الإسكندرية “المسلة” ….. في إطار فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر مكتبة الإسكندرية الرابع لمواجهة التطرف والذي يستمر لمدة ثلاثة أيام تحت عنوان ” الفن والأدب في مواجهة التطرف”، عُقدت جلسة ” التطرف: رؤى سياسية “، الاثنين 29 يناير، وترأس الجلسة الدكتور أسامة الغزالي حرب، الكاتب وخبير العلوم السياسية، بحضور ريكاردو ريدالي، من إيطاليا و تورستين برونشتاين، من المانيا، والدكتورة أم العز الفارسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بني غازي، والدكتور أحمد يوسف أحمد والدكتورة إيمان رجب، الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
وقال ريكاردو ريدالي، من إيطاليا، إن قضايا محاربة الإرهاب والمشاكل الطائفية تشكل نواحي كثيرة نعيشها اليوم، ونحن نرى حركات متطرفة وإرهابية كثيرة خاصة في الشرق الأوسط والوطن العربي شديدة الاستقطاب والخطورة.
وأضاف أن الصراعات تنشأ بسبب الصراعات العرقية وأن هناك استخدام للعنف الديني حيث تستخدم تلك الجماعات الأديان كأداة لتحقيق مكاسب من خلال معتقدات دينية ضيقة.
وأكد على ضرورة أن يكون هناك توازن بين الحريات الشخصية ومواجهة التطرف، مؤكدا ضرورة محاربة كل من يستخدم الدين في حرمان الغير من ممارسة حقوقه. وأوضح أننا جميعا مطالبون بالحفاظ على التراث العالمي والثقافة العالمية من خلال معرفة كل منا للآخر وذلك من خلال بعثات والنقاش، مشددا على دور مؤسسات المجتمع المدني والجامعات وكذلك الثقافة في مواجهة هذه الظاهرة.
وتابع :” يجب أن ننمي جذور تنمية حقوق الإنسان والمجتمع المدني، أعتقد أن المدارس في كافة المستويات يجب أن تدعم وتنهض بثقافة التعايش والسلام وتحارب الجهل والتحيز وسوء إستخدام الدين”، مطالبا بدراسة الجماعات الإرهابية، قائلا:” نحن لا نعرف كثيرا عن هؤلاء فنحن نحارب الإرهاب ولكننا لا نعرف الكثير عنه”.
بدوره استعرض توستامن بونشتاين، من المانيا، بعض الإحصائيات والمقارنات بين الجماعات المتطرفة وبالتحديد بين داعش وتنظيم القاعدة. وقال إن داعش ليست بالضرورة تمتلك أسلحة متطورة للغاية ولكنها تستخدم التكنولوجيا ولو نظرنا إلى الدعاية التي يستخدمونها فسنجد أنها تقوم في الأصل على التكنولوجيا المعاصرة.
وأضاف أن داعش تتحدث بأدوات عصرية وتستخدم العنف بشكل فج وكبير عكس تنظيم القاعدة الذي يركز على الامور الداخلية، فيما تقوم داعش باستهداف المتاحف والمناطق الأثرية وتكره الحضارة، مشيرا إلى أن هناك نوع من الاعلان لدى داعش ولكنها لا تخبر ولا تعلن عن الكثير من المعلومات.
من جانبها أوضحت الدكتورة أم العز الفارسي؛ أستاذ العلوم السياسية بجامعة بني غازي، أن الحرب هي أحد أدوات العملية السياسية ولكنها ترى غير ذلك فالحرب لا يمكن أن تكون أداة من أدوات العملية السياسية حتى وإن كانت تجاه الأفكار المتطرفة. قالت إن التطرف السياسي له عدة سمات تتمثل في غياب الأهداف وعدم التنازل ورفض التسويات بالإضافة إلى استهداف الأقليات وشيطنة الخصوم وهجرة العقول إلى الخارج فضلا عن زيادة خطاب الكراهية.
واستعرضت ” الفارسي” تجربة ليبيا ورفض تيار الإسلام السياسي الديمقراطية وتحولت المنابر إلى سباب وعنف وتكممت الأفواه وقيدت الحريات. وفيما يتعلق بمعالجة التطرف السياسي، أشارت إلى أن الفكر المستنير هو أول الأدوات حيث يقوم على قواعد فكرية منها الاحتكام إلى قيم المواطنة والحوار وقبول الآخر، فضلا عن فتح حوار مجتمعي وسياسي لمناقشة القضايا المتعلقة بالإسلام والعلمانية.
بدوره قال الدكتور أحمد يوسف أحمد، استاذ العلوم السياسية أن هناك ثلاثة مداخل لمواجهة الفكر الإرهابي وهم المدخل السياسي والذي يحتاج إلى بنية سياسية وحزبية قوية، مشيرا إلى أن البنية الحزبية في مصر بنيه مريضة وأن القوى السياسية هي المسؤولة عن ضعف هذه البنية.
وأضاف أن المدخل الثاني لمواجهة الإرهاب يتمثل في المدخل الديني القائم على تجديد الخطاب الديني، مبينا أن الحديث المثار حاليا عن تجديد الخطاب الديني يصفه البعض بأنه خطاب نخبوي، ولكنه يتحدث عن الخطاب العملي الذي يستهدف خطباء المساجد والمفتي الخاص والمعلم، مشيرا إلى أن هناك بعض المعلمين في المدارس يحملون الأفكار المتطرفة.
أما المدخل الأخير الذي تحدث عنه الدكتور أحمد يوسف أحمد هو الثقافة التنويرية، لافتا إلى أن الرئيس جمال عبد الناصر واجه فكر الإخوان من خلال مشروع شامل وأيضا بمشروع ثقافي، مؤكدا ضرورة إصلاح الحياة السياسية المصرية.
من جانبه ربط الدكتور لؤي عبد الباري، من اليمن، بين الإرهاب وتوجه الدولة السياسي، قائلا إن المشكلة الرئيسية تكمن في التوجه السياسي للدولة. وأضاف أن التطرف هو سلوك قد يكون خارج عن الحد ولكنه يقبل به في مفهوم الجريمة كظاهرة إجتماعية على أن يقاومها المجتمع والقانون.
وتابع :” التطرف له جانبين هما تطرف دولة وتطرف مجتمع”، لافتا إلى أن التطرف المجتمعي يكون رد فعل ونتيجة لتطرف الدولة، مستعرضا التجربة اليمنية في هذا الشأن والتي قامت على كبت الحريات ومنع دور السينما والثقافة خلال فترة التسعينات من القرن الماضي ما أدى إلى ظهور تيارات وجماعات إرهابية.
بدورها رأت الدكتورة إيمان رجب، الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن التطرف في مصر يستهدف فئتين رئيسيتين وهما الشباب في الفئة من 16 حتي 35 سنة، ويحاول طرح هوية جديدة للشباب والفئة الثانية هي فئة المرأة وعادة ما يتم توظيفها في زرع عبوات ناسفة أو في دعم لوجيستي وهو ما يتم عادة في شمال سيناء.
وقالت ” رجب ” إن هناك مجموعة تحديات تواجه الدولة في محاربة الإرهاب وهو ضعف القوى السياسية بالإضافة إلى حجم الدعم والمساعدة المقدمة لضحايا الإرهاب والتطرف فضلا عن عدم وجود قانون يحدد من هو الضحية، لافتة إلى صعوبة تحقيق التوازن بين الحريات والمكافحة الفعالة لظاهرة الإرهاب.
وأكدت أهمية الاتفاق علي وثيقة وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب تقوم على الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني والمواطن ويكون من خلاال إطار مؤسسي، مشيرة إلى أهمية وجود مشروع سياسي واضح والاسراع بعمل قوانين تضع تعريف للضحية الناتج عن العملية الإرهابية.
وفي جلسة حوارية بعنوان “التطرف: مواجهة فكرية”، بحضور الكاتب الصحفي صلاح منتصر، رئيس الجلسة، والمتحدثون: ومختار بن نصر “تونس”، وأيمن بكر “مصر”، وكمال مغيث “مصر”، ومي هاشم “السودان”، ووائل فاروق “مصر”.
وقال الكاتب الصحفي صلاح منتصر، إن البعض يعتقد أن التطرف هو الإرهاب وهذا مفهوم خاطئ تمامًا، فالتطرف فكر أما الإرهاب عمل، ولا يمكن للإرهابي أن يكون يتحول إلى العمل الإرهابي دون أن يعتنق الفكر المتطرف، مشيرًا إلى أن قبل مواجهة عدو لابد من معرفته بصورة جيدة حتى يمكن الانتصار عليه.
وأكد “منتصر” إن هذا الوضع عانت منه مصر خلال حربها مع إسرائيل في عام 1948، إذ عمل الإعلام على إظهار اليهودي على أنه شخص هزيل ضعيف وهي الصورة التي ترسبت لدى المقاتل المصري، وكان ذلك سببًا رئيسيًا في الهزيمة، استمر الجهل بالشخصية اليهودية حتى عام 1967.
وأضاف “فحتى ذلك الوقت لم يقرأ مصري واحد كتاب عن إسرائيل، نظرًا لأنه كان ممنوع دخولها مصر، وعقب النكسة تم السماح بدخولها وبذلك تعرف الجندي المصري على نظيره الإسرائيلي وهو ما مكنه من مواجهته والانتصار عليه”، مؤكدًا على أنه لا يمكن مواجهة الإرهاب دون التعرف عليه.
وقال كمال مغيث، الخبير في مجال الدراسات التربوية، إن مصر تعرضت خلال الخمسين عامًا الماضية إلى عملية ممنهجة لتغذية الإرهاب في مصر، مشيرًا إلى أن قيم الحضارة الفرعونية التي تقوم على احترام الحياة وتقدير فكرة الحق والتعبير الجمالي، استمرت طوال العصور الوسطى محفوظة.
وأضاف “مغيث” إن الدول التي قامت في مصر بداية من البطالمة وحتى الدولة العثمانية كان شغلها الشاغل الاستمرار في الحكم ولذلك لم تكن تهتم بالشعوب، مما ساهم في استمرار القيم المصرية وظهر الإبداع في الفنون والعلوم، ولكن عقب ذلك تعرضت الحضارة المصرية إلى مؤامرة لمناهضتها.
وشدد “مغيث” إن العودة للثقافة والحضارة المصرية يكون عن طريق التعليم، فلابد أن يكون جزء من المشروع الوطني وأن يكون معبر عن الهوية المصرية، والهدف الأساسي له نشر المواطنة والانتماء الوطني ويحذر فيها الدعاية السياسية والدينية، وان يعود الوجه النبيل للمدرسة بالفنون والآداب والعلوم والمواطنة.
وقالت مي هاشم، مديرة التطوير والمشروعات بمركز الفيصل الثقافي في الخرطوم، أن الجميع يركز على أن التطرف متمثل في الجانب الديني فقط، وهذا خاطئ لأن التطرف منتشر في مختلف المجالات، مشيرة إلى أن المتطرف به صفات معينة فعلى المستوى العقلي ليس لديه القدرة على التفكير في الرأي الأخر، والمستوى العاطفي فهو اندفاعي بلا إنسانية، وأخيرًا السلوكي متمثل في العنف بلا تعقل.
وأكدت “هاشم” على أهمية دور المراكز الثقافية في حث الفرد على ضرورة التغيير وتطرح أمامه البدائل دون دفعه إلى طريق معين، عن طريق إتاحة الإمكانيات الثقافية والتعليمية التي يحتاج إليها، مضيفة أن ظاهرة التطرف ليست وليدة العصر ولكنها ظهرت بصورة كبيرة في الفترة الأخيرة، داعية المراكز الثقافية أن تكون منارة للتنوير.
وقال مختار بن نصر، رئيس المجلس التونسي لدراسات الأمن الشامل، إن الإرهابيين يمنحون المتطرف فكرة جاهزة فهو لا يبذل أي مجهود في التفكير، موضحًا أن الشباب المهمش يقع بين أيدي جماعات تصنع منه بطل بعد السيطرة عليه فكريًا وتبدأ بفصله عن محيطه وأصدقائه ثم عن أسرته ودولته وحتى نفسه.
وأشار “بن نصر” إلى أن التطرف فكر ولا يمكن أن يعالج إلا بالفكر، وأغلب الدول وضعت استراتيجيات لمواجهة الإرهاب والتي تتمحور حول الجهود العسكرية، ولكن لابد من وضع استراتيجيات لتفكيك هذا الفكر أولا، مؤكدًا على ضرورة الاهتمام بالجانب الاجتماعي والاقتصادي.
وقال وائل فاروق، استاذ علم الاجتماع بإيطاليا ، إن الإرهاب ليس جديد على المجتمعات الأوروبية، فمنذ الحرب العالمية الثانية لم يمر عام بدون حادثة إرهاب أو عنف، بسبب إقصاء الأيديولوجيات الكبرى من تلك المجتمعات، والعالم الآن يعيش في عصر يجرد المعرفة والعلم من الخبرة الإنسانية، وهو ما يمثل إقصاء للبعد الإنساني الذي ينتج معني للحياة.
وقال أيمن بكر، إن التطرف هو الإيمان بمعتقد سواء كان ديني أو سياسي في أقصى درجاته، وهو الوجه الأخر لعملة اليقين المطلق غير القابل للنقاش، إلا أن الوضع الأصعب والأخطر الآن أن اليقين السياسي اقترن بالعنف، مشيرًا إلى أن الاستعمار كان له العامل الأكبر في نشر التطرف، فهو لا ينمو إلا من خلال استخدم أدوات محلية الصنع لضمان وجودة واستمراره.
وشهد اليوم الثاني من المؤتمر أيضا جلسة بعنوان “النقد الأدبي والفني”، أدارها الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي، وتحدث فيها كل من الكاتب الأردني الأستاذ حسين دعسه، والباحث في مجال الحركات الإسلامية الأستاذ سعيد شحاته، والكاتب الصحفي المصري الدكتور يسري عبد الله، والناشرة اللبنانية رشا الأمير.
وأشار طارق الشناوي في البداية إلى أن ظاهرة التطرف والإرهاب تعود لأزمنة بعيدة وأن مصر من أكثر الدول التي تواجه هذه الظاهرة بالقوى الناعمة، ولكنها مازالت محاولات غير مكتملة، فلم نستطع حتى الآن تقديم فيلم أو أغنية أو دراما لمواجهة التطرف. وأكد على أن مكمن الخطر هو الأفكار والمفاهيم المترسخة داخل العقول والتي تأتي من التنشئة داخل البيت والمدرسة والشارع، وأن عمق ثقافة الشعب المصري هو التسامح والتي يجب أن يعود إليها مرة أخرى من خلال الفن والسينما والدراما.
وأشار الأستاذ حسين دعسه إلى علاقة السلطة السياسية بالفن خاصة في دول العالم الثالث، وقال أن التطرف هو جزء من واقعنا ولكنه لا ينبع من الدين فقط، فالتشعبات الهائلة التي واجهت حركة الإبداع العربي مثل قضايا المنع والرقابة قد عانى منها الكثير من المبدعين العرب في مصر ولبنان والعراق والأردن، وهي بالطبع تتعلق بأمور دينية وسياسية وثقافية. كما أن
التشتت والتشعب الهائل في الإعلام الإلكتروني والرقمي والتي تتعامل مع القضايا بطرق وتوجهات مختلفة مما أسس للتطرف والإرهاب الذي نراه الآن.
كما نعت رشا الأمير كلًا من الحريات والكتب الورقية داخل المجتمع اللبناني، فلبنان عرفت تاريخيًا بمساحة كبيرة من الحريات، ولكن اليوم هناك الكثير من الإعلاميين يُحالون للمحاكمات العسكرية.
من جانبه أكد سعيد شحاتة على أن الفن يمثل تهديدًا خطيرًا للتطرف، ويجب أن يتعرض الطفل للفن منذ الصغر لكي يحصنه ويقويه ضد الكراهية والتعصب والقتل، فقد أكدت بعض الدراسات على أن للفن 10 أسباب فهو الذي يشكل شخصية الطفل، ويشجع الإبداع، ويحسن مستواه الدراسي، وبالتالي يصعد على السلم الاجتماعي، كما أنه يؤدي للثقة في النفس، والقدرة على اتخاذ القرار والقدرة على الاهتمام والتركيز والتعامل مع الآخر، كما أنه يمكننا فهم توجهات الطفل من خلال الفن الذي يمارسه.
وأشار شحاتة إلى الاهتمام الأوروبي بالفن في مواجهة التطرف، حيث اهتمت بريطانيا على سبيل المثال بدور المتاحف وخصصت زيارات لأهم المعالم الثقافية في البلد، وكذلك اهتمت العديد من الأكاديميات البريطانية بتعليم الرقص، كما تقوم الحكومة البريطانية بمحاولات عدة للوصول إلى الأقليات وتعريض الأطفال بصورة دائمة للفن والموسيقى.
وأوضح شحاتة في نهاية كلمته بأن مصر عليها حمل كبير، من خلال نقاباتها الفنية ومجتمعها المدني، للاهتمام بالثقافة والفن والوصول إلى مختلف طبقات المجتمع.