د خالد عزب
صفاء خليفة
لايزال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر يملك الكاريزما التي اجتهد الكثيرون في تفسيرها، وقالوا أنها ترجع إلى قامته المديدة أو ربما نظرة عينيه، وملامحه التي تجمع بين الصلابة والوسامة، أو قد تكون نبرة الصوت المليئة بالثقة والصدق، وغيرها من الأسباب!
وعلى الرغم من مرور كل تلك الأعوام على رحيل جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970، إلا أن الكتابة عنه ليست ابتعادًا عن الحاضر أو تجاهلا للمستقبل أو حنينًا لماضٍ يفتقده الملايين من العرب، بل هي دعوةٌ للاستفادة العربية والمصرية من نهجٍ “ناصري” واجه أزماتٍ وصراعات لعقدين من الزمن (1952-1970)، والتي ما زالت تنخر في جسد الأمَّة العربية، هنا تحضر صورته إلى العقل الجمعي العربي.
جمال عبد الناصر، بالنسبة لعموم العرب هو قائدًا تاريخيًا وبطلا تحرّريًا، ولمصر حاكمًا ورئيسًا، فكانت طيلة فترة حكمه قبلة للأحرار، يأتي إليها الجميع من كل حدب وصوب ليستلهم منها التجربة.
وفي هذا الإطار، نجد في كتالوج “من القرية إلى الوطن العربي الكبير: الزعيم جمال عبد الناصر “طفلا وشابا ثائرا…كاتبًا ومثقفًا. رئيسًا وقائدا وزعيمًا”، في سياق نصي متسلسل زمنيًا وموضوعيًا مدعومًا بعدد من المواد الوثائقية والأرشيفية الهامة العربية والأجنبية والتي عالجت مسيرة حياته منذ النشأة والتكوين وحتى وفاته.
وينقسم الإصدار إلى قسمين رئيسيين، القسم الأول يبدأ من عام 1918 وينتهي عام 1951، والقسم الثاني يبدأ بعام 1952 وينتهي بوفاة الرئيس جمال عبد الناصر. ويقدم إطلالة على أهم الأحداث العربية والإقليمية والدولية التي كان لها كبير الأثر على جمال عبد الناصر قبل توليه رئاسة الجمهورية، ويبين كيف كان يتحرك من خلالها بعد أن تولى منصب الرئاسة وكيف أثرت على أهم القرارات المصيرية في تاريخ مصر الحديث.
جمال عبد الناصر… الشاب الثائر..
في “قرية بني مر” مركز أسيوط.. حيث موطن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وعائلته، أما المنزل رقم 18 شارع أنواتي، حي باكوس بالإسكندرية فقد شهد ميلاد “الطفل جمال”- الابن البكر لعبد الناصر حسين- في 15 يناير 1918.
وكانت الفترة من 1925 إلي 1930 غير مستقرة بالنسبة لجمال، فقد كان رب الأسرة بحكم عمله دائم التنقل بين قرى ومدن ومديريات مصر، حيث ولد بالإسكندرية، وبعد أن نقل والده للعمل بمكتب بريد الخطاطبة، تلقي تعليمه الأولي بمدرسة الخطاطبة، ثم أرسله أبيه إلي عمه الأستاذ خليل حسين الموظف بوزارة الأوقاف بالقاهرة، الأمر الذي مكّن الطفل جمال عبد الناصر منذ الصغر من التعرف على واقع بلاده، والبؤس والشقاء الذي عانى منه الشعب المصري آنذاك.
وفي العام الدراسي 1925-1926 التحق جمال بــــــــ “مدرسة النحاسين” الابتدائية لمدة عام، ثم “مدرسة العطارين”، وكان جمال طالبًا في الثالثة عشرة من عمره عندما تقدم جموع المتظاهرين، وهم يهتفون: “يحيا الدستور.. تحيا مصر، “يسقط الاستعمار”، وذلك بعد أن استصدر إسماعيل صدقي مرسومًا ملكيًا بحل البرلمان، وإلغاء دستور 1923، وكان لتلك المظاهرة وقعًا كبيرًا على وجدانه، فقد اعتبر الجراح التي أصيب بها وسام شرف بين رفاقه الطلبة، وكان يعلم أن وطنه يخوض صراعًا متصلا من أجل حريته.
انتقل الطالب جمال بعد ذلك إلى مدرسة رأس التين بالإسكندرية ثم المدرسة الفريدية حيث واصل دراسته لمدة عامين، وفي عام 1933 ضاق المسئولون في المدرسة ذرعًا بنشاطه الثوري، ونبهوا أبيه الذي أرسله إلى القاهرة ليعيش في كنف عمه خليل، وهناك التحق بــــــــ”مدرسة النهضة” الثانوية بحي الظاهر، وربما ساهمت تلك السنوات في تشكيل بعض ملامح شخصيته وسلوكياته، وجعلته يشعر بالتحفظ والحيطة والتكتم، وقد لمس فيه رفاقه سمات الترفع والتعفف والحفاظ علي الكرامة……
تلك الفترة أيضًا، استهوت مبادئ حزب مصر الفتاة، الطالب جمال عبد الناصر، وانضم إليها بالفعل، وكان قد أتم العام قبل النهائية في مدرسة النهضة، ثم اشترك في مظاهرات نوفمبر عام 1935.
الكلية الحربية وخبرة سنوات العمل
كان يحلم بأن يكون ضابطًا يصنع الحرية لشعبه. كما كان يهوي العسكرية، باعتبارها، كما يراها هو، الطريق الوحيد للتحرير واسترداد الكرامة. وبالفعل دخل جمال الكلية الحربية طالبًا لأول مرة في 17 مارس عام 1937 مع مجموعة من الطلبة المستجدين تتألف من 43 طالبًا أمضوا ستة عشر شهرًا، وبذلك يكون قد التحق بالجيش بعد أن كان يدرس في كلية الحقوق. وتخرج في هذه الكلية في أول يوليو عام 1938.
التحق جمال عبد الناصر ملازمًا ثانيًا بكتيبة البنادق الخامسة المشاة في قرية منقباد بمحافظة أسيوط ليبدأ رحلته العسكرية. وفي تلك الفترة رقي جمال عبد الناصر في أول مايو 1940 إلي رتبة ملازم أول وقاد في السودان فصيلا عسكريًا، ثم خدم كنائب آمر في الفوج المصري الأول في الخرطوم، ومن ثم رقي إلي رتبة يوزباشي في سبتمبر في عام 1942. وبالرغم من صغر سنه أسند منصب رئيس أركان حرب الكتيبة إليه. وأخيرًا نقل من السودان إلي الصحراء الغربية. وفي 7 فبراير 1943، انتدب للتدريس بالكلية الحربية.
جمال عبد الناصر ومرحلة التحرّر الوطني
تألفت حركة “الضباط الأحرار” علي إثر حادث 4 فبراير 1942، وكانت الحركة في صفوف الجيش تأخذ شكل منظمة سرية، وفي عام 1944 شهدت الحركة توسيعًا للقاعدة بين الضباط لخلق رأي عام واعٍ في أوساطهم. ولقد شهد عام 1945 بداية حركة الضباط الأحرار، وكان جمال عبد الناصر ينظم هذه الاجتماعات بشكل دوري في منزله، ويدعو زملاءه من الضباط للتعرف علي ميولهم السياسية، ويختار من بينهم من هم أهل للثقة وتحمل المسئولية ويضمهم إلي التنظيم العسكري السري الذي كان يرأسه…..
عين جمال عبد الناصر مدرسًا في كلية أركان حرب، وتحولت منشورات الضباط في نهاية عام 1950 إلي نشرة دورية تصدر بانتظام بعنوان “صوت الضباط الأحرار”، وتتوالى الأحداث تباعًا لنجد انتخابات نادي الضباط، واختيار اللواء محمد نجيب قائدًا للحركة في ديسمبر عام 1951، وحصوله على أغلبية بالإجماع.
جمال عبد الناصر ومرحلة التحرّر الوطني
في السادس والعشرين من يناير عام 1952 اجتاحت القاهرة مظاهرات عنيفة ومدمرة، للتعبير عن العداء للبريطانيين، فقد بدأ اليوم بمظاهرة عنيفة قامت بها بعض الجماعات المتطرفة؛ لكن السخط الجماهيري سيطر عليها بعد ذلك، جاء حريق القاهرة بمثابة القشة التي قصمت ظهر النظام الملكي في مصر.
ثم جاءت ليلة الثالث والعشرون من يوليه 1952، لتكون ليلة حاسمة في تاريخ مصر الحديث حينما انطلق الضباط الأحرار ليعلنوا للشعب انتهاء فترة الاستعباد وبداية عصر جديد في تاريخ مصر والعرب والشرق الأوسط بل ودول العالم الثالث وانتصرت إرادة الشعب المصري الذي التف حول الضباط الأحرار لنبذ الظلم واستعادة الحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية. ومن أهم قرارات مجلس قيادة الثورة، على التوالي إعلان الدستور المؤقت في 10 فبراير 1953، وإلغاء النظام الملكي، وإعلان الجمهورية في 18 يونيه 1953، وقرار إعادة تشكيل لجنة مصادرة أموال وممتلكات أسرة محمد علي في 8 نوفمبر 1953، وقرار حل جماعة الإخوان المسلمين في 14 يناير 1954، والسماح بقيام أحزاب وحل مجلس قيادة الثورة في 24 يوليو 1954.
جمال عبد الناصر أهم الإنجازات
كان الإصلاح الزراعي والقضاء على الإقطاع هو أول معركة خاضها جمال عبد الناصر بعد الثورة، ثم قراره التاريخي بتأميم قناة السويس 26 يوليو 1956، والوحدة المصرية السورية في فبراير 1958، وافتتاح متحف رشيد القومي في 19 سبتمبر عام 1959، وبدء العمل في مشروع السد العالي في 1960، وقوانين يوليو الاشتراكية عام 1961، والميثاق الوطني في 21 مايو 1962 انتهاء ببرنامج جمال عبد الناصر للنضال الوطني في 30 مارس 1968.
إلى أهم التنظيمات الحزبية التي مرت بها مصر خلال هذه الفترة، بدءًا من هيئة التحرير في يناير 1953، والاتحاد القومي في يناير 1956، والاتحاد الاشتراكي العربي في مايو 1962، وكذلك الاتفاقيات الهامة التي عقدتها مصر، ومنها اتفاقية السودان وتطبيق مبدأ حق تقرير المصير، في فبراير 1953، وتوقيع اتفاقية الجلاء بالأحرف الأولى في 27 يوليو 1954، واتفاقية الدفاع المشترك بين مصر وسوريا، والاتفاقية العسكرية الثلاثية بين مصر وسوريا والأردن، ومشروع اتفاق الوحدة بين الجمهورية العربية المتحدة وسوريا والعراق في أبريل 1963.
جمال عبد الناصر ومرحلة المدّ العروبي والتحرّر القومي
القائد… عربيا- أفريقيًا- دوليًا
تبرز أهم محطات القوة في العلاقات المصرية العربية، وكيف كانت مصر هي رائدة للعالم العربي وأفريقيا أيضًا في ظل حكم الرئيس جمال عبد الناصر حيث أهم الأحداث العربية والإقليمية والدولية والتي استطاع عبد الناصر من خلالها أن يضع مصر في قلب العالم العربي وأن يضع العالم العربي في قلب العالم.
شهدت مصر خلال تلك الفترة، توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر وسوريا، والاتفاقية العسكرية الثلاثية بين مصر وسوريا والأردن، ومشروع اتفاق الوحدة بين الجمهورية العربية المتحدة وسوريا والعراق في أبريل 1963.
كما حرصت مصر على حضور مصر أهم المؤتمرات الدولية والإقليمية والعربية والإفريقية التي تمس الأمن المصري، وتناقش أهم القضايا العربية ومنها مؤتمر التضامن الآسيوي الأفريقي في يناير 1958، ومؤتمر القمة الأفريقي بالدار البيضاء بالمغرب في يناير 1961، ومؤتمر بلجراد في سبتمبر 1961، والميثاق الإفريقي بأديس أبابا، ومؤتمر القمة العربي الأول، وانعقاد أول مؤتمر قمة أفريقية في القاهرة في يوليو 1964، ومؤتمر القمة العربية الثاني في الإسكندرية في سبتمبر 1964، ومؤتمر القمة العربية الثالث في المغرب، ومشاركة مصر في مؤتمر القمة الإفريقي في كينشاسا بزائير، ومؤتمر القمة الثلاثي المنعقد بالقاهرة حول الموقف العربي في 12 فبراير 1970.
وكذلك، سلسلة مؤتمرات عدم الانحياز ودعم مصر لسياسة الحياد الإيجابي والتي بدأت بمؤتمر باندونج في أبريل 1955، ومؤتمر بريوني في يوليو 1956، ومؤتمر القمة الثاني لحركة عدم الانحياز في القاهرة في أكتوبر 1964، ومؤتمر الأقطاب في الهند في 21 أكتوبر 1966، بالإضافة إلي أهم لقاءات وزيارات جمال عبد الناصر، على الإطلاق وهي زيارته للأمم المتحدة 27 سبتمبر 1960، وحضوره لمؤتمر الصحفيين اليابانيين حول قضية فيتنام 10 فبراير 1966، ولقائه بالفيلسوف الفرنسي “جان بول سارتر”، والكاتبة “سيمون دى بوفوار”، و”كلود لانسمان” رئيس تحرير مجلة العصور الحديثة.
جمال عبد الناصر ومرحلة التضامن العربي والمواجهة مع إسرائيل (1967-1970)
وهي مرحلة النضوج الفكري والسياسي لتجربة عبد الناصر، والبناء السليم للقوات المسلحة المصرية، وتحقيق العلاقات العربية التضامنية، ولعلّ أهم ميزات هذه المرحلة هي أولوية المعركة مع إسرائيل، وأولوية التضامن العربي، وأولوية البناء الداخلي السليم عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا.
لمحات من سيرة القائد الإنسان….
الناس يعلمون سيرة عبد الناصر في الحرب والسلام، وليس من السهل أن يعرف الناس الحياة الثانية من سيرته وهي أقرب ما تكون إلى الحياة الخاصة، فكان أبًا وأخًا وصديقًا للكثيرين. وفي تناغم إنساني رائع يصور لنا الكتالوج جزءا من حياة جمال عبد الناصر الإنسان، بعضها مع عائلته الكبيرة، وبعضها من بيته في منشية البكري بين زوجته وأولاده، ولمحات من حياة الأب والأخ والصديق جمال عبد الناصر.
الرحيل 28 سبتمبر 1970
“فقدت الجمهورية العربية المتحدة، وفقدت الأمة العربية وفقدت الإنسانية كلها رجلا من أغلي الرجال وأشجع الرجال، هو الرئيس جمال عبد الناصر”.
نصل إلى يوم حزين… يوم رحيل جمال عبد الناصر، ففي مساء يوم السبت الموافق 28 سبتمبر 1978، وتحديدًا في الساعة الخامسة توقف قلب عبد الناصر عن الخفقان وأصبح في رحاب الله.
رحم الله زعيما عاش في وجداننا ولا نزال نذكر أنه كان جزءا لا يتجزأ من تاريخنا قمنا بتحديد أخطائه قبل إنجازاته ولم نسهب في نقطة دون غيرها،.
تحية لروحك في أجواء الذكرى المئوية لميلادك يا جمال…..
رسالة إلي جمال عبد الناصر
نزار قباني
هذا خطاب عاجل إليك
من أرض مصر الطيبة
من الملايين التي قد أدمنت هواك
من الملايين التي تريد أن تراك
عندي خطاب كله أشجان
لكني … لكني سيدي لا اعرف العنوان
وعندما يسألنا أولادنا
من أنتم ؟
في أي عصر عشتم ؟في عصر أي ملهم ؟ في عصر أي ساحر؟
نجيبهم : في عصر عبد الناصر