المسلة السياحية
الرياض
د.عماد بن محمود منشي
أستاذ إدارة الفعاليات والإدارة السياحية – كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود
غرد حساب الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني عبر منصة تويتر يوم الجمعة الماضية قائلاً: “ارتفع ترتيب المملكة في المؤشر العام لتنافسية السياحة والسفر خلال عام 2017 إلى المرتبة 63 من بين 136 دولة،” وهي تغريدة مهمة تسلط الضوء على الموقع المتواضع الذي وصلت له السياحة السعودية حتى الآن، إذ يُعد تقرير تنافسية السفر والسياحة الصادر من المنتدى الإقتصادي العالمي أهم تقارير صناعة السياحة العالمية وأعلاها موثوقية، وقد بدأ إصداره كل سنتين منذ العام 2009م. يعتمد التقرير الذي تطور بشكل ملحوظ على حسابات رياضية، وأربعة عشر مؤشراً موزعة على أربعة محاور – حسب الإصدار الخامس الذي صدر يوم 5 أبريل 2017م: البيئة التمكينية (1. بيئة الأعمال، 2. السلامة والأمن، 3. الصحة والنظافة، 4. الموارد البشرية وسوق العمل، 5. تقنية المعلومات والإتصالات)، وأنظمة السفر والسياحة والظروف التمكينية (6. تحديد أولويات السفر والسياحة، 7. الإنفتاح الدولي، 8. تنافسية السعر، 9. الإستدامة البيئية)، والبنى التحتية (10. البنى التحتية للنقل الجوي، 11. البنى التحتية الأرضية والموانئ، 12. البنى التحتية للخدمات السياحية)، والموارد الطبيعية والإقتصادية (13. الموارد الطبيعية، و 14. الموارد الثقافية والسفر التجاري).
إحتلت صناعة السفر والسياحة السعودية المركز الحادي والسبعين عام 2009م (3.89 نقطة)، ثم تقدمت للمركز الثاني والستين عام 2011م كأفضل مركز تحققه منذ إنطلاقة المؤشر (4.17 نقطة)، وتحافظ عليه في عام 2013م (4.17 نقطة)، لتتراجع للمركز الرابع والستين عام 2015م (3.80 نقطة)، ثم تعاود التقدم لتحتل المركز الثالث والستين في العام الماضي (3.82 نقطة).
في هذا الإصدار تصدرت ماليزيا دول العالم الإسلامي في المركز السادس والعشرين (4.50 نقطة)، وتراجعت الإمارات خمسة مراكز لتحتل المركز التاسع والعشرين (4.49 نقطة متساوية مع البرازيل ولوكسمبورج)، فيما جاءت إندونيسيا في المركز الثاني والأربعين (4.16 نقطة)، وتركيا في المركز الرابع والأربعين (4.14 نقطة)، وقطر في المركز السابع والأربعين (4.08 نقطة)، وموريشيوس في المركز الخامس والخمسين (3.92 نقطة)، والبحرين في المركز الستين (3.89 نقطة)، ودولة الإحتلال في المركز الحادي والستين (3.84 نقطة).
تقدم السعودية مركزاً واحداً مابين عامي 2015م و2017م، لا يزال دون المأمول، بغض النظر عن تقدمها على وجهات سياحية مرموقة مثل المغرب بالمركز 65، وعمان بالمركز 66، ومصر بالمركز 74، والأردن بالمركز 75، وتونس بالمركز 87.
فالسياحة السعودية مقارنة بالوجهات التي سبقتها والتي تأخرت عنها، تمتلك تنوعاً ثقافياً وتراثياً لا مثيل له في العالم، والوحيدة التي تستضيف فعالية ضخمة سنوياً، وشواطئ مناطق تبوك والمدينة وعسير وجازان والشعب المرجانية والآثار الغارقة في البحر الأحمر، تفوق في جاذبيتها شواطئ ماليزيا والإمارات وإندونيسيا وتركيا مجتمعة، والعلا تفوق في مساحتها وجاذبيتها بتراء الأردن، والآثار بمحافظة أحد رفيدة تفوق في حجمها أهرامات الجيزة، ومرتفعات الباحة وعسير وجازان تفوق في جاذبيتها عمان وتونس.
ولا يعتد أيضاً بوجود صناعة السفر والسياحة السعودية في النصف الأول من القائمة، لأن الدول التي تذيلت القائمة غير مهتمة بهذه الصناعة، أو أنها تعاني من أزمات سياسية وأمنية، فعلى سبيل المثال، الدول الإسلامية التي تذيلت القائمة مبتعدة عن أي منافسة، جاءت على النحو التالي، إيران بالمركز 93، ولبنان بالمركز 96، والكويت بالمركز 100، والجزائر بالمركز 113، فيما احتلت اليمن المركز الأخير – 136.
المركز الثالث والستون لتنافسية السفر والسياحة السعودية يُعد مؤشراً لتواضع الإنجازات التي حققتها الصناعة خلال العقدين الماضيين، فوتيرة التطور في قطاع النقل الجوي كانت بطيئة، فمرافق وخدمات مطاري الملك خالد وعبدالعزيز الدوليين لم تشهد تطوراً ملحوظاً، وكذلك خدمات الناقل الوطني، ووتيرة دخول الناقلات الإقتصادية، وهو حال قطاع النقل البري بين المدن وداخل المدن، وعدم إستحداث قطاع النقل البحري السياحي حتى الآن، وحتى المبادرات الإستراتيجية المائتين والخمسين للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني والتي بُنيت على أسس علمية، وبذلت فيها جهود جبارة، لم تحقق نتائجها المنشودة، مثل تطوير شاطئ العقير، وقرار تحويل سوق عكاظ لمدينة دائمة مؤخراً، ومعرض روائع الآثار الذي يجوب العالم، ومبادرة لا تترك أثر، فضلاً عن الفعاليات الرياضية حول المملكة التي كانت تشرف عليها الرئاسة العامة لرعاية الشباب – قبل تغيير مسماها مؤخراً.
كل هذه الجهود والمبادرات ساهمت في نقل تنافسية السفر والسياحة السعودية من المركز الحادي والسبعين في عام 2009م إلى المركز الثالث والستين في عام 2017م، ولكن النقلة الحقيقة بدأت تظهر ملامحها خلال العامين الماضيين، بعد إعلانات رؤية السعودية 2030، وإستهداف 30 مليون معتمر، ومضاعفة أعداد الحجاج، وتأشيرة السياحة، ومدينة نيوم، ومدينة القدية، ومشروع البحر الأحمر، وشركتين للإستثمار في السياحة والترفيه، وهيئات الترفيه والعلا والدرعية ونيوم، وتحويل رئاسة الشباب لهيئة رياضية فعّالة في استقطاب الفعاليات الرياضية الدولية، فضلاً عن ثلاثين قراراً ومشروعاً آخر.
كل هذه البشائر كفيلة بنقل ترتيب تنافسية السفر والسياحة السعودية من المركز 63 إلى المركز 23، لتكون الوجهة السياحية الأهم على مستوى العالم العربي، ومنافسة حقيقية لأفضل الوجهات السياحية على مستوى العالم بحلول العام 2025م – حين تبصر جميع المشاريع الضخمة النور.
لتحقيق الأهداف الإستراتيجية لصناعة السياحة السعودية ودعم مركزها التنافسي ضمن مؤشر تنافسية السفر والسياحة، على المنظمات الحكومية مناقشة كل محور من المحاور الأربعة عشر ضمن النسخة الخامسة للتقرير، وفي مقدمة تلك المنظمات وزارات النقل، والحج والعمرة، وهيئات ومؤسسات الطيران، والموانئ، والسكك الحديدة، والسياحة، والترفيه، والرياضة، والعلا، والدرعية، ونيوم، والبرنامج الوطني للمعارض والمؤتمرات.
ومن المناسب أن تخصص جلسة عمل ثابتة وورش عمل دائمة ضمن منتديات وملتقيات جدة والرياض الإقتصاديين، والسفر والإستثمار السياحي، وصناعة الإجتماعات، مع طرح التساؤلات الصحيحة، ودعوة الأكاديميين في العلوم السياحية، وخبراء السياحة والضيافة والفعاليات والترفيه والإستجمام والأنشطة الرياضية من داخل المملكة وخارجها، والشفافية في نشر مخرجات هذه الفعاليات، لتكون صناعة السياحة خياراً استراتيجياً بديلاً لصناعة النفط.