Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

تداعيات الإرهاب على مستقبل الدولة الوطنية العربية في العدد الجديد من سلسلة “أوراق”

100 شاب من العلماء العرب والأمريكيين في ندوة مكتبة الاسكندرية بحث قضايا العلم والتكنولوجيا

 

 

الإسكندرية “المسلة” …. صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد الخامس والعشرون من سلسلة “أوراق” بعنوان “تداعيات التحول النوعي في الظاهرة الإرهابية على مستقبل الدولة الوطنية العربية”، من تأليف الدكتور السيد علي أبو فرحة؛ أستاذ العلوم السياسية بكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسة، جامعة بني سويف.

 

 

تعنى الدراسة بمحاولة الإجابة عن تساؤل رئيسي مفاده إلى أي مدًى تؤثر تداعيات التحول النوعي في الظاهرة الإرهابية على مستقبل الدولة القومية/ الوطنية في المنطقة العربية؛ بالتطبيق على تنظيم الدولة المعروف اختصارًا باسم «داعش»؟ ففي خضم اتساع نطاق وتداعيات التغيير السياسي الذي شهدته المنطقة العربية بدءًا من عام 2011 المعروف إعلاميًّا بـ «الربيع العربي»، شهدت تلك الظاهرة الإرهابية تحولات نوعية متسارعة عجزت بعض الدول في المنطقة في ضوء السيولة الأمنية والسياسية عن مواجهتها واللحاق بها.

 

 

وتتمثل أهم محاور تلك التحولات النوعية في الظاهرة الإرهابية في التحول النوعي في جغرافيا الظاهرة؛ حيث اتسعت جغرافيا التمركز والنشاط لتلك التنظيمات لتشغل مساحة مكانية واسعة وممتدة أضحت تشكل تهديدًا إقليميًّا لدول محيطة؛ ولهذا صارت تلك التحولات النوعية الجديدة في الظاهرة، والتي أعقبت التغير السياسي الذي شهدته وتشهده عدد من النظم العربية – تمثل التحدي الأخطر في الفترة الراهنة، ليس للنظام السياسي أو النخبة السياسية في دولة ما؛ وإنما لصيغة الدولة القومية ذاتها. ويُقصد بجغرافيا الظاهرة الإرهابية أو الدولة القومية في هذا المقام مساحة وشكل وحدود الامتداد الأرضي الراهن، الذي تتمدد عليه الدولة القومية في المنطقة العربية من ناحية، وتنشط فيه وتسيطر عليه التنظيمات الإرهابية من ناحية أخرى.

 

 

وتستند الدراسة في سبيل تلك المحاولة إلى منهج السيناريوهات باعتباره أحد المناهج الأصيلة في حقل الدراسات المستقبلية في التنبؤ بمستقبل الصيغة الراهنة من الدولة القومية في المنطقة العربية، في ضوء التحول النوعي في جغرافيا الظاهرة الإرهابية بالتطبيق على حالة داعش. فمنهج السيناريو هو أحد الأساليب الاستشرافية لتفكيك المستقبل ومحاولة تلمسه، من خلال تخطيط احتمالاته الممكنة؛ حيث يهدف هذا المنهج إلى وصف لوضع مستقبلي ممكن الحدوث عند توافر شروط معينة في مجال معين، وذلك من خلال بناء مجموعة من الافتراضات المتماسكة لهذه الأوضاع المستقبلية المحتملة في ضوء معطياتها، ثم التنبؤ المشروط وفقًا للمتغيرات والسياقات الرئيسية المحيطة بهذا الوضع المحتمل، والتأثيرات المتبادلة له.

 

 

ويرصد الكاتب مظاهر التحول النوعي في الظاهرة الإرهابية، أولها على المستوى الفكري. فإن الظاهرة الإرهابية الجديدة المتمثلة في «داعش» تعلن أن غايتها هو «تطبيق الشريعة» و«الحكم بما أمر به الله»، وقد انبثقت عن تنظيم القاعدة ومثلت تطورًا لها. ويمكن إجمال «المدارس الإرهابية» – إذا جاز التعبير – في مدرستين، القديمة بقيادة القاعدة، والجديدة بقيادة «تنظيم الدولة الإسلامية». وعلى الرغم من اتفاق المدرستين في المعتقدات والمنطلقات الفكرية لكٍّل منهما، فإن التمايز الحقيقي في الممارسة على الأرض، أي المناهج والآليات المتبعة.

 

 

وتتطرق الدراسة إلى المسارات والممارسات المختلفة للظاهرة الإرهابية الجديدة في المنطقة العربية؛ وذلك للوقوف على عناصر التمايز، والتشابه بينها وبين الظاهرة الإرهابية التقليدية في الربع الأخير من القرن العشرين. وتختلف التنظيمات الموسومة بالإرهاب في أشكالها وهياكلها التنظيمية في صور عدة بما يتفق وعدة اعتبارات، منها هدفها، وإمكاناتها، وعدد أفرادها، وطريقة عملها، ومدى انتشارها وتعقد هيكلها، وتشابك أو تعدد مهامها.

 

ويمكن تحليل التنظيمات الإرهابية وفقًا للمستوى الوظيفي إلى ثلاث مجموعات وظيفية رئيسة داخل التنظيم؛ وهي مجموعة القيادة، ومجموعة خلايا العمليات، وأخيرًا مجموعة خلايا الدعم اللوجستي. في حين يمكن التمييز بين التنظيمات الإرهابية وفقًا لمستوى نوعية الخلايا المنضوية تحت لواء التنظيم إلى نوعين رئيسين هما الخلايا النشطة، والخلايا النائمة؛ ويتم التمييز بينها وفقًا للأنماط الحركية، ومدى تفاعل، أو كمون تلك الخلايا.

 

 

وعمليًّا بالنظر إلى «تنظيم الدولة» في منطقة المشرق العربي لاستجلاء طبيعة هيكله ونمطه التنظيمي، يتضح أن «تنظيم الدولة» يتبع شكل التنظيم الهرمي من خلال وجود قيادة واحدة على قمة التنظيم تربط بين مستوياته وتشكيله، وليس قيادات عدة مترابطة كما في التنظيم ذي الهيكل العنقودي.

 

 

ومن الرصد السابق لنمط عمليات التنظيمات الإرهابية الجديدة يتضح أنها تستهدف نطاقًا جغرافيًّا واسعًا، وعابرًا للدول؛ حيث تدور عمليات التنظيم المشرقي في العراق وسوريا وصولًا إلى ليبيا. وتُشير التقارير العسكرية والإعلامية المتداولة إلى سيطرة تنظيم «داعش» على 50٪ من الأراضي السورية، كما وصلت سيطرتها إلى 40٪ من أراضي العراق.

 

أما ليبيا فقد استطاع التنظيم في وقت سابق من عام 2015 السيطرة على مساحات شاسعة واستراتيجية من الأراضي الليبية، تراوحت من 150 إلى 200  كيلو متر من المناطق الساحلية حول سرت وجنوبًا إلى بلدة أبو قرين ومصراتة والنوفلية التي تقع بالقرب من إحدى أهم المناطق النفطية الليبية.

 

 

وعلى الرغم من انحصار الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم في منتصف عام 2016 في ضوء المواجهة العسكرية الدولية والإقليمية المتزايدة على هذا التنظيم، فإنه لا يمكن إنكار التحول النوعي الذي لحق بالظاهرة الإرهابية على مستوى الجغرافيا والممارسة؛ وهو التحول الذي يمكن السيطرة عليه ومكافحته كما يحدث حاليًّا من القوى الوطنية والإقليمية والدولية. إلا أنه لا يزال يمثل تحديًا خطيرًا لمستقبل الدولة الوطنية في المنطقة العربية ولو بصورة رمزية في المدى الراهن والقريب، فهو التحدي الذي سيضحى وجوديًّا على المستوى المتوسط.

 

 

وينتهي الباحث برسم أربعة سيناريوهات رئيسة للمستقبل؛ الأول هو سيناريو انكفائي مكلف، ويستند إلى افتراض أن الظاهرة الإرهابية الراهنة وما تشهده من تحولات نوعية ظاهرة مؤقتة في ضوء كونها أداة جديدة من أدوات حروب الوكالة غير التقليدية من قبل دول إقليمية أو دولية توظف الإرهاب في تحقيق مكاسب سياسية، وعليه وبافتراض صحة ذلك، فإنه سرعان ما ستنكسر الموجة الإرهابية الراهنة حال صمود الدولة الوطنية/ القومية في المنطقة العربية لفترة زمنية يسيرة أمام هذا السلوك الإرهابي.

 

 

أما السيناريو الثاني فهو سيناريو متفائل لتداعي الدولة الوطنية في المنطقة العربية، ويستند إلى الافتراض القاضي بأن التحول النوعي الراهن في الظاهرة الإرهابية إنما هو تحول مستقل عن أدوار دول إقليمية أو دولية تدعم الإرهاب، وإن حاولت الأخيرة توظيفها لتحقيق مكاسب لها، إلا أنها ليست من صنعتها؛ ولأن هذه الظاهرة الراهنة ظاهرة مستقلة بدرجة ما، فإن تفاعلات تلك الظاهرة وتداعياتها ستطول بصورة كبيرة بنية وهيكل الدولة القومية الراهنة في المنطقة إذا ما استمرت تلك التفاعلات على هذه الوتيرة المتسارعة التي قد تعجز الدول الإقليمية منفردة عن مجابهتها، وعليه تكون النتيجة المنتظرة هي تداعي الدولة القومية العربية الراهنة وتفككها لصالح صيغ جديدة للحكم والسيطرة، قد تنقلها إلى شكل قومي بالمعنى اللغوي والاصطلاحي للكلمة التي تُشير إلى المعنى العرقي وليس الوطني أو بمعنًى أدق تنقلها إلى صيغة الدولة القومية الغربية القديمة كإيطاليا وألمانيا في سبيل حماية الجماعات التحتية نفسها من مخاطر الإرهاب؛ وهو ما قد يؤدي إلى تغير واسع في جغرافيا المنطقة العربية ومستقبلها وانفجار دولها الراهنة من الداخل.

 

 

بينما ينطلق السيناريو المتشائم لتداعي الدولة الوطنية في المنطقة العربية من كلا الافتراضين المذكورين آنفًا، أي إنه بصرف النظر عن كون الظاهرة الإرهابية الراهنة وتحولاتها النوعية مستقلة أو مصطنعة، فإن الدولة الوطنية في المنطقة العربية ستتجه إلى التأثر بتداعيات السلوك الإرهابي الراهن بصورة واسعة النطاق؛ حيث تعجز تلك الدول عن مجابهة تسارع الظاهرة الإرهابية، وعليه قد تتداعى صيغة الدولة القومية العربية الراهنة لصالح التنظيمات الإرهابية الجديدة في إطار زحف الأخيرة جغرافيًّا وتنظيميًّا على الأولى في اتجاه تأسيس تنظيمات إرهابية مستقرة جغرافيًّا ومؤسسيًّا وليست سائلة وخفية، وتمارس بعض أو كلَّ الوظائف الرئيسة التقليدية للدولة القومية المتعارف عليها في الفكر السياسي كالوظائف التوزيعية أو الأمنية أو العسكرية حتى الرمزية.

 

 

ويطرح الكاتب سيناريو أخير يتمثل في استمرار الدولة الراهنة، ولكنه استمرار مكلف وعسير. ويستند هذا السيناريو بدوره إلى صحة أي من الافتراضين أو كليهما؛ حيث تكون تداعيات الظاهرة الإرهابية الجديدة مهددة لمستقبل الدولة القومية إلا أن تهديدها ذلك لا يعني بحال انفجار الدولة الراهنة في المنطقة أو تداعيها لصالح صيغ أصغر من الدولة القومية أو لصالح التنظيمات الإرهابية؛ حيث إن الدولة القومية في المنطقة ما زالت قادرة على مجابهة السلوك الإرهابي من ناحية والقيام بوظائفها الرئيسة ولو في حدها الأدنى من ناحية أخرى، وعليه يُرشح استمرار الصيغة الراهنة للدولة القومية، ولكن استمرارها سيكون استمرارًا مأزومًا ومكلفًا ومخترقًا في ظل تنامي التدخل الخارجي من قبل القوى الكبرى أو الصاعدة أو الإقليمية في الداخل العربي، بصورة تسمح بالحفاظ على الصيغة الراهنة للدولة القومية العربية، ولكن في حدودها الدنيا بحيث لا تفي بطموحات شعوبها المتنامية.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله