ظهر الجمعة الماضى قبل الماضى زفت وكالات الانباء العالمية الخبر الذى طال انتظاره “24” شهرا بالتمام والكمال منذ حادث الطائرة الروسية فوق سيناء ، ونشطت المواقع الاخبارية فى نقل وقائع اتفاقية استئناف الرحلات الجوية بين مصر وروسيا وبروتكول الرسمى بين وزير الطيران المصرى شريف فتحى ووزيرالنقل الروسى ماكسيم سوكولوف فى مكتب الاخير بموسكو، بعد ان اعطى الرئيس الروسى “بوتين” الضوء الاخضر لرفع الحظر الجوى على مصر والسماح بعودة الرحلات الجوية وحركة السياحة الروسية مرة اخرى اليها ،الذى كان قد تقرر عقب الحادث المؤسف فى “نوفمبر 2015” ..!
والحقيقة التى لايختلف عليها الشارع السياحى ان صناعة السياحة المصرية تأثرت كثيرا سلبا نتيجة للحظر ، ولعل ارقام الاحصائية الختامية للعام الماضى 2016 لعدد السياح تشهد بذلك بعد ما تقلصت لتصل الى اقل معدل لها خلال ال 7 سنوات الماضية برقم هزيل لايتجاوز ال ” 5.3 مليون سائح ” استتبعه حالة هزال حادة فى الدخل السياحى وفقا لبيانات البنك المركزى قدرت بنحو “3.5 مليار دولار ” لم يحدث او يتكرر هذا الانهيار خلال ال10سنوات الماضية من عمر السياحة المصرية .. واليوم يأمل خبراء السياحة والفندقة ان تعاود سياحة مصر انطلاقها مرة اخرى بقوة للامام ، لتعوض بعض خسائرها الفادحة وبخاصة قطاعات السياحة والفندقة بمدينة شرم الشيخ التى كادت فى الفترة الاخيرة ان تغلق ابواب منتجعاتها جميعها بسبب قلة الحركة الوافدة اليها ،والتى لم تستطع ان تحل محل مجموعات السياح الروس المليونية كما اعتادت المدينة السياحية الاولى والاشهر بين مقاصد مصر المختلفة .. وتمثل طاقتها الفندقية نسبة تكاد تقترب من “55 % ” من جملة الغرف الفندقية بطول مصر وعرضها ،والتى تبلغ نحو 250الف غرفة فندقية .
رسالة السيسى الحاسمة
ووفقا لبيان وزارة الطيران المصرية بمناسبة توقيع بروتكول تعاون امن الطيران المدنى واستئناف الرحلات الجوية ،فان الحكومتين اعطت الضوء الاخضر لشركات الطيران “الرسمية” فى البلدين ” مصر للطيران و ايروفلوت ” للتشغيل بين القاهرة وموسكو اعتبارا من اول “فبراير “القادم 2018 ، ومنح البروتكول الشركات حرية تاريخ التشغيل الفعلى طبقا للاسس التجارية التى تناسبها .. وبالنسبة للرحلات العارضة عبر طيران “الشارتر” والخاصة بالمجموعات السياحية فقد نص البيان على انه تم الاتفاق على التواصل والتعاون واللقاء مرة اخرى فى افق” ابريل القادم ” لوضع الية يتفق عليها لاستئناف الرحلات العارضة الى المقاصد السياحية سواء فى شرم الشيخ او الغردقة ومرسى علم .. وهو ما يفهم منه ان السلطات الروسية تحاول مرة اخرى المماطلة فى الرحلات السياحية بحجة ان الخبراء الروس يرون ان المسالة بحاجة الى مزيد من عمليات التفتيش الامنى على مطارى الغردقة وشرم الشيخ .. وهو ما اثار حفيظة بعض الخبراء المعنيين بالحركة السياحية المصريين من لجوء الدب الروسى مرة اخرى للمماطلة ، ويعتقدون ان رسالة الرئيس السيسى الحاسمة والقاطعة قبل 3 اسابيع فى المنتدى العالمى للشباب بشرم الشيخ فيما يتعلق بأمن مطارات مصر جميعها وجاهزيتها التامة بشهادة حبراء جميع المؤسسات الفنية والامنية العالمية المختصة بأمن الطيران والمطارات الدولية ،و التى توالت على مصر خلال ال 24 شهرا الماضية ..اكدت بما لايدع مجالا للشك ان “مصر السيسى ” لن تخضع لاى ابتزاز او تهديد فيما يتعلق بعودة الحركة الروسية ..!
مأزق بوتين
فى ذات الوقت بدأ منذ شهور ليست بالقليلة والكلام للخبراء المصريين “لوبى رجال الاعمال السياحيين فى “موسكو” فى الضغط على السلطات هناك لرفع الحظر عن مصر ، وهددوا صراحة ان التعنت والمماطلة من جانب السلطة الروسية للطيران بات غير مبررا بعد ما افادت كافة التقارير الامنية للخبراء الروس والخاصة بأمن المطارات وجاهزيتها ان مصر مهيأة تماما للوفود السياحية .. وان مصالح “اللوبى” التجارية والاقتصادية مهددة بالانهيار وثمة كيانات كبرى للرحلات السياحية اوشكت على الافلاس لتضررها من استمرار الحظر على مصر .. فيما هدد البعض منهم بكسر الحظر وارسال رحلات سياحية عبر الطيران العارض الى شرم الشيخ والغردقة لو لم تستجب سلطات الطيران الروسى خلال الفترة القليلة القادمة .. ! وسرعان ما تحركت السلطات الروسية بعد ان باتت فى مأزق لحلحلة الازمة التى اختلطت فيها الاوراق السياسية والسياحية بين البلدين، وكشفها الرئيس السيسى فى رسالته للاعلام الدولى والمصرى سلفا .
ولم يجد بد من ان يعلن الرئيس الروسى “بوتين ” فى زيارته القصيرة الاسبوع الماضى لمصر حيث شهد مع الرئيس السيسى توقيع وثيقة اطلاق مشروع محطة الضبعة النووية .. وقال نصا كما نقلت وكالات الانباء خلال المؤتمر الصحفى فيما يتعلق بعودة السياحة الروسية ” أن روسيابشكل عام جاهزة لاستئناف الرحلات الجويةمع مصر،أنه بحث مع الرئيس المصري الإجراءات المشتركة لاستئناف الرحلات الجوية،وأضاف بوتين: “لقد بذل الجانب المصري خلال هذه الفترةجهوداجبارة من أجلر فع مستوى الأمن في المطارات.. وقد أبلغتني الأجهزة الأمنية بأن الجانب الروسي مستعد لفتح الطيران المباشربين موسكو والقاهرة..وهذا يحتاج إلى توقيع اتفاقية حكوميةمشتركة وسنسعى لتوقيعها في أقرب وقت”.
مناورة وعصيان
وفور الإعلان عن توقيع البروتوكول،بدأت شركات السياحة الروسية في الترويج لرحلاتها الى القاهرة،وأعلن وزير النقل الروسي أن شركة الطيران الروسية”أيروفلوت” أبدت رغبتها للقيام برحلات منتظمة بين موسكو والقاهرة،مشيرا إلى أن الشركة ستبدأ إعادة تشغيل مكتبها بالقاهرة وتوقيع عقود مع مطار القاهرة،وفق مانشرته وكالات الانباء .
ويرى العديد من خبراء السياحة المصرية العاملين فى مجال تنظيم برامج الحركة الروسية ، ان تصريح وزير النقل الروسى فيما يتعلق بالانتظار حتى ابريل القادم للتصريح للطيران العارض “الشارتر” الحامل للحركة السياحية من روسيا مجرد مناورة اخيرة من الحكومة الروسية للضغط على قطاع الاعمال السياحى الروسى الذى كشر عن انيابه فى الفترة الاخيرة ، واعلانه حالة العصيان والتمرد على السلطة امام مصالحه الاقتصادية وشبح الافلاس الذى يهدده ..؟!
ومن ثم يتوقع الخبراء ان الحركة الروسية السياحية ستبدأ فى التوافد الى شرم الشيخ والغردقة ريثما تحط الناقلتين الرسميتين اولى طائرتها فى كلا العاصمين “القاهرة وموسكو ” فى بداية “فبراير القادم ” وان تتوالى الرحلات العارضة ” للطيران الروسى الى شرم الشيخ والغردقة افق مارس القادم على الاكثر .. ضاربة عرض الحائط بكلام وزير النقل الروسى “سوكولوف” ان القرار الروسى لاينطبق على رحلات الطيران العارض الى المقاصد السياحية “شرم الشيخ والغردقة ” .. وستكون حجتهم الجاهزة ان بروتكول استئناف الرحلات الجوية تم بناء على توقيع وثيقة تعاون فى امن الطيران المدنى المشتركة ، وما اعلنه بوتين “ان روسيا بشكل عام جاهزة لاستئناف الرحلات الى مصر .
شرم والغردقة خسائر فادحة
ولا جدال ان عودة السياحة الروسية الى مصر وتحديدا “شرم الشيخ والغردقة ومرسى علم ” بأرقامها التى اقتربت من ال 4 ملايين سائح قبيل حادث اكتوبر 2015 تصب فى مصلحة السياحة المصرية وانعاشها من جديد وبخاصة مدينة شرم والغردقة وهما يمثلان الركيزتين لاستقبال الحركة الوافدة الروسية ، بطاقتهما الاستعابية الواسعة اذ يمثلان حوالى 80% من طاقة مصرالفندقية التى اشرنا سابقا اليها .. وكانت العديد من القرى والفنادق تعتمد اعتماد شبه كاملاعلى الافواج الروسية القادمة عبر الطيران العارض ، ومن ثم كانت الكارثة والمعانأة التى لاتوصف لاحوال تلك المنشأت واصحابها خلال ال 24 شهرا الماضية بعد توقف الحركة وقرار الحظر الروسى .. بعضها قلص العمالة وسرحت سراح غير جميل ،والبعض الاخر هبط بمهايا ومرتبات العاملين الى ادنى مستوى لايذكر، اما الجزء المتبقى فقد اخذ القرار الصعب واغلق ابوابه تماما بعد تكبده لخسائر فادحة نتيجة للحظر الكامل .. وتكاليف ثابتة مرهقة ماليا ،واعباء عمالة وصيانة وفوائد بنكية متراكمة .
وهم الانتعاش
ويرى البعض من الخبراء السياحيين ان النغمة السائدة من ان الحركة بدأت خلال الشهور الماضية تتعافى وان ثمة اسواق مصدرة للحركة الى مصر اخذة فى التنامى بشكل مرضى ، مثل السوق الاوكرانى ،والالمانى والبولندى … بارقام تكاد ان تتضاعف كما حدث فى اوروبا الشرقية مؤخرا “اكتوبر المنصرم” وان تصل لارقام تتجاوز ال 90% بالنسبة للسوق الالمانى ، وبصفة عامة نحو 75% فى اوروبا الغربية نتيجة لزيادة السياحة الالمانية .. الا ان الواقع بكل اسف يدحض مزاعم الاستغناء عن السائح الروسى .. فالسوق الروسى كان يقترب من ال 4 ملايين سائح ،وكان لفترة تزيد عن ال 10 سنوات الاخيرة يتصدر قائمة الاسواق المصدرة للسياحة الى مصر حتى فى احلك الظروف والاحداث العصيبة التى شهدتها البلاد ..
وكان الخبراء يراهنون “ان يصل السوق الروسى ل 6 ملايين سائح نهاية 2017 بمفرده لولا حادث طائرة اكتوبر 2015 ..! فهل نستطيع بكل صدق من واقع الارقام المدققة لحركة السياحة الى مصر ان نطرح فكرة الاستغناء عن السوق الروسى .. لااظن ذلك على المستوى المنظور اوالقريب لصناعة السياحة فى مصر .. الروس قادمون وثمة انتعاش يلوح فى الافق على شرم الشيخ والغردقة بعد شهور عجاف اكلت الاخضر واليابس .
نقلا من مجلة المصور