المسلة السياحية
بقلم : السيد الدمرداش
ذهبت اليه لاطمئن علي احوال القطاع السياحي في مصر رغم علمي المسبق بها ..لكن لكي يطمئن قلبي .. فالاحوال عادة تتبدل واهل “مكة ” ادري بشعابها .. جلست قبل الدخول عليه اشعل “سيجارة “، فالرجل “لا يدخن “منذ عشرات السنين وبالطبع رائحة التبغ “المضروب “الذي يتواجد في اسواقنا تزعجه ..!
صحيح يسمح لضيوفه بالتدخين لكني عادة اشعر بانزعاجه , منذ سنوات كثيرة لم التقيه ربما لاسباب اهمها “بؤس ” الحال في السياحة ، او لان المشكلات تتضح ولا تحتاج الي “محلل” ،يعني مش “هيبقي “ فيه جديد .
رغبه عارمة في رؤيته شخصيا هي من كانت الدافع الرئيسي لزيارته, الموعد محدد سابقا واستقبلني بابتسامة ممسكا “بسيجارة” ادهشني المشهد ..!
وايقنت ان التغيير “فرض” نفسه علي كثيرون بل معظم السياحيون ، تعجبت كثيرا من هذا المشهد ،شعر بما يدور في ذهني وقال” لقد عدت للتدخين” ..!
لم اعلق بالطبع فالرجل يفعل مايريد لكن دهشتي لم تزول .. سألته اين تكمن المعضلة في قطاع السياحة..؟
قال : الجميع يعلم ان زيادة العرض عن “الطلب يخفض السعر” هذه نظرية اقتصادية قديمة ، واننا في مصر نعلم ذلك جيدا ومع ذلك لم ننتبه ولم نتوقف عن بناء فنادق ومنتجعات ..!
قاطعته : انت كنت في المطبخ وكان يجب ان تبدي رأيك .؟ رد : لقد أبديت راي وقلت هذا الكلام للدكتور ممدوح البلتاجي وقتها ، فقال انها رغبة القيادة السياسية .. ” يريدون ارقاما”، ويتعاملون معها باعتبارها انجازات تحققت .. ولذلك كانت هناك تعليمات للبنوك بتمويل كل المشروعات السياحية علي 7 سنوات ، ولم تكن هناك فرص للتراجع امام رغبة القيادة السياسية وقتها ..! لقد كان معدل انفاق السائح في التسعينات لا يقل عن 135 دولار، وانت تعرف معدل الانفاق الان ..؟!
بالاضافه الي تدني جودة المنتج السياحي وهروب العمالة المدربة، بل والتوقف عن عمليات التدريب والانفراد بصناعة القرار وفرضه، وعدم الاهتمام بالمتغيرات في الاسواق المصدرة للسياحة ..!
لقد راينا فؤاد سلطان كان يعمل مع القطاع الخاص والحكومي جنبا الي جنب ، والبلتاجي من بعده سار علي نفس السياسات وخلق رؤي موحدة في عناصر الصناعة …
وكان الجميع يبدي رأيه ففي السابق السياسات التسويقية كانت تخرج للاسواق بعد دراسات وابحاث مستفيضة ،.يشارك فيها رجال القطاع وايضا من خارجه ، وتبدأ مراحل التنفيذ ، ثم المتابعه والتقييم والرقابه .
وكان الاهتمام بمنظمي الرحلات كبير والتواصل مستمر ، فبدون هؤلاء لا توجد سياحة ، وكانت الشركات المصرية علي وفاق دائم معهم ولا تتعارض المصالح .
قلت : هناك شركه تسويق كبيرة تم التعاقد معها ..؟ رد : هل يستطيع الكمبيوتر ان يخرج لك بيانات مختلفة عما انت ادخلتها له … يا سيدي هذه شركة كبيرة واعرفها من “الستينات ”، ولكن ” اطبخي يا جارية كلف يا سيدي ” فالعيب في السياسات وليس في تنفيذها ولا ادافع عن احد ..!
بالاضافة الي تعثر القطاع وعدم وفاء البنوك بما تم الاعلان عنه تجاه قطاع السياحة .. قلت اذن نبحث عن السوق العربي ..؟ : ابتسم واشعل سيجارة وقال : ماذا قدمنا لهم ..؟ وما عدد هؤلاء الذين يرغبون في قضاء اجازتهم في مصر .؟ في ظل التنافسية في المقاصد السياحية ..؟
وهناك محاولات لبعض رجال الاعمال مثل مايقوم به “منصور عامر “في العلميين والساحل الشمالي من انشاء جامعة “كندية ” وهذا بالطبع سيخلق تواصلا مع بعض العرب ، وغيرهم ممن الذين يرغبون في الدراسة في مصر .
قلت له لدينا مسار “رحلة العائله المقدسه” قد يحقق لنا مئات الملايين من الزوار الذين يرغبون في السير في هذا المسار ..؟! قال هناك دراسات وابحاث سوق تؤكد عكس ذلك ،وان عدد الزوار لن يزيد عن مئات الالوف لاسباب تتعلق بالوقت وطول الرحلة والرغبة في ذلك من قبل الراغبين .
قلت له هناك تنسيق بين السياحة والطيران والاثار وبالطبع سيحقق وفرة في السياحة..؟ اشعل “سيجارة “ واستأذن لبضع دقائق وعاد ليقول : السياحة صناعة جماعية وتحتاج الي تكاتف كل مؤسسات الدولة، ولابد من اعادة دراسة السوق ، لابد ان نعيد حساباتنا من جديد ، والتعامل مع معطيات فرضها واقع نعيشه ، فكل مؤسسة اقتصادية تبحث عن المكسب وتتفادي الخسارة…
وبالتالي هذا يتطلب أليات وكوادر بشرية، ورؤي مشتركة وواضحة وسياسات تتسق والواقع الذي نعيشه كما كنا نفعل في السابق .
سالته : هل الارهاب سببا رئيسيا ..؟! اجاب بسرعة : الارهاب في كل العالم ومع ذلك هناك سياحة ، والشركات تعمل ولا تتوقف الا في مصر “فالحال كما نعيشه” ..!!
هنا أيقنت سبب عودته للتدخين بعد انقطاع سنوات طويلة ، وتأكدت اننا نعاني انعدام تام في الرؤية …!!