بغداد …… يستمر المتحف العراقي في جهوده الرامية الى استعادة آلاف القطع الأثرية التي تعرضت للنهب عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، تمهيدا لضمها لكنوزه الأثرية، ومن ثم ادراجها الى مشروع المتحف العراقي الافتراضي الذي شرع المتحف بالاعداد له منذ استلامه أجهزة ومعدات من دولة اليابان في العام 2016 تساهم في تقنية حديثة للتصوير الرقمي وتحويل القطع الاثرية، وهيكل المتحف الى مضمون افتراضي حديث وفاعل.
ويمثّل ذلك بحسب مسؤولة إعلام المتحف العراقيّ تنهيد علي المياحي في حديثها لـ”المونيتور” “خطوة على طريق تعزيز المحتوى الرقميّ لآثار العراق ومقتنياته التاريخيّة على شبكة الإنترنت، في شكل متحف افتراضيّ، بمواصفات حديثة ومتقدّمة”.
وكشفت تنهيد علي المياحي عن أنّ “المنحة اليابانيّة تشمل كاميرات وحواسيب وأجهزة نشر وتوثيق وتدوين رقميّ للمعلومات، أفادت في تحويل المقتنيات الأثريّة والتراثيّة والمواقع التاريخيّة إلى متحف افتراضيّ”، وقالت: “هذه الخطوة مهمّة جدّاً، ونحن مستمرون في حفظ نسخ رقميّة للآثار وتوثيق حتّى التفاصيل الصغيرة للقطع النادرة التي لا يمكن مشاهدتها في المتاحف الواقعيّة”.
أضافت: “إنّ الفائدة الكبرى لهذا المشروع هي الحفاظ على الذاكرة التاريخيّة من الاندثار في منطقة مضطربة أمنيّاً وسياسيّاً، لكي لا تتكرّر التجربة الأليمة في نينوى، حين اجتاح داعش المناطق الأثريّة، التي غاب عن أغلبها التوثيق بالشكل التقنيّ الحديث”. وتابعت: “تبين لاحقا ان المنحة اليابانيّة لن تكون كافية، إذا ما عرفنا أنّها مخصّصة لتوثيق مقتنيات أثريّة بأعداد هائلة، الأمر الذي يتطلّب تضافر الجهود المحليّة والدوليّة لدعم متحف افتراضيّ شامل لآثار العراق، على غرار المتاحف الافتراضيّة العالميّة المعروفة”.
ويحتفظ العراق بآثاره وكنوزه التراثيّة في متاحف بالمحافظات، وأكبرها المتحف العراقيّ الذي أغلق في عام 2003، حيث اجتاحت القوّات الأميركيّة العراق، وأعيد افتتاحه في عام 2015، وهو يشتمل على العديد من قاعات العرض التي صنّفت وفق حقب تاريخيّة، منها قاعة عصور ما قبل التاريخ، وقاعات العصور السومريّة والأكديّة والبابليّة، وقاعة الألواح الآشوريّة، والكتابات المسماريّة، وقاعات إسلاميّة.
وكانت المساعي التي بذلتها وزارة الثقافة والسياحة والآثار على المستوى الدوليّ، قد أثمرت عن تأسيس صندوق للمانحين في باريس بـ24 أيّار/مايو من عام 2017 وصلت ميزانيّته إلى 100 مليون دولار لإسناد العراق في تأهيل آثاره.
إلى ذلك، قال عالم الآثار الباحث الاثاري في المتحف الوطنيّ العراقيّ جنيد عامر حميد لـ”المونيتور”: “هناك موقع على النتّ خاص بالمتحف الوطنيّ العراقي الافتراضيّ، منذ عام 2005، وتمّ بجهود أميركيّة وإيطاليّة، لكنّ المشروع قد توقّف في بداياته، نظراً لنقص التمويل والظروف الأمنيّة والسياسيّة التي مرّ فيها العراق”. وتوقّع أن “يشهد العامان المقبلان اكتمال المتحف الشامل الافتراضيّ، الذي يضمّ أغلب آثار العراق من مواقع ومقتنيات”.
وفي الوقت ذاته، اعترف جنيد عامر حميد بأنّ “آثار العراق، ومن ضمنها المتحف الوطنيّ، تفتقر إلى المعلومات الدقيقة، إضافة إلى بدائيّة النشر، مقارنة بأساليب العرض في متاحف العالم الافتراضيّة، إذ لا يزال ما هو معروض على الشبكة العنكبونيّة يخلو في الغالب من التقنيّات التفاعليّة مع الجمهور والأفلام وعروض الصور الثلاثيّة الأبعاد أو الرسوم المتحرّكة”.
وقال رئيس لجنة السياحة والآثار علي شريف المالكي لـ”المونيتور”: “إنّ العراق في أمسّ الحاجة إلى متحف افتراضيّ، يتضمّن قاعدة معلومات إلكترونيّة شاملة لكلّ آثار العراق”.
وأمل أن “يكمل العراق، بمساعدة المنظّمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم – ألكسو، المتحف الافتراضيّ لكلّ آثار العراق خلال عام 2018، بعد تهيئة المهارات الأكاديميّة والمهنيّة”، وقال: “إنّ إقامة متحف افتراضيّ شامل لآثار العراق ستقلّل من تكاليف إقامة المعارض الميدانيّة لآثار العراق في الدول المختلفة، والتي تكلّف الميزانيّة أموالاً طائلة، حيث لا يزال العراق يلجأ إلى هذه الطريقة للتعريف بتاريخه وكنوزه الثقافيّة والتراثيّة”.
ومن الأمثلة التي طرحها علي شريف المالكي، الجناح العراقيّ في معرض بينالي فينسيا في 7 حزيران/يونيو من عام 2017، والذي ضمّ 40 قطعة أثريّة لشتّى الفترات التاريخيّة.
من جهته، قال منسّق البعثات التنقيبيّة الأجنبيّة عبد الأمير الحمداني، والذي كان أحد المرشّحين لإدارة المتحف العراقيّ، في اتّصال مع “المونيتور”، إذ يقيم في نيويورك بالولايات المتّحدة الأميركيّة: “إنّ مشروع المتحف الافتراضيّ لآثار العراق كان قد اقترح في عام 2005، بالتنسيق مع جهات أكاديميّة وآثريّة إيطاليّة، وبإشراف علماء آثار وفنيّين، لاستنساخ آثار العراق وودائعه الثقافيّة من الواقع إلى العالم الافتراضيّ، ودشنّا خطواته الأولى بتعريب النصوص ومراجعتها، حيث ساهمت شخصيّاً في هذا الجهد لنشرها باللغات العربيّة والإنكليزيّة والإيطاليّة.
وبالفعل، تمّ إنجاز تحويل 23 قاعة من المتحف العراقيّ، موزّعة بحسب التسلسل الزمنيّ للعصور التاريخيّة من عصور ما قبل التاريخ إلى نهاية العصور الإسلاميّة، إلى ملف افتراضيّ، لكنّ نقص التمويل حال دون إكمال المشروع”.
أضاف: “الهدف من المشروع أيضاً، ليس العرض الافتراضيّ فحسب، بل إنشاء قاعدة بيانات شاملة لآثار العراق وكنوزه الثقافيّة والتراثيّة، الأمر الذي يساهم في حماية التراث التاريخيّ والأثريّ وحفظه، ويجعله متاحاً لكلّ الشعوب”.
وإذ رأى عبد الأمير الحمداني أنّ “هيئة الآثار العراقيّة في وزارة الثقافة، هي المعنيّة بالأمر ومهتمّة بتحويل آثار العراق إلى متحف افتراضيّ عالميّ”، توقّع أن تؤدّي المنح الماليّة ودعم يونيسكو وألكسو إلى تحديد موعد نهائيّ لإنجاز المتحف الافتراضيّ لآثار العراق على النتّ، شرط إعداد الكوادر العراقيّة المدرّبة على أيدي خبرات أجنبيّة متخصّصة”.
إنّ التجربة المرّة التي مرّ بها العراقيّون بعد عام 2003، حيث اجتاح الجيش الأميركيّ البلاد وأطاح بنظام الرئيس صدّام حسين ونُهبت مواقع أثريّة ومتاحف عدّة، وتعرّضت كنوز ومقتنيات ثقافيّة وتراثيّة كثيرة، إضافة إلى المعالم التاريخيّة، للضرر والاندثار، تدفعهم إلى توثيق تاريخهم رقميّاً، على شكل متحف افتراضيّ، يمثّل ذاكرة وطنيّة لهم، فضلاً عن كونه يعرّف شعوب العالم بتاريخهم، في مشروع ثقافيّ تفاعليّ.