الرياض ….. لم يعد السفر بالطائرات الخاصة أمرا نادرا أو مقتصرا على من يمتلك طائرة فقط، بل أصبحت شركات الطيران الكبرى توفر خدمات تمكن عملاءها من استئجار طائرات خاصة، ناهيك عن خدمات تقدمها تلك الشركات لرحلات داخلية بين مدن المملكة بمميزات خاصة، تشبه إلى حد كبير الطائرات الخاصة من حيث العدد المحدود المسافر على تلك الرحلات ومن حيث المزايا التي تعطى للمسافرين في هذه الفئة من الرحلات الجوية.
وبحسب أحدث التقارير المتخصصة، فإن قطاع الطيران الخاص يشهد نموا في منطقة الشرق الأوسط عامة والخليج خاصة؛ بسبب ازدياد الطلب عليه من رجال الأعمال والمسؤولين والدبلوماسيين وتشمل خدمات الطيران الخاص، بالإضافة إلى توفير الطائرات مع الأطقم الملاحية، أيضا توفير الصيانة والدعم الفني للطائرات المملوكة وتعتبر من ضمن المزايا الجاذبة للاستثمارات في هذا القطاع، فسوق الطيران الخاص في المملكة وفي منطقة الخليج بشكل عام يشكل نسبة كبيرة من السوق العالمية وذلك بسبب وجود الكثير من رجال الاعمال والمستثمرين الذين يملكون طائرات خاصة أو يفضلون استئجار الطائرات للتمتع بالخصوصية من جهة والوصول إلى محطاتهم بشكل أسرع ومرن.
سوق الطيران الخاص في المملكة
من جانبه، قال المتخصص في قطاع الطيران الخاص علي الخطيب حسبما ذكرت صحيفة اليوم السعودية: دائما ما ترتبط أسواق المال والنفط مع الطيران، لذلك تجد العديد من الشركات الكبرى تتملك طائرات خاصة لرحلات رؤسائها التنفيذيين لمتابعة أعمال الشركة في الخارج، ومنها نجد السوق الخليجي وبالأخص السوق السعودي من أقوى الاسواق وأكثرها جاذبية على مستوى الشرق الأوسط، وما يزيد من هذه الجاذبية أيضا أن مصانع الطائرات والشركات الهندسية التي تقوم بتصميم أنظمة إضافية جديدة للطائرات تستهدف دائما السوق الخليجي والسعودي تحديدا، حيث يتم تسويق منتجاتهم أولا عبر معارض الطيران التي تُقام في المنطقة بشكل دوري، لذلك لا تستغرب عند ما ترى طائرات الشرق الأوسط تمتلك الأولوية والريادة في الكثير من أنواع الطائرات والإضافات أو التعديلات الحديثة، مضيفا: إن المملكة تمتلك 50% من سوق الطيران الخاص في المنطقة، ويتجاوز هذا الرقم بالنسبة لحركة الطائرات والسبب يعود إلى كثرة الطلب من الدول المجاورة على هذه الطائرات خصوصا الصغيرة منها، وما يثبت نجاح هذه الشركات السعودية هو كثرة الطلب داخليا على استئجار طائراتها، حيث يشتكي بعض المستأجرين من عدم توفر الطائرات التي يطلبونها؛ بسبب جدولة الطائرات المسبق أو كثرة الحجز عليها وخصوصا في المواسم والعطلات.
وأوضح الخطيب، أنه وبالرغم من هذه السوق الجاذبة إلا أن عدد الشركات العاملة في سوق المملكة ليس كبيرا بما يتوازى مع حجم الطلب، فنجد أن أغلب الشركات موزعة على الرياض وجدة فقط، وذلك لعدة أسباب، أهمها: وقوف الطائرات في الرياض وجدة بالقرب من سكن ملاك الطائرات والذين يكثر عددهم في هاتين المدينتين، كذلك تواجد الطائرات في مطارات دولية يسهل للشركة المشغلة تأجيرها بشكل أسرع في حال تم طلب رحلة دولية، إضافة إلى توفر الخدمات المساندة في المطارات الكُبرى كالتموين والخدمات الأرضية على مدار الساعة، وبلغة الأرقام نستطيع أن نقول إن عدد الشركات السعودية المتخصصة في العمليات الجوية للطيران الخاص لا يتجاوز العشر شركات تقريبا، علما بأنها ليست على مستوى واحد من الجودة والخدمة بالطبع.
السوق الرمادي يعطل النمو
وبين الخطيب أن أكثر ما يواجه نمو هذا القطاع ويشكل هاجسا للمشغلين ليس محليا وإنما عالمي هو ما يسمى بالسوق الرمادي أو ما يعرف بمصطلح Grey Market، وهو أن تأجير الطائرات لا يتم بطريقة رسمية أو عبر قنوات أو طرق واضحة تتسم بالشفافية، فبدلا من ذلك يتم تأجير الطائرة من قبل مالكها (سواء شخصا أو شركة) دون وجود الوثائق الرسمية التي تخول المالك للتأجير وتتم عملية دفع المبلغ عن طريق تحويله الى الشركة المالكة دون التأكد من معرفة المصدر أحيانا، وهذا يضر بالسمعة في حال حدوث حادث للطائرة لا سمح الله، حيث تتأثر سمعة الشركة مع سلطة الطيران ويتضرر المالك في تعويض شركة التأمين، لذلك وضعت هيئة الطيران المدني السعودي أنظمتها الجديدة والتي ابتدأت في شهر مارس 2016 بشكل مقنن ودقيق يفرض على الشركات العاملة في الطيران العارض رفع معايير السلامة لديها بما يتوافق مع خطوط الطيران الكبرى أو ما تعرف بالشركات ذات الرحلات المجدولة مسبقا، وفي حال تمت معالجة مسألة السوق الرمادي فإن قطاع الطيران الخاص سترتفع قوته ومتانته بكل تأكيد، أيضا: طبيعة سوق الطيران الخاص ليست كما هي عليه في الطيران التجاري العادي للناقلين الوطنيين، حيث تحتاج إلى إيجاد قوانين مرنة تشجع الشركات الأجنبية للاستثمار في هذا القطاع الهام والحيوي، إذا ما أردنا المنافسة عالميا، فالعوائد المادية كبيرة جدا ناهيك عن إيجاد فرص عمل بأرقام كبيرة على مستوى توظيف الشباب.
وزاد الخطيب: هناك معضلات أخرى تواجه هذا القطاع منها أن المنافسة أصبحت صعبة وبها الكثير من التحديات، فكلما ارتفع مستوى الخدمة زادت قيمة الساعة للإيجار والعكس صحيح حيث من الممكن أن تجد طائرة تقدر قيمة ساعة إيجارها بسعر مناسب جدا، ولكن مستوى الخدمة فيها محدود.
سوق المنطقة الشرقية لا يتناسب مع مكانتها
وأكد الخطيب أنه وبالرغم من أن المنطقة الشرقية تأتي في مقدمة المناطق التي تتواجد بها كبرى الشركات البترولية سواء السعودية أو الأجنبية بخلاف شركات البتروكيمياويات، ناهيك عن موقعها المتميز وقربها من دول الخليج الأخرى، إلا أنها تأتي ثالثا بعد الرياض وجدة، من حيث عوامل الجذب السوقية للطيران الخاص، ولا يوجد بها أكثر من 4 طائرات خاصة تعود ملكيتها لرجال اعمال يعيشون في المملكة، ويعود ذلك ربما بسبب الكثافة السكانية ووجود رؤوس الأموال أيضا، وربما بسبب التسهيلات التي تقدمها شركات الطيران الخاص في الخليج، وهي أقرب إلى الشرقية، حيث تقدم خدمات متميزة وأسعارا منافسة مقارنة بالسعودية، مبينا أن السوق في المنطقة الشرقية ضعيف نوعا ما ومعظم الطائرات الموجودة في المنطقة الشرقية تعود لرجال الأعمال الذين يديرون أعمالهم في المنطقة نفسها.
عوامل ترفع من جاذبية السوق في المملكة
يقول الخطيب: إن أكبر المعضلات التي تواجه نمو قطاع الطيران الخاص بالمملكة هي وجود الصالات الخاصة أولا، فمن الصعب جدا أن تقوم بتأجير طائرة خاصة بقيمة كبيرة وبها العديد من المميزات والخدمات ولكن لا تنعكس هذه الخدمة بدءا من الصالة، فالراكب بعد اجتياز التفتيش والأمور الأمنية سيكون في صالة الانتظار العادية الى حين اقتراب موعد اقلاع رحلته، لك أن تتخيل أن الخدمات في صالة انتظاره أقل بكثير من صالة الدرجة الأولى في الصالات التجارية، إضافة إلى أن السوق لدينا تفتقد لوجود شركات كبيرة متخصصة في صيانة الطائرات، مما يجعل ملاك الطائرات يقومون عادة بإرسال طائراتهم لمطار دبي الدولي أو كبرى الشركات في الصيانة في أوروبا لعمل الصيانة الدورية لطائراتهم مما يحد من حركة التشغيل للطائرة ويزيد تكاليف فترة الخروج من الخدمة ناهيك عن دفع وقود أعلى ومصاريف الطاقم وخلافه، بالإضافة الى محدودية تواجد شركات تموين الطائرات، فلا يوجد لدينا سوى ثلاث شركات فقط تتقلص معها عملية المنافسة، وعكسيا تتزايد عملية احتكار الأسعار، وهو ما يجعل شركات الطيران الخاص تدفع مبالغ طائلة شهريا لشركات التموين.
300 طائرة خاصة في المملكة
ذكر تقرير متخصص في قطاع الطيران الخاص أن هناك ما يقارب الـ 300 طائرة خاصة مملوكة لرجال وسيدات أعمال في السعودية تقدر قيمتها بما يقارب الـ 20 مليار ريال سعودي، وقد شهد سوق الطيران الخاص معدل نمو سنوي يستحق الذكر في العام 2013 حيث يقدر بنحو 20%، انخفض تدريجيا مع انخفاض أسعار النفط الأخيرة؛ مما أثر على سوق الطيران الخاص السعودي تأثيرا طرديا، وأصبح هناك هدوء في حركة الطيران الخاص بشكل عام.
سوق كبير لاستحداث الوظائف
من جهتة قال الكاتب الاقتصادي بندر السفير: إن قطاع الطيران الخاص من القطاعات التي يمكن أن تستوعب الكثير من الشباب السعوديين خصوصاً من أصحاب التخصصات الهندسية والفنية، إضافة لخريجي كليات السياحة والفندقة باعتبار هذا القطاع ترفيهيا بالدرجة الأولى، ويكون من أكبر الداعمين لرؤية المملكة 2030 التي تقوم على تنمية الموارد البشرية وتعزيز الإيرادات غير النفطية .