مكسيكوسيتي …. الفساد ظاهرة مشينة، تسعى الأنظمة السليمة لمكافحتها، في المكسيك الأمر مختلف. “المفسد” عبارة عن جولة سياحية بمرشد ذات خصوصية من نوع فريد. تم تهيئة حافلة مدرسية قديمة، وجعل جزء منها مكشوف السقف، للقيام بالجولة السياحية بين أشهر معالم الفساد بالعاصمة المكسيكية، مكسيكوسيتي.
إنه يوم الأحد، حيث العطلة الأسبوعية، بينما انطلقت الحافلة المبهرجة تتهادى عبر شوارع العاصمة. أما لو توقفت عند زاوية أحد الشوارع فإن مجموعة غاضبة من المواطنين المحليين تسرع بمهاجمتها بينما يطلقون صيحات استهجان وعبارات حماسية “كفاية فساد. لا للفساد”.
رموز نشر الفساد
يسعى مبتكرو هذه المبادرة لخلق وعي بين الجماهير حول هذه المشكلة الخطيرة التي تعاني منها المكسيك، من خلال زيارة الأماكن التي تعتبر رموزا للشر والفساد في البلد اللاتيني.
من بين هذه المعالم، نصب تذكاري أقيم تكريما لمجموعة من 43 طالبا اختفوا منذ عام 2014 ولم يظهر لهم أي أثر حتى الآن منذ أن سلمتهم الشرطة بنفسها لعصابة إجرامية. وهناك أيضا مبنى مجلس الشيوخ الذي يعد مؤشرا واضحا على الفساد للمبالغ الطائلة التي أنفقت على بنائه.
عند وصول الجولة إلى نصب “نهضة النور” وهو برج شاهق الارتفاع بجادة باسيو دي لا ريفورما، تقول المرشدة باتريسيا دي اوبيسو جونزاليس للفوج الذي تصطحبه :”على يمينكم عمل معماري فريد من نوعه. هذا النصب كلف دافعي الضرائب مليار وثلاثمئة مليون بيزو (63 مليون دولار أو 60 مليون يورو بحسب سعر الصرف اليوم)”.
يدير الزائرون رؤوسهم نحو النصب التذكاري ليشاهدوا البرج الشاهق الذي يبلغ ارتفاعه 100 متر، والمقام عام 2010 بمناسبة المئوية الثانية لاستقلال المكسيك عن إسبانيا. “بدلا من إنشاء أربع مستشفيات جديدة، ليس لدينا سوى هذا البرج الخرساني، والذي لا يسهم حتى في تعزيز المشهد الجمالي الحضري”، تؤكد دي أوبيسو، موضحة أن النصب شيد بمبادرة من الرئيس السابق فيليبي كالديرون (2006-2012)، من خلال مناقصة عامة، إلا أن التكلفة بلغت خمسة أضعاف الموازنة المقررة حسبما ذكرت صحيفة الهدهد.
جدير بالذكر أن دي أوبيسو اقتبست فكرة “المفسد” من مبادرة مماثلة تنفذ في مقاطعة مونتيري، 900 كلم شمالي مكسيكوسيتي، وقد لاقت المبادرة قبولا واسعا، لدرجة أن جولات حافلة معالم الفساد محجوزة بالكامل حتى التاسع من نيسان/ أبريل المقبل، بحسب ما يوضحه جدول مواعيد موقع المبادرة على صفحة الانترنت. يشار إلى أن الحافلة تجري جولتين أسبوعيا خلال عطلة نهاية الأسبوع.
منظمة الشفافية الدولية
يوضح مؤشر مدركات الفساد بحسب منظمة الشفافية الدولية أن المكسيك احتلت في عام 2016 المرتبة الـ123 بين 176 دولة الأعلى في معدلات الفساد العالمية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تدهور ترتيب البلد اللاتيني مقارنة بالتقييم السابق، ولم يكن في ذلك أية مفاجأة بالنسبة للمكسيكيين، حيث توضح نتائج استطلاع رأي أجراه عام 2015 المعهد الوطني للإحصاء أن 60% من المواطنين يعتقدون انهم عانوا من فساد إداري خلال الإجراءات التي اضطروا للتعامل فيها مع جهات حكومية.
ربما يعرف الناس في جميع أنحاء العالم البيت الأبيض، بوصفه مقر الرئيس الأمريكي، أما في المكسيك فالبيت الأبيض هو معلم آخر من معالم الفساد في البلد اللاتيني على مسار جولة مبادرة التوعية حول الفساد، حيث تشير المصادر إلى أنه كان بؤرة تصارع مصالح داخل أروقة مؤسسة الرئاسة.
وكان هذا القصر قد تعاقدت أنجيليكا ريبيرا، زوجة الرئيس إنريكي بينيا نييتو مع شركة مقاولات حكومية على إنشائه، واضطرت للتخلص منه إثر انتشار نبأ الفضيحة. ولهذا عندما يحيط افراد فوج الجولة الاسترشادية بتفاصيل هذه الوقائع.
يشعر المرشدون الذين يصطحبونهم بأن مهمتهم قد حققت أهدافها، فيبدأوا بمخاطبة الجمهور من خلال الميكرفون قائلين “الفساد ليس مشكلة بيروقراطية فقط، بل يسقط ضحايا بالآلاف، ليس آخرهم المرضى الذين يموتون منا في المستشفيات”، يوضح أندريس توريس 25 عاما.
أما آخر محطات جولة الفساد فتمر بمبنى شبكة التليفزيون المكسيكي (تيليفيزا)، حيث تقول دي أوبيسو إنها محطة مهمة على مسار الجولة لفضح الصلات المشبوهة بين عالمي السياسة والإعلام.
وتشمل الجولة عشر محطات تعد رموزا حقيقية للفساد في البلد اللاتيني. وتواجه المبادرة مصاعب كبيرة نتيجة لنقص التمويل، وما لم تحصل على الدعم المطلوب فسوف يتوقف نشاطها تماما خلال ثلاثة شهور على أقصى تقدير.
في بيان للمبادرة على موقعها يقول مؤسسوها “هذه مساهمتنا الصغيرة، وهي لا تزيد عن كونها قطرة في بحر، ولهذا ندعو الجماهير للتحرك بقوة أكبر لتحمل مسؤولياتها في مواجهة الفساد”.