المحميّة الطبيعية التي لم تدخل إليها يد الإنسان، أنّه خارج هذا العالم، وأنه استقلّ صاروخاً وحطّ على سطح القمر، لتضاريسه الرائعة وجباله الشاهقة.
ويُعتبَر مقصداً للسوّاح من كلّ أنحاء العالم، أمّا فنادقه فعبارة عن مخيّمات سياحية وعادات تعود بك مئات السنين الى الوراء لعَفويتها وطبيعتها، وتوفّر كلّ الخدمات التي يطلبها الزائر بالإضافة إلى المأكولات التقليدية البدوية اللذيذة والتي يُحضّرها أهالي الصحراء المعروفون بكرَمهم وضيافتهم الملفتة.
ساعةٌ من الوقت كفيلة بأنّ تعود بك آلافَ السنين الى الوراء. فتَعود من سطح القمر لتَصل إلى إحدى عجائب الدنيا السبع، «البتراء»، المدينة الأثرية التاريخيّة التي تشتهر بعمارتها المنحوتة بالصخر والتي كانت لسنوات كثيرة مملكةَ الأنباط.
قد لا يتّسع الوقت أمام زائر الأردن لاكتشاف كلّ سِحره وجماليته، فكيف له عند زيارته العاصمةَ عمان والتمتّع بمناخها المعتدل ألّا يتعرّف إلى معالمها السياحية الكثيرة ويكتشف ثروتها من المعالم الأثرية الشهيرة التي لا زالت حتى اليوم تَشهد على حضارات قديمة استوطنَت المدينة، مِثل المدرج الروماني ومتحف الآثار والكثير غيرها.
على الأرض الأردنية الكثير من الأماكن المقدّسة، وإلى شرق نهر الأردن يمكن للسائح القيام برحلة حجّ دينية الى المغطس، المكانِ الذي وقفَ فيه المسيح لكي يتعمّد بالماء، وأعلنَ من خلاله بدايةَ رسالته لللبشرية.
ومِن هناك يمكنه متابعة المشوار إلى اماكن الحجّ الدينية الثلاثة الأخرى التي اعلنَها قداسة البابا – بالإضافة إلى المغطس – مواقعَ حجّ مسيحية رسمية، وهي قلعة مكاور، جبل نيبو، مزار سيّدة الجبل ومزار النبي إيليا. بالإضافة الى جرَش الشاهدة على حضارة الرومان، والعديد من المساجد والكنائس العائدة الى زمن القرون الوسطى، فضلاً عن الكثير من المواقع الثقافية والأثرية.
كلّ هذه الوجهات السياحية في المملكة الأردنية الهاشمية هي كفيلة بأن تلبّي طموحَ السائح، كلّ سائح، واستطاعت ان تجعل من الأردن مقصداً لكلّ الشعوب على اختلاف لغاتها وأذواقها وعقلياتها، وهدفاً لكلّ عالِم وباحث عن الحضارات، وجواباً لكلّ شَغوف الى الثقافة، وارتواءً لكلّ توّاق الى التاريخ والجمال.
تَفتح الأردن ابوابَها وقلوبَها لكلّ زائر، ويَترك شعبُها لدى الزائر انطباعاً قلَّ نظيرُه، لِما يتحلّى به هذا الشعب من ضيافة ومحبّة وأخوّة، صفاتٍ لطالما عُرف بها الشعب الأردني بمختلف أطيافه، فيَشعر السائح من أيّ بلد أتى، بأنه في بلده الأمّ.
نقلا عن الجمهورية