الجزيرة العربية كانت حافلة بالأنهار والبحيرات والمساحات الخضراء التي جعلت منها ملتقىً للحضارات الإنسانية عبر التاريخ
العثور على آثار لأفيال ونمور وخيول وتماسيح كانت تعيش شمال الجزيرة العربية
الجزيرة العربية كانت وعبر حقب تاريخية بعيدة مركزاً ومقراً للهجرات البشرية من أفريقيا وآسيا
الرياض “المسلة” ….. كشفت نتائج دراسات أثرية حديثة عن أن الجزيرة العربية كانت تحوي 15 بحيرة كبيرة قبل 7000 سنة تعيش حولها مجموعات بشرية وحيوانات مختلفة.
ووثّقت نتائج أبحاث علمية واكتشافات أثرية أجراها علماء ومختصون في مجال الآثار، للاستيطان البشري والهجرات نحو الجزيرة العربية والاستقرار بها، بفترة ما قبل التاريخ.
حيث كشفت أبحاثهم أن هذه المنطقة كانت مأهولة ونابضة بالحياة البشرية والحيوانية لما تميزت به من مقومات طبيعية جاذبة للعيش فيها، مؤكدين أن هذه البقعة كانت حافلة بالأنهار التي تجري على أرضها والبحيرات والمساحات الخضراء التي جعلت منها مقراً وملتقىً للحضارات عبر الحقب المختلفة.
وأكدت الدراسة التي قام بها فريق البعثة السعودية البريطانية الدولية المشتركة ، والذي أجرى سلسلة من المسوحات والاكتشافات الأثرية في عدد من مناطق المملكة العربية السعودية، شملت جبة بمنطقة حائل، والدوادمي بمنطقة الرياض، والمندفن في صحراء الربع الخالي، وصحراء النفود جنوب شرقي تيماء بمنطقة تبوك، أن الجزيرة العربية شهدت تعاقب ظروف مناخية وبيئية متباينة عاشت خلالها فترات متقلبة ما بين الاخضرار والجفاف والرطوبة.
وأشارت الأبحاث إلى أن هذه المنطقة عاشت لفترات طويلة مروجا خضراء جاذبة للحياة البشرية والحيوانية معاً، وتنبأت الدراسة ، وفقا للتقلبات المناخية والبيئية، إلى أن الجزيرة العربية ستعود مرة أخرى مروجا خضراء حافلة بالانهار والبحيرات.
جاء ذلك في المحاضرة التي نظمها قطاع الآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني يوم الخميس 21 ربيع الآخر 1438هـ الموافق 19/1/2017م في المتحف الوطني بالرياض والتي قدمها كلّ من الأستاذ عبدالعزيز العمري، رئيس الفريق السعودي ، والدكتور مايكل بيتراقاليا، رئيس الفريق الدولي ، استاذ الآثار الذي يعمل حالياً في معهد ماكس بلانك للعلوم في تاريخ الإنسان بألمانيا.
وأوضح عبدالعزيز سعود العمري في المحاضرة التي جاءت بعنوان: “الجزيرة الخضراء”، أن ما كشفت عنه الدراسة من استيطان بشري وتواجد مجموعات حيوانية مختلفة شكًل ملامح علاقة وطيدة بين الكائنات الحية والبيئة التي تعيش فيها منذ أمد بعيد.
مبيناً أن الفريق عثر على كميات كبيرة من الآثار تؤكد عمق هذه العلاقة والتناغم بين البيئة وإنسانها، لافتاً إلى أن المعثورات شملت، عدداً من الأدوات الحجرية المتنوعة، وأحافير لمختلف الحيوانات وجدت حول شواطئ البحيرات وضفاف الأنهار.
مشيراً إلى أن بعض هذه المعثورات وجد على السطح، وبعضها تم العثور عليه أثناء الحفريات التي قام بها الفريق، وقال إن الرسوم الصخرية التي عثر عليها في منطقة جبة سلطت الضوء على جانب كبير من مسيرة إنسان هذه المنطقة وتطور مفاهيمه الثقافية وأساليبه في التكيف مع محيطه البيئي والتعايش معه.
واشار العمري إلى أن الرسوم أكدت أن الحقبة الأخيرة من تاريخ الاستيطان البشري في بحيرة جبة وشويمس كانت تشكل آخر الفترات المطيرة، كما تدل الرسومات على أن هناك مجموعات بشرية عاشت على ضفافها قبل أن تجف هذه البحيرات قبل حوالي (7) آلاف سنة من وقتنا الحالي.
وأوضح أن بحيرة تل الغضاة (جنوب شرقي تيماء بمنطقة تبوك) التي تم العثور عليها كانت مأهولة ونابضة بالحياة قبل ( 500) ألف سنة ثم ضربها الجفاف والتصحر قبل (335 ) ألف سنة من الوقت الحاضر، وقال إن الحفريات في هذه البحيرة أسفرت عن تواجد عدد كبير من الحيوانات شملت ( الأفيال والغزلان بأنواعها والمها العربي، والأبقار والجمال والجواميس والنمور والضباع والثعالب والخيل وأفراس النهر والتماسيح وبعض الطيور وغيرها من الحيوانات المختلفة).
لافتاً إلى سلسلة من التقنيات الحديثة التي استخدمت في هذه الدراسة والتي ساعدت الفريق في رسم الخرط والتصوير وتوثيق المواقع والمعثورات، وقال إن جميع المعثورات المكتشفة خضعت إلى تحاليل مختبرية دقيقة بمشاركة باحثين من (10) دول مختصين في جميع العلوم ذات العلاقة بمجال الدراسة والأكتشافات الأثرية.
وابتدر الدكتور مايكل بيتراقليا حديثه في المحاضرة مشيداً بالتعاون بين فريقي البعثة ونجاحها في مهام الكشف الأثري في المملكة، لافتاً إلى أن الجزيرة العربية كانت خضراء حقا حسب البحوث والاكتشافات الأثرية، مضيفاً أنها ستعود خضراء مرة أخرى نظرا للتغيرات المناخية والتنبؤات بذلك، وأثنى على جهود الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني .
وقال نحن ممتنون لدعمه وتشجيعه للفريق ومتابعته اللصيقة لانشطته عبر المراحل المختلفة، مشيداً بدعم حكومة المملكة وعلماء الآثار والمختصين والتربويين وعدد من الجهات بما في ذلك شركة أرامكو السعودية ، الأمر الذي شكل دافعاً لمزيد من الانجازات في هذه ا لمهمة، وقال إن ما قدمه فريق البعثة يمثل تجربة فريدة على مستوى المملكة والشرق الأوسط والعالم.
وأضاف دكتور مايكل: أن الجزيرة العربية ممثلة في المملكة العربية السعودية، كانت وعبر حقب تاريخية بعيدة مركزاً ومقراً للهجرات البشرية من أفريقيا وآسيا، وقال: عملنا في (7 ) مناطق في السعودية ووجدنا أن كل منطقة تزودنا بمعلومات تؤكد أن هذه الأرض كانت خضراء ومأهولة قبل (500) ألف عام، لافتاً إلى طرق البحث والاكتشافات الأثرية التي اتبعها الفريق في حصر المعلومات وتحديد المواقع الأثرية وكيفية العمل بها، وطرق معالجة المعثورات وتوثيقها وتحليل البيانات والمضامين…
وأضاف: تمكن الفريق من حصر (15) بحيرة و(10) ألف نوع من الأطعمة وعدد من الأنشطة البشرية التي كانت سائدة عندما كانت هذه المنطقة خضراء ونابضة بالحياة، مضيفاً أنه تم اكتشاف سلسلة من المواقع والآثار المدهشة في المملكة، ومن ذلك موقع الوسطى الواقع في صحراء النفود شرق تيماء…
لافتاً إلى أن هذا الموقع عبارة عن بحيرة توجد بها أحافير وشواطيء ظاهرة، وأوضح أن هذا العام شهد اكتشافاً جديداً يتمثل في آثار أقدام حيوانات في طبقة الطمي الخاص بهذه البحيرة، وغير ذلك من آثار الغزلان والجمال والأفيال، والمها العربي، وآثار كثيرة لعظام حيوانات مختلفة.
وقد حظيت المحاضرة بمشاركة عدد من علماء الآثار والمختصون والمسؤولون والمهتمين بالاثار.
وتأتي المحاضرة ضمن المحاضرات التي تنظمها الهيئة للبعثات السعودية الدولية المشتركة التي تعمل حاليا في مناطق المملكة والتي بلغت هذا العام 32 بعثة.