الرأي الآخر للدراسات- لندن
وصف باحث عراقي مقيم في العاصمة البريطانية لندن بأن المدرسة العضدية الأولى ثم العضدية الثانية اللتان أنشئتا في مدينة كربلاء وسط العراق على يد السلطان عضد الدولة البويهي المتوفى سنة 983م، سابقة من حيث التأسيس على المدرسة النظامية في بغداد التي أنشأها الوزير السلجوقي نظام الملك الطوسي المتوفى سنة 1092م والتي افتتحت سنة 459هـ (1067م)، فالأولى تم تشييدها سنة 367هـ (977م) والثانية قبل سنة 372هـ (983م)، داعيا إلى قراءة متجددة للواقع العلمي والمعرفي في العراق بعيدًا عن التمذهب الضيّق.
جاء ذلك في الأمسية الثقافية التي انعقدت في مؤسسة دار الحكمة بلندن مساء الجمعة 15 أيلول سبتمبر الجاري (2017م) تحت عنوان “كربلاء وعطاؤها المعرفي على الحواضر العلمية البائدة والسائدة”، حاضر فيها الدكتور نضير الخزرجي، وشهدها جمع من الباحثين والمختصين والمشايخ وأصحاب الشأن من العراق والبحرين والكويت ولبنان، وغيرها، وأدارها الناشط البحريني الأستاذ جعفر الحسابي.
في مستهل الأمسية تناول الدكتور الخزرجي البدايات الأولى لنشأة مدينة كربلاء المقدسة وتمصيرها وإنطلاق الحاضرة العلمية التي بدأت مرحلتها الأولى بنزول الإمام الحسين(ع) أرض كربلاء من ضحى يوم الخميس الثاني من محرم سنة 61 للهجرةـ (4/10/680م) واستشهاده فيها عند العصر من يوم الجمعة في العاشر من محرم سنة 61 للهجرة (12/10/680م)، وتليها مرحلة ما بعد موت الحاكم الأموي يزيد بن معاوية عام 64 للهجرة، والمرحلة الثالثة بنزول الإمام السادس من أئمة أهل البيت (ع) الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) مدينة كربلاء سنة 144هـ وتشكيل حلقات الدرس فيها.
وتطرق الدكتور الخزرجي الأستاذ المشارك في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية بلندن، إلى ما توصل إليه صاحب الموسوعة الحسينية المحقق آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي حسبما جاء في الجزء الأول من كتاب “أضواء على مدينة الحسين .. الحركة العلمية” من أن معالم جامعة كربلاء العلمية برزت وبشكلها الرسمي في أواخر النصف الأول من القرن الثالث الهجري حيث استقر فيها أعلام وقدموا إليها من الكوفة وبذلك تعتبر هذه الجامعة إمتدادًا لجامعة الكوفة التي بدأت تنحسر شيئًا فشيئًا لتؤسس في بغداد وكربلاء ثم النجف والحلة. معتبرا أن لحاضر كربلاء العلمية تأثيرها المباشر وغير المباشر على قيام حواضر علمية في مدن أخرى داخل العراق وخارجه أو تقويتها ومدها بالعلماء والطلبة من قبيل مدن: النجف الأشرف، قم المقدسة، إصفهان، الحلة، الكاظمية، كاشان، مشهد، بروجرد، عبادان، دمشق، والكويت.
وأشار المتحدث إلى أهم المؤثرات التي ساهمت في تقوية حاضرة كربلاء العلمية أو ضعفها وما أصاب هذه المدينة من مد وجزر بحسب سياسات السلطات المحلية والمركزية، معتبرا ان أهم العوامل المساعدة على قيام النهضة العلمية لأية مدينة أو جامعة علمية هو الأمن الناجز والوفرة المالية والمناخ الصحي السليم وسلامة الأجواء العلمية، مؤكدا ان معظم المدارس العلمية غير الرسمية والحكومية إن لم يكن كلها تسير عجلتها المالية بنظام الموقوفات والأخماس والنذور والهدايا والعطايا، وهذا النظام قد يكون عاملا إيجابيا في فترة ما وقد يكون سلبيا حسب توفر المتبرعين أو قلتهم، وتبعاً لتقلبات الوضع السياسي وتبدل الحكومات والأنظمة. ونوه المحاضر إلى أسماء المدارس العلمية في كربلاء المقدسة وكانت 25 مدرسة علمية حتى مجئ نظام حزب البعث في العراق ثم تقلصت بشكل كبير مع تشريد أساتذتها وطلبتها، وتخريب الكثير منها تحت دعوى توسعة المدينة، بيد أن مدينة الحسين(ع) بعد عام 2003م راحت تستعيد عافيتها العلمية والمعرفية تدريجيا.
الأمسية الثقافية التي سبقتها كلمة قصيرة لفضيلة الشيخ عبد العزيز باقر القادم من الكويت للحديث عن الإمام الحسين(ع) في القرآن الكريم، انتهت إلى فتح باب المداخلات والأسئلة، حيث أجاب الدكتور نضير الخزرجي على أسئلة عدد من المتداخلين، وفيما يتعلق بدور كربلاء وفضلها على بقية الحواضر العلمية أشار إلى عدد من الأساتذة ومراجع التقليد الذين توزعوا وانتقلوا من كربلاء إلى المدن والبلدان الأخرى وأقاموا جامعات علمية واسعة، من قبيل تأسيس حوزة قم العلمية على يد الفقيه الشيخ عبد الكريم الحائري المتوفى سنة 1937م، وإحياء حوزة مشهد المقدسة على يد الفقيه السيد محمد هادي الميلاني المتوفى سنة 1975م، وتشكيل مدرسة الرسول الأعظم في الكويت على يد الفقيه السيد محمد الشيرازي المتوفى سنة 2001م، وتشكيل الحوزة العلمية الزينبية في دمشق على يد الفقيه السيد حسن الشيرازي المتوفى سنة 1980م، وغيرها من الإنجازات العلمية والمعرفية في إصفهان وكاشان وبروجرد وغيرها. وحول ما وصلت إليها الموسوعة الحسينية من أعداد مطبوعة، قال الدكتور الخزرجي الباحث المشارك في المركز الحسيني للدراسات بلندن، أن دائرة المعارف الحسينية التي بدأ المحقق الكرباسي كتابتها منذ عام 1987م وصل المطبوع منها حتى العام 2017م مائة وعشرة أجزاء من مجموع نحو 900 مجلد مخطوط.