Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

الحديدة اليمنية .. السلام والوجع

الحديدة اليمنية .. السلام والوجع

 

تقرير: ماجد التميمي                                   

 

 

لم يستثن العدوان – في همجيته – شيء في هذا الوطن، ثمة إفراط عبثي في استخدامه لآلة الحرب والدمار، وحده الإنسان اليمني لا يزال – لاكثر من عامين – يراقب هذا السلوك الوحشي بصمت واعتزاز، وفي تقديره  أن مثل هذا السلوك العدواني لا يصدر عن خصم شريف بقدر ما يخفي وراءه اندفاعا مجنونا من قوى تمسك السلاح بأيدي مرتعشة ونفوس أثقلها الخوف والحقد.      

 

 

لطالما كانت الحديدة منطقة جغرافية متميزة جذبت الكثير من القوى الأجنبيه التي سعت لاحتلالها واتخاذها مركزا عسكريا للسيطرة على الطريق البحري ومحاولة التحكم في المسار الملاحي والتجاري بالبحر الأحمر، كان آخرها بالطبع الاحتلال البريطاني الذي احتفظ بجزيرة كمران التابعة لمحافظة الحديدة والجزر المنتشرة على الصفحة المحيطية للبحر الأحمر على الرغم من أن وجوده كان مقتصرا على الشطر الجنوبي للوطن، ولم يكن ذلك عملا اعتباطيا بقدر ما كان رؤية عسكرية لها أهدافها الاستراتيجية.

 

 

العثمانيون أيضا، وخلال حقبة مديدة من التاريخ بسطوا نفوذهم على كل مناطق السهل التهامي وشيدوا الكثير من القلاع التي لا تزال ماثلة حتى اليوم، وقد حقق لهم ذلك الأمر الكثير من النفوذ والهيمنة على الطريق البحري ما شكل نقطة قوة أبقت عليهم ردحا من الزمن، لكن الطبيعة الرافضة للعدوان التي اكتسبها الإنسان اليمني منذ وقت مبكر قد جعلت تلك القوى تتجرع الكثير من الهزائم رغم فارق  التسلح آنذاك، وهو ما جعلها، في النهاية، تستسلم لإرادة المقاوم اليمني وترحل دون عودة.

 

 

الحديدة، ومن حيث كونها البوابة التجارية لليمن، ظلت محل اهتمام وتقدير دولي، علاوة على ما تمثله من أهمية استراتيجية بالنسبة للداخل اليمني، إذ تشكل ما نسبته 65% من الحركة التجارية للوطن، ساهم في ذلك موقعها الجغرافي بالنسبة لباقي محافظات الوطن، وربما هذا السبب هو ما جعل الكثير من قوى الغزو في الماضي تسعى للسيطرة على هذه المحافظة، كما هو الحال الآن إذ تطمع قوى العدوان بقيادة السعودية بالاستيلاء عليها، في محاولة جاهدة لخنق البلد اقتصاديا، خاصة وأن هذه القوى قد تمكنت من خلق نفوذ لها في المنافذ البحرية الأخرى كميناء عدن والمكلا، وقد عطل وجودهم المباشر في هذين المنفذين حركة التجارة وأصبحت الحديدة، تبعا لذلك، البوابة التجارية الوحيدة التي تصل اليمن بالعالم.

 

 

رغم ذلك فإن هذا الباب لم يسلم من الاستهداف هو الآخر، فالحركة التجارية الوافدة عبر ميناء الحديدة تخضع لرقابة مشددة وإجراءات عسكرية فرضها تحالف العدوان حتى صارت شبه مشلولة، ولم يكن هذا التصرف العدواني إلا جزءا من سلوك عسكري اتسم بالهمجية، لاسيما أن قواعد الاشتباك العسكري المتعارف عليه دوليا تجرم مثل هذه التصرفات اللاإنسانية.

 

 

تشير الدراسات الاجتماعية والإنسانية أن سكان المناطق الساحلية يتمتعون بالحس السلمي, وكثيرا ما تجدهم ميالين إلى السلام والعيش البسيط، يتجلى ذلك التقدير في سكان السهل التهامي الذي تشكل الحديدة النسبة الأكبر منهم، كما أن مؤشرات الفقر، كانت وما زالت، مرتفعة بشكل ملحوظ ما يجعل استهدافهم – كاستثناء إنساني – واستهداف مناطقهم من أكثر التصرفات العسكرية فضاضة ووحشية، ولعل العالم قد شاهد الكثير من المآسي التي لحقت بالصيادين جراء استهدافهم في عرض البحر ناهيك عن استهداف الأماكن المكتظة بالسكان كما حدث لحي الهنود وسط المدينة، إذ صنف الكثير من المتابعين والمراقبين تلك المجزرة كواحدة من جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها العدوان السعودي، تعرض المحافظة للحصار والدمار قد تسبب في انتشار المجاعة في بعض مديرياتها مؤخرا مما ينذر بكارثة إنسانية مروعة.

 

 

تدمير المنشآت السياحية

 

تمثل الحديدة، وفقا للتصنيف السياحي، موقعا متميزا في خارطة السياحة اليمنية، لكنها مثل غيرها من محافظات الجمهورية تم استهدافها بشكل هستيري ولم يستثن منها شيء، العدوان سعى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تعطيل الحياة في المحافظة وتحويلها إلى مساحة جغرافية جامدة لا نشاط فيها، وكان من الطبيعي جدا أن تحتل الحديدة مساحة من الاهتمام المتزايد على المستوى المحلي، في هذا الظرف الاستثنائي نظرا لنشاطها التجاري وموقعها الجغرافي الواقع خارج مسرح  العمليات العسكرية التي عصفت بالكثير من المحافظات، ولكنها رغم ذلك رزحت تحت ثقل العمليات العسكرية للعدوان الذي بالغ في استهداف منشآتها ومواقعها بما في ذلك المنشآت السياحية والمواقع التاريخية والأثرية.

 

 

ذلك النشاط العسكري المحموم الذي أبدته قوى العدوان تجاه الحديدة كان له الأثر الكبير في توقف عجلة الحياة فيها بشكل شبه تام وإعاقة المسار التنموي فيها، حتى أن قطاعا كالسياحة بات يفقد بشكل مباشر أو غير مباشر كل أسباب بقائه ويتحول إلى قطاع عدمي، وكانت الحديدة قبل هذا العدوان، من أكثر المحافظات زخما وأكثرها حضورا في المشهد السياحي.

 

 

الضرر الكبير الذي مُني به هذا القطاع جعل حينها القائم بأعمال وزير السياحة الدكتور عصام السنيني يقوم بزيارة إلى المحافظة للاطلاع عن قرب على مجمل الأضرار التي تكبدها القطاع السياحي ومعرفة النتائج التي ترتبت على ذلك، السنيني وخلال لقائه كل القيادات المعنية ناقش مجمل الوسائل التي قد تحقق تجاوزا نسبيا لتلك الأضرار بما يضمن استمرارية العمل السياحي وعدم استسلامه للركود.

 

 

تقريرا متكاملا تلقاه القائم بالأعمال آنذاك، غير أن الطريق لمعالجة ما جاء فيه لا يزال صعبا وشاقا نظرا لاستمرار العدوان وإمعانه المستمر في استهداف المنشآت السياحية والمواقع التاريخية التي تزخر به المحافظة، وهو ما يدركه قادة العمل السياحي بالمحافظة بالإضافة السلطة المحلية فيها، على أن القائم بالأعمال كان أكثر تفاؤلا بالمستقبل من خلال إشاراته المتكررة إلى أن الوطن وإن ظهر أنه يمضي في دروب مظلمة إلا أنه  بكل تأكيد، سيخرج إلى النور وتعود الحياة إليه بصورة أكثر إعتزازا وكرامة.

 

 

وبحسب تقرير لجنة رصد الأضرار على القطاع السياحي بوزارة السياحة ومجلس الترويج السياحي التي شُكلت في وقت سابق، واستنادا إلى تقارير رصد انتهاكات العدوان التي يقوم بها المركز القانوني للحقوق والتنمية، فإن أكثر من 16 فندقا في الحديدة قد تضرروا بشكل مباشر وغير مباشر جراء الغارات أو الركود الذي أصاب المدينة إضافة إلى ما تسبب بة انقطاع للكهرباء بشكل تام والذي كان نتاج لما تسبب به الحصار الذي فرضته دول التحالف العربي بقيادة السعودية بالإضافة إلى انعدام مادة المازوت التي تعتمد عليها المحطة الكهربائية في رأس كثيب كوقود للطاقه، الأمر الذي أصاب القطاع الفندقي بشلل شبة تام أدى إلى تسريح المئات من الأيادي العاملة.

 

 

مؤخرا استهدف العدوان السعودي، بعدة غارات، فندق ومنتزه جمعان السياحي في الخوخة بالإضافة إلى بعض المواقع التي تزخر بها هذه المدينة السياحية، ويبدو من الطبيعي القول أن استهداف مثل هذه المواقع يعكس طريقة التفكير المريض لعقول أصابها العطب بحيث لا تفرق بين هدف عسكري ومنشأه سياحية مدنية.

 

 

تساءل نائب المدير التنفيذي لمجلس الترويج السياحي الأستاذ أحمد البيل عن دواعي استهداف العدوان لهذه الأماكن, مؤكدا بأن العدوان  السعودي الغاشم لم يترك شيئا في اليمن إلا استهدفه، وتجاوز العدوان كل المواثيق الدولية والأعراف  من خلال تدمير البنى التحتية للمنشآت السياحية, وكأن التدمير الاقتصادي بعد انقطاع الحركة السياحية لم يكفها، ويتابع: لا شك أن ما يحدث هو استهداف ممنهج إن لم يكن حصارا اقتصاديا مكتمل الأوجه فالعدوان استهدف مؤخرا منتجع جمعان السياحي في الخوخة, فهل يعتبر هذا الفعل عملا عسكريا بطوليا أم انه تصرف هزيل وجبان, ودعا البيل منظمة السياحة العالمية إلى التنديد بهذه الجرائم كأقل واجب تقوم به حيال هذا التصرف الشيطاني، خصوصا أن ذلك وفق تعبيره يبدو محاولة رخيصة لتدمير الحضارات القديمة وطمس آثارها, واليمن تعد أحد أهم وأقدم تلك الحضارات، وفي الأخير أعرب عن أمله أن تتدخل المنظمة لإيقاف هذا العدوان حفاظا على تاريخ اليمن وهويته الأصلية.

 

زاوية تاريخية

 

 

المحطة التي كان المسافرون يستريحون فيها  – ضمن خطوط سير متصلة تنتهي إلى أصقاع بعيدة-  تدرجت لتتحول إلى قرية صغيرة من قرى الصيد، ثم ما لبثت أن تحولت إلى محطة لإرشاد السفن، هذا التحول الحضري المستمر جعلها تنمو وتتسع لتتخذ شكل البلدات الكبيرة والمنتظمة، كان ذلك خلال الفترة ما بين أواخر القرن الثامن الهجري وأوائل القرن التاسع الهجري.

 

 

تطورت هذه البلدة لتصبح مدينة تجارية عامرة، وبحسب الكثير من المصادر فإن تسمية الحديدة قد اقتبس من اسم لعجوز كان لها نشاط تجاري يتمثل في استراحة للراحة والمبيت، تلك العجوز أحسنت تقديم الخدمة لزوارها فأصبحت تمثل روح المكان، شيئا فشيئا اعتاد الجميع عليها لتتبلور في أذهانهم فكرة الجغرافيا والتسمية المكانية لتبرز الحديدة كبلدة ومدينة.

 

 

شكل البحر دافعا رئيسيا لأن تتحول المدينة إلى نافذة بحرية للعالم، لكن ذلك الطموح لم يتبلور إلى حقيقة إلا في العام 1906م حين وضعت الخطط لإنشاء الميناء واستقبال السفن الكبيرة، العثمانيون عززوا من هذا الطموح بإضفاء بعض التطويرات بعد  أن استعانوا بخبرات فرنسية.

 

 

وبطبيعة الحال فإن وقوع المحطة في براثن الاستعمار لعقود طويلة قد أفرز واقعا تاريخيا وحضاريا ظهرت ملامحه فيما بعد، فالكثير من القلاع التاريخية والأثرية تمثل شاهدا حيا على المسارات التاريخية التي عاشتها المحافظة على امتدادها الجغرافي.

 

 

هذا الثراء التاريخي لم يشفع للمدينة في وقتنا الحاضر إذ اعتبرته قوى العدوان هدفا عسكريا مشروعا راحت من خلاله تكثف من ضرباتها الجوية والبحرية وتحول تلك المواقع إلى خرائب وأطلال، ولم يتسن حتى الآن رصد كل تلك الأضرار غير أننا ندرك حجم الكارثة التي حلت بكل ما هو تاريخي وأثري .

 

 

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله