لندن …. لا تزال الحملة العسكرية في العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية، والمعروف أكثر باسم تنظيم داعش، جارية. لكن الآثاريين في الأجزاء التي استعادتها الحكومة العراقية من التنظيم، قد بدأوا بالفعل العمل على تقييم الضرر الذي تسببت فيه الجماعة المتطرفة لمواقع قديمة وهامة.
يتدارس باحثون عراقيون ودوليون أمر وضع جدول أعمال حول مستقبل العمل الآثري في أجزاء العراق التي سيطر عليها تنظيم داعش، والذي أقدم عمداً على تدمير بقايا الآثار غير الإسلامية.
في وقتٍ سابق من هذا الشهر، بدأ فريق من مجلس الدولة للآثار والتراث في العراق العمل على إعداد تقرير يضم تقييماً شاملاً للأضرار في موقع النمرود، وهي مدينة آشورية قديمة. يقع الموقع على بعد 30 كيلومتراً جنوب الموصل، حيث لا يزال القتال ضد تنظيم داعش مستمراً.
بعد الاستيلاء على موقع النمرود في تموز/ يوليو 2014، استخدم تنظيم داعش الجرافات لتدمير المباني وقام أفراده بتحطيم المنحوتات التصويرية، لاسيما تلك التي تحمل نقوشاً حجرية بارزة وتمثال اللاماسو، وهو تمثال ضخم لثور مجنح برأس ملك والذي كان يقف عند أبواب القصر.
بدأ المتحف البريطاني في لندن بتدريب مجموعة من علماء الآثار العراقيين على إدارة التراث في حالات الطوارئ في أوائل آذار/ مارس، وبتمويل من الحكومة البريطانية قدره 2.9 مليون جنيه إسترليني (حوالي 3.6 مليون دولار أميركي). بدأ البرنامج بتدريب الآثريين على أحدث التقنيات لتوثيق المواقع المتضررة وإعادة الأمور لطبيعتها بها. (يستمر البرنامج لمدة خمسة أعوام بعد أن بدأ في العام الماضي). سيتم تدريب المجموعة الجديدة من الأثريين العراقيين في كل من المتحف البريطاني وأيضاً المواقع الأثرية في العراق، كموقعي تللو في جنوب العراق ودربند رانية في إقليم كردستان العراق.
في باريس، عقدت منظمة اليونسكو مؤتمراً دولياً في شباط/ فبراير حول حماية التراث الثقافي في المناطق العراقية المحررة، وجاء في البيان الختامي للمؤتمر أن الرد على الدمار يجب أن يكون من خلال تعاون دولي للدفاع عن التراث الثقافي العراقي. وعلى المدى القصير، نصح التقرير بوجوب وضع حراسة تحمي المواقع الأثرية.
يرى روجر ماثيوز، أستاذ علم الآثار في جامعة ريدنج بالمملكة المتحدة ورئيس شركة رشيد إنترناشيونال، التي توفر الخبرات الأثرية في العراق، بأن اللحظة الراهنة تمثل فرصة لإحياء علم الآثار في العراق بعد سنوات من الحرب وأعقاب فترة الحصار الاقتصادي التي سبقتها.
قال، “لم يفلح علماء الآثار العراقيون في مواكبة التقنيات الحديثة، لقد فاتتهم التطورات التي حدثت خلال العشرين أو الثلاثين عاماً الماضية.”
يقول ماثيوز إن السياسة الوطنية لعلم الآثار في العراق يجب أن تشمل تشجيع السياحة الأثرية لتمكين السكان المحليين من الاستفادة اقتصادياً من تراثهم الثقافي.
تقود العمل في موقع النمرود الآن الآثرية ليلى صالح، المديرة السابقة لمتحف الموصل (ثاني أكبر متاحف العراق، والذي ألحق به تنظيم داعش أضراراً بالغة وقام بنهبه). قالت صالح إن أولوياتها المباشرة تتمثل في تأمين سياج لحماية الموقع من اللصوص، بعدها سيجري تقييم الأضرار ووضع رؤية لإعادة ترميم ما يُمكن ترميمه. قالت “يجب أن نعيد بناء أكبر قدر ممكن من الموقع.” وقدرت أن انجاز هذه المهمة قد يستغرق عشر سنوات.
قبل أن تبدأ العمل في النمرود، عملت صالح مع زميلها فيصل جابر على إعداد تقرير عن تدمير تنظيم داعش للمواقع المسيحية القديمة في محافظة نينوى. قالت صالح إن العمل الآثري في العراق، في المستقبل القريب، يحتاج إلى دعم من الشركاء الأجانب، في الآثناء التي تنشغل فيها الحكومة العراقية بالتعامل مع الأولويات الإنسانية العاجلة.
قام علماء الآثار بإجراء مسح لموقع جامع النبي يونس، في الجزء الشرقي من الموصل، الذي استعادت الحكومة العراقية للسيطرة عليه، وهو ضريح إسلامي شعبي بُني على موقع قصر الملك الآشوري أسرحدون، دمّر تنظيم داعش الضريح وحفر أنفاقاً تحت الموقع. وبقيامهم بذلك، تم اكتشاف بقايا آشورية غير معروفة سابقاً تعود لعهد الملك أسرحدون. حُفرت الأنفاق بدائية، رغم ذلك لا تؤيد ليلى صالح إغلاقها، قالت “قد تكون هناك قطع أثرية مذهلة في الداخل” بحسب الفنار.