تمتاز الكهوف العمانية بأهمية سياحية فائقة لأنها تكمن في كونها برنامجا دائما لمحبي المغامرات والإثارة الرياضية غير التقليدية، وتتجلى القيمة الجمالية للكهوف بما فيها من عذرية طبيعية مازالت بكرا لم تدخل عليها يد العصرنة، وتقدر أعمار بعض الكهوف بأكثر من 25 ألف سنة ما يفتح المجال لاكتشاف أفضل المناطق الجيولوجية في العالم.
مسقط – العرب …… بين مستوطنة الخفافيش “بكهف صحور” بمحافظة ظفار والفتحات الثلاث والظلال المتحركة “بكهف مجلس الجن” بولاية قريات والبلورات والتشكيلات الصخرية الفريدة لـ”كهف الكتان” بولاية عبري بمحافظة الظاهرة تسعى سلطنة عمان إلى الاستفادة من تلك الكهوف وطبيعتها ومعالمها الجيولوجية لتكون قبلة للمهتمين بعالم الجيولوجيا والسياحة الطبيعية والباحثين عن المغامرة والإثارة والترفيه.
وتقوم وزارة السياحة حاليا في إطار جهودها لاستغلال الإمكانات والموارد السياحية العديدة والمتنوعة في مختلف محافظات السلطنة من أجل الدفع بتنمية وتطوير السياحة في كل محافظة بتطوير واستثمار تلك الكهوف المنتشرة في مناطق عديدة من البلاد وإجراء الدراسات المستفيضة لتأهيلها وتطويرها واستقطاب الخبرات من مختلف دول العالم للإدلاء بدلوها في هذا القطاع السياحي الواعد.
وقد وضع البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي تنفيذ 15 مبادرة سياحية لتعزيز قطاع السياحة في السلطنة من بينها أنشطة الطبيعة والمغامرة والتي تشمل تشجيع الاستثمار الخاص في المواقع الطبيعية وتطوير الأنشطة الطبيعية وأنشطة التحدي والمغامرة حيث تتميز السلطنة بالطبيعة الخلابة المتنوعة وبتضاريسها المتفردة التي تمكّنها من استيعاب العديد من تلك الأنشطة من خلال فتح المجال للاستثمار الخاص لإدارة مثل تلك المواقع الطبيعية وتهيئتها.
وقال داود بن سليمان الراشدي المكلف بأعمال مدير دائرة تطوير المنتج السياحي بوزارة السياحة إن الوزارة بعد النجاح الذي حققته في تأهيل وتطوير “كهف الهوته” بولاية الحمراء بمحافظة الداخلية تسعى إلى تطوير واستثمار ثلاثة كهوف أخرى ودراسة كهف آخر اكتشف حديثا بالجبل الأخضر لتنويع المنتج السياحي والاستفادة من المكونات الفريدة لتلك الكهوف واستغلالها لتعزيز القطاع السياحي وتنميته وتشجيع الاستثمار.
وأضاف أن الوزارة طرحت في التاسع من أبريل أمام الشركات منافسة للحصول على أفضل رؤية وتصور للتطوير والاستثمار السياحي “لكهف الكتان” بمحافظة الظاهرة تنتهي خلال أربعة أشهر، حيث يبلغ طول الكهف 1013 مترا وارتفاعه 35 مترا ومدخله عبارة عن فتحة دائرية، وتقع على الجدار الغربي من الوادي.
وذكر أن الوزارة طرحت في فبراير الماضي مناقصة أمام الشركات والمؤسسات والمستثمرين الأفراد (سواء المحلية أو الدولية) ذات الإمكانيات والقدرات الفنية للتقدم بمقترحاتها وتصوراتها لتطوير “كهف مجلس الجن” بولاية قريات والمنطقة المحيطة به على أن يتم تقديم العروض خلال ستة أشهر، مؤكدا أن الأعمال الاستشارية للتصميم “لكهف صحور” بمحافظة ظفار ستنتهي خلال شهر مايو القادم، وتتضمن مجموعة من المكونات السياحية من بينها مركز للمعلومات ومعرض بيئي وثقافي.
كهوف ساحرة
تسعى وزارة السياحة بحسب إعلان المنافسة لأفضل فكرة وتصور ورؤية لتطوير واستثمار “كهف مجلس الجن” إلى تطوير الكهف والمساحة المحيطة به على مساحة تبلغ 2 مليون متر مربع، ويتكون الكهف من غرفة بيضاوية ضخمة على عمق 40 مترا من سطح الهضبة وتبلغ المسافة من الأرض إلى سقف الغرفة نحو 180 مترا وطولها 340 مترا وعرضها 250 مترا ويزيد حجم الغرفة على 4 ملايين متر مكعب وتعتبر إحدى أكبر الغرف الكهفية في العالم ولتكويناتها الكارستية أهمية عالمية، وتوجد ثلاثة مداخل عمودية للكهف على سطح الهضبة ذات التضاريس السطحية المموجة وتدعى محليا (خوشيلات مقندلي، خوشيلات منقود، خوشيلات بين الحيول)، تمتد هذه الفتحات إلى عمق 40 مترا وتتصل مباشرة مع سقف الغرفة الكهفية.
ويقع الكهف تحديدا على “هضبة سلماه” التي تبعد حوالي 12 كيلومترا من “قرية فنس” التابعة لولاية قريات، وتقع هضبة سلماه في منطقة جبال بني جابر في سلسلة جبال الحجر الشرقي وتتميز بمساحتها التي تصل إلى 30 كيلومترا مربعا وبسمات جيولوجية رائعة من طبقات الحجر الجيري المرتفعة عن مستوى سطح البحر وتنخفض درجة الحرارة فيها إلى ما يقارب 10 درجات عن المناطق المنخفضة المحيطة بالجبل مما يساعد على قيام أنشطة سياحية طوال العام.
يعد كهف طيق في محافظة ظفار من أكبر الكهوف المكتشفة على مستوى العالم حيث يعد أكبر بـ75 مرة من كهف مجلس الجن في شمال السلطنة، وأكبر بنحو 57 مرة من كهف سيرواك في ماليزيا، الذي يعتبر أكبر كهف في العالم قبل اكتشاف كهف طيق.
وقد أتاح هذا الكشف التعرف على الكهف ما يساعد في زيادة الدراسات الجيولوجية، ويرجع الجهد الذي كان الفضل فيه للسكان المحليين الذين أرشدوا فريق المغامرين السلوفانيين في عام 1997 إلى موقع الكهف. وتكون هذا الكهف في صخور الحجر الجيري الفني بمستحثات المرجان والحيوانات الصدفية والرخويات ومتحجرات المستحثات المجهرية.
ومدخل الكهف يمتد على مساحة (40 مترا طولا و45 مترا عرضا) به نفق ارتفاعه نصف متر يؤدي إلى غرفة جوفية يرتفع سقفها إلى 5 أمتار. وللكهف مدخل منبسط وبه قناة عرضها متر واحد تمتد إلى نحو 30 مترا وتنتهي في غرفة جوفية، وتسكن هذا الكهف المئات من الخفافيش، وهي أساسية للتوازن البيئي في المنطقة.
ولزيارة هذا الكهف ينصح باصطحاب مرافق من سكان المنطقة وعدم البقاء فيه لأكثر من 30 دقيقة لأن الهواء لا يصله بالكميات الكافية. كما أن نسبة الرطوبة به عالية وروائح الخفافيش قد تكون مضرة بالصحة.
ويقع “كهف الكتان” في أحد الأودية الصخرية في الجزء الشمالي الغربي “لجبل الصخبري” بقرية العراقي على بعد 8 كيلومترات شمال ولاية عبري بمحافظة الظاهرة، وينفرد الكهف بلمعانه الشديد الذي يشبه الرخام وقد أطلق عليه “الكهف الرخامي”، كما يتميز بتكوينات جيولوجية جميلة، ونقوش صخرية، وتقدم المنطقة المحيطة به فرصة مميزة لممارسة أنشطة المغامرات الجبلية كجولة سيارات الدفع الرباعي واستكشاف الكهوف والمشي في الجبال وركوب الدراجات على الكثبان الرملية والتخييم ورحلات السفاري الصحراوية والسياحة البيئية والزراعية ومراقبة الطيور.
ويعد “كهف صحور” من أهم الكهوف التي تعتبر مستوطنة للخفافيش المختلفة ويقع ضمن تكوين أم الرضومة الجيولوجي بمحافظة ظفار وهذه الصخور الرسوبية المكونة من الحجر الجيري قد تكونت قبل ما يقارب 54 مليون سنة. ويعتبر هذا الكهف من الكهوف المتحجرة إذ أنه غير نشط في تكوين الصواعد والهوابط في وقتنا الحاضر، وقد انتهت وزارة السياحة من تنفيذ دراسات الخصائص الطبيعية والعلمية والجدوى الاقتصادية لتطويره في المستقبل.
الجدير بالذكر أن الكهوف تتنوع وتنتشر جغرافيا في الجبال من شمال السلطنة إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها لتحفز السائحين إلى اكتشاف الجيولوجيا الفريدة حيث يمنح التجوال في الجبال فرصة فريدة للسائحين للتمتع بمفردات الطبيعة الجيولوجية وسبر أغوار تلك الجبال بالغوص في أعماقها لاستكشاف الكهوف، حيث يوجد العديد منها ومن بينها كهفا “الهوته و”جرنان” بمحافظة الداخلية وكهفا “طيق” و”المرنيف” بمحافظة ظفار وكهف “أبوهبان” بولاية دماء والطائيين بمحافظة شمال الشرقية.
مقومات سياحية متنوعة
قال اندرو لورنس المستشار بوزارة السياحة إن السلطنة لديها العديد من المقومات السياحية والثقافية والتراثية التي يمكن استغلالها كعناصر جذب للعديد من السياح حول العالم، كما تتميز بطبيعتها الفريدة الزاخرة بالعديد من المحميات والكهوف الطبيعية والكثبان الرملية وسلاسل الجبال والجزر والعيون المائية التي ينبغي استغلالها لتسويق وتعزيز مكانة السلطنة سياحيا موضحا أن وزارة السياحة تبذل جهودا متواصلة وحثيثة للاستفادة من الكهوف الطبيعية التي تمثل قيمة سياحية مهمة.
وأشار إلى أن المناطق المحيطة بالكهوف تمثل بيئة سياحية جاذبة وتضم مفردات تسعى الوزارة إلى توظيفها لخدمة قطاع السياحة، موضحا أن ارتفاع “جبال بني جابر” التي تصل إلى ما يقارب 2000 متر فوق مستوى سطح البحر تتيح فرصة مميزة لممارسة أنشطة المغامرات الجبلية كجولة سيارات الدفع الرباعي واستكشاف الكهوف والمسير على الجبال وركوب الدراجات الجبلية والتسلق الآمن بالحبال والتخييم والقفز الحر بالمظلات من أعالي المرتفعات الجبلية.
كما تقدم المنطقة الساحلية المحيطة بالجبال فرصة فريدة من نوعها لممارسة أنشطة المغامرات الشاطئية كالسباحة وركوب القوارب الشراعية وصيد الأسماك والتخييم بالإضافة إلى أنشطة المغامرات البرية كاستكشاف الأودية “كوادي شاب” و”طيوي” وبالإضافة إلى أنشطة المغامرات فإن المنطقة غنية بملامح تراثية وثقافية منها مواقع أثرية في “قلهات” وقرية “الجيلة” وفلجها الشهير على الطرف الغربي من هضبة سلماه.