كتب: د. عبد الرحيم ريحان
يقول الله تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: آية 39-40].
شهد التاريخ الإسلامي أن أغلب الغزوات والمعارك التي خاضها المسلمون في شهر رمضان كانت تكلل بالنصر، ومن هنا حرص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على خوض بعض الغزوات في الشهر الفضيل، تقربًا إلى الله تعالى وإرشادًا للمسلمين إلى سبيل الاستعداد لاحتمال الشدائد، من مجاهدة للنفس ومجاهدة للأعداء.
ومن هذا المنطلق نستعرض مع الدكتور عمرو الشحات مدير شئون المناطق الأثرية بوجه بحرى وسيناء تلك الفتوحات والانتصارات فى ذلك الشهر الكريم، وهى عددًا من المعارك التي خاضها المسلمون في شهر رمضان على مدار التاريخ الإسلامي منذ العصر النبوي الكريم إلى يومنا هذا وتبدأ بأهم حدث فى حياه المسلمين فى عهد رسول الله (ص)…
غزوة بدر
يوضح د. عمرو الشحات أن البداية كانت غزوه بدر التى وقعت فى السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة بين المسلمين بقيادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وقريش ومن حالفها من العرب بقيادة عمرو بن هشام المخزومي القرشي “أبي جهل” وتُعد هذه الغزوةُ أولَ معركةٍ فاصلة في تاريخ الإسلام ،وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التي وقعت المعركة فيها ، وبدر بئرٌ مشهورةٌ تقع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة إلى ان قامت قريش بانتهاك الهدنةَ التي كانت بينها وبين المسلمين وذلك بإعانتها لحلفائها من بني الدئل بن بكرٍ في الإغارة على قبيلة خزاعة من حلفاء المسلمين، فنقضت بذلك صلح الحديبية.
وكان ذلك سببًا فى غزوه الفتح الأعظم (فتح مكة) وهى غزوة وقعت في العشرين من رمضان في العام الثامن من الهجرة ،حيث استطاع المسلمون من خلالها فتحَ مدينة مكة وضمَّها حيث جَهَّزَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جيشًا قوامه عشرة آلاف مقاتل لفتح مكة، فتحرَّك الجيشُ حتى وصل مكة ودخلها سالمًا بدون قتال.. إلا ما كان من جهة خالد بن الوليد رضي الله عنه إذ حاول بعضُ رجال قريش بقيادة عكرمة بن أبي جهل التصديَ للمسلمين فقاتلهم خالدٌ وقَتَلَ منهم اثني عشر رجلًا، وفرَّ الباقون منهم.
فتح بلاد النوبة
يشير د. عمرو الشحات إلى فتح يعد من أعظم الفتوحات الإسلامية تم فى الشهر الكريم وهو فتح بلاد النوبة سنه 31 هـ، وكانت بقيادة عبدالله بن أبي السرح لنشر الاسلام في بلاد النوبة ولتأمين حدود مصر الجنوبية.. فوجهت الحملة بمقاومة عنيفة لم تستطع التوغل جنوبًا وبعد قتال عنيف تم عقد معاهدة حسن الجوار عرفت باسم معاهدة البقط) ،ظلت هذه المعاهدة أساس التعامل لمدة ستة قرون دخلت معها القبائل العربية المسلمة ،وتمازجت مع القبائل النوبية حتى دخل الناس الاسلام.
عين جالوت
يوضح د. عمرو الشحات أن عين جالوت تعد إحدى أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي وجرت يوم 25 رمضان 658 هـ/ 3 سبتمبر 1260 إذ استطاع جيش المماليك بقيادة سيف الدين قطز إلحاق أول هزيمة قاسية بجيش المغول بقيادة كتبغا، وعندها وقعت المعركة الحاسمة ،وانتصر المسلمون انتصارًا عظيمًا وأُبيد جيش المغول بأكمله.
فتوحات الأندلس والبرتغال وجنوب فرنسا
كان الفتح الاسلامى في فرنسا سنة 102هـ شهر الانتصارات شهر رمضان، فبعد أن استقر المسلمون في الأندلس بدأت غزواتهم تتجه نحو الشمال .. فيما وراء جبال البرانس الفاصلة بين الأندلس وفرنسا ، وتولى قيادة الجيوش الإسلامية آنذاك عددًا من القادة المسلمين الذين تفرغوا للجهاد في سبيل الله ،فمات أكثرهم في ساحات القتال رحمهم الله.. وبدأت الفتوح في تلك المناطق في عهد عبد العزيز بن موسى بن نصير الذي تولى الأندلس بعد رحيل والده.
معركة ملاذ كرد
وقد وقعت معركة ملاذ كرد أو مناز جرد وهى بلدة حصينة من بلاد آسيا على فرع نهر مرادس في رمضان سنة 463هـ بين المسلمين ممثلين في دولة السلاجقة وبين الإمبراطورية الرومية، في قسمها الشرقي.
وامتتدت الفتوحات أيضًا إلى أن وصلت إلى الغرب وما عرف بفتح الأندلس وهي عباره عن حملة عسكرية بدأت عام 92 هـ/ 711م على مملكة القوط الغربيين إسبانيا التي حكمت شبه جزيرة أيبيريا، بجيش معظمه من الأمازيغ بقيادة طارق بن زياد، الذي نزل عام 711م في المنطقة التي تعرف الآن بجبل طارق.. ثم توجّه شمالًا حيث هزم الملك رودريك هزيمة ساحقة في معركة وادي لكة.
واستمرت حتى عام 107 هـ/ 726م واستولت على مناطق واسعة من إسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا.
معركة” بواتييه”
كما وقعت معركة “تور” أو معركة” بواتييه” وهي معركة دارت في رمضان 114 هـ/ أكتوبر 732م في موقع يقع بين مدينتي بواتييه وتور الفرنسيتين، وكانت بين جيش المسلمين بقيادة والي الأندلس عبد الرحمن الغافقي من جهة، وقوات الفرنجة بقيادة شارل مارتل من جهة أخرى.
فتح أرمينيا ورودس
ويؤكد الدكتور عمرو الشحات أن فتح أرمينيا الصغرى كان نصرًا عظيمًا حققه المسلمون في شهر رمضان سنة 673هـ، وأما مكان هذا النصر فهو الجنوب الشرقي من آسيا الصغرى بين جبال طوروس ،والبحر المتوسط بلاد الغرب.
جزيرة رودس تقع في اليونان وتعرف تاريخيًّا بكونها موقع وجود أبولو رودس سابقًا ،وهو إحدى عجائب الدنيا السبع افتتحها المسلمون وعليهم جنادة بن أبي أمية ، وأقام بها طائفة من المسلمين .
ومن دوافع فتح رودس إن معاوية بن أبي سفيان اتجه إلى إسقاط العاصمة البيزنطية القسطنطينية ،فأعد لذلك عدة هائلة لتحقيق هذا الأمل ،وكانت هذه العدة تشمل ثلاثمائة مركب ثقيلة عليها أسلحة ،وكل مركب تحمل ألف رجل وتشمل خمسمائة مركب خفيفة تحمل كل منها مائة جندي، وحرص معاوية على أن يسيطر على جزر البحر المتوسط لتأمين أسطوله الزاحف للقسطنطينية.
جزيرة قبرص
ولم يكن المسلمون قد احتلوا حتى عهد معاوية غير جزيرة قبرص، فاتجه معاوية لاحتلال جزر أخرى حتى يضمن الأمان لأسطوله وتكون هذه الجزر محطات تموين للأسطول، وكانت رودس جزيرة شديدة الأهمية للمسلمين إذ تقع قرب ساحل آسيا الصغرى ،وكان الروم يغيرون منها على مراكب المسلمين ومدنهم الساحلية.. ولهذا بدأ بها المسلمون وفتحا الله عليهم في رمضان عام 53هـ وأسرع معاوية فأنزل بها أسرًا إسلامية ورتب لهم العطاء وأصبحت جزيرة رودس قاعدة مهمة للبحرية فكانت مركز اطمئنان لقوات المسلمين.
فتح عمورية وإنطاكيا
كان أيضًا فتح عمورية في السادس من شهر رمضان سنة 223 هـ، بعد أن جهز المعتصم جيشًا لحرب الروم استجابة لصرخة إحدى النساء المسلمات وامعتصماه، وكان من بعض أسبابها وجود فرقةٍ ضالةٍ تُؤمن بالحلول وتناسخ الأرواح، وتدعو إلى الإباحية الجنسية حيث حاصر عمورية وأمر بهدمها ، أمّا فتح أنطاكية فكان في الرابع عشر من شهر رمضان سنة 666 هـ على يد الظاهر بيبرس حيث حاصرها في مستهل رمضان وفتحها يوم السبت 14من شهر رمضان.
موقعة حارم
وكانت موقعة حارم أو معركة حارم 559هـ أحد انتصارات شهر رمضان المبارك والتي وقعت بين جيش نور الدين محمود، وجيوش الفرنج، وفي السادس والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 927 هـ تم فتح مدينة بلغراد حيث قام السلطان سليمان القانوني بمحاصرة بلغراد انتقامًا من ملك المجر الذي قتل السفير العثماني، وأرسل السلطان قائده المشهور “بيري” لمحاصرة بلغراد ثم تبعه هو حيث اشتد الحصار وفتحت المدينة بعد دفاع أهلها عنها ،وأخلى الجنود قلعتها في الخامس والعشرين ودخلها العثمانيون بعد ذلك حيث أقاموا أول صلاة جمعة فيها.
فتح شقحب
وكان فتح شقحب سنة 702 هـ وذلك بعد خوف الناس من التتار وزحفهم قرئ كتاب السلطان إلى متولي القلعة يخبر فيه باجتماع الجيش ظهر يوم السبت بشقحب، ثم جاءت بطاقة بعد العصر من نائب السلطان جمال الدين آقوش الأفرم إلى نائب القلعة مضمونها أن الوقعة كانت من العصر يوم السبت إلى الساعة الثانية من يوم الأحد( 2-3 رمضان) ،وأن السيف كان يعمل في رقاب التتار ليلًا ونهارًا وأنهم هربوا وفروا واعتصموا بالجبال والتلال، وأنه لم يسلم منهم إلا القليل فأمسى الناس وقد استقرت خواطرهم وتباشروا لهذا الفتح العظيم والنصر المبارك، كذلك أيضا امتدت الفتوحات إلى السند والهند وأيضا فتح شذونه وفتح سرقوسه وفتح القرم.
معركة أكتوبر المجيدة
وكانت أعظم حروب وانتصارات العصر الحديث هى معركة أكتوبر المجيدة فى العاشر من رمضان 1393هـ السادس من أكتوبر 1973 الذى شاركت فيها العقول المصرية بوحدة شعبيها مسلمين ومسيحيين وطبّق الجيش المصرى الباسل فكرة المهندس المسيحى باقى زكى يوسف لاستخدام مضخات مياه لتجريف رمال خط بارليف، وتم تدمير أكبر وأعظم ساتر فى التاريخ استخدم فيه أحدث تكنولوجيا العصر ليختبئ خلفه الجيش الذى لا يقهر كما أدّعى…
ولكن إرادة المصريين فى صيحة واحدة الله أكبر فى الشهر الكريم ، وهم صائمون وعمل واحد جمع نسيج الأمة وجمع الأمة العربية على هدف واحد، تم قهر الجيش المختبئ خلف السواتر بأعظم جيوش العالم ،وخير أجناد الأرض الجيش المصرى العظيم.