المسلة السياحية
كتب : د. عبد الرحيم ريحان
القاهرة – صدر كتاب جامع الشيخ الشاورى بفرشوط (1192 هـ / 1778م ) دراسة تاريخية وثائقية للدكتور محمود عبد الوهاب مدنى مدير عام الشئون الأثرية بمنطقة آثار نجع حمادى، يتناول الكتاب تاريخ مدينة فرشوط ومسجد الشيخ الشاورى والوثائق المتعلقة به بالوصف والتحليل.
وتعتبر مدينة فرشوط من المدن الهامة فى صعيد مصر وقد وردت فى جغرافية أميلينو باسم فرجوط وفى السينكسار باسم فرجود وفى دفاتر الروزنامه القديمة وتاريخ سنة 1231هـ باسمها الحالى فرشوط ، وقد أصبحت مدينة فرشوط عاصمة لإقليم جنوب الصعيد من جنوب أسيوط وحتى إسنا ما لا يقل عن أربع سنوات ( 1765 – 1769هـ ).
سيرة الشيخ الشاورى
ويتضمن الكتاب سيرة الشيخ الشاورى وهو الشيخ صالح بن الإمام الفقيه الشيخ على بن صالح بن موسى بن أحمد بن عمارة أبوالحسن الشاورى المالكى ، وبنى شاور هم إحدى القبائل العربية اليمنية التى نسب إليهم العديد من العلماء وقواد الجيوش وغيرهم ، ولقد نزح بنى شاور من اليمن إلى مصر المحروسة واستقروا بالشرقية وميت غمر ومصر المحروسة ، ومنهم من قدم إلى الصعيد واستقر بمدينة فرشوط وقرية الشاورية.
استخراج تأشيرة مصر الإلكترونية
وكان الشيخ الشاورى عالمًا فقيهًا بأمور الدين يحفظ القرآن ويتلوه وعرف بالتقوى والصلاح وجهاده فى سبيل الله بالكلمة والمال، وله عددًا من الكتب سواءً الذى ألفها أوالتى يمتلكها برواق السادة الصعايدة بالأزهر الشريف ما يزيد عددها عن 150 كتابا وللأسف فقد تعرضت هذه الكتب لحريق قضى على معظمها حيث تتضمن إحدى الوثائق الخاصة بالشيخ حصر وتقويم الكتب المخلفة عن الشيخ صالح على صالح الشاورى وأعدادها وثمنها بالقرش الصاغ وكذا أسماء الورثة الشرعيون لتلك الكتب وموقع عليها من عددًا من علماء الأزهر الشريف وهذه الوثيقة مؤرخة بعام 1226هـ .
على الشاورى
وكان والده الشيخ على– رحمة الله عليه – من علماء الأزهر الشريف ومن المتفقهين فى علوم الدين فقد كان مفتيًا لمدينة فرشوط، حيث قرأ بالأزهر الشريف ولازم العلامة الشيخ على العدوى وسمع الحديث من الشيخ أحمد بن مصطفى السكندرى، وابن الطيب والصعيدى وغيرهم من مشايخ الأزهر الشريف، ولقد قدم الشيخ على الشاورى إلى مدينة فرشوط وتولى الإفتاء فيها على المذهب المالكى ،وكان له بشيخ العرب همام صحبة أكيدة، وكانت شفاعات العلماء مقبولة عنده بعناية.
الدين الصحيح
لذلك راج أمره واشتهر ذكره وذاع صيته وكان حسن المذاكرة والمحاورة محتشمًا فى نفسه مجملًا فى ملابسة وجيهًا معتبرًا فى الأعين، ولقد كان الشيخ على صالح الشاورى من العلماء البارزين الذين أسهموا فى نشر وتوضيح تعاليم ومفاهيم الدين الصحيحة وعلوم الشريعة الإسلامية وتدريس أصول الفقه والسنة النبوية الشريفة بمدينة فرشوط ، كما كان له دور بارز فى رفع العديد من المظالم التى كانت تقع من الحاكم أو الكاشف أو المماليك على الناس .
مسجد الشاورى
يشير الدكتور محمود عبد الوهاب مدنى إلى أن الشيخ الشاورى أنشأ مسجده الجامع بمدينة فرشوط عام (1192هـ /1778م)، والذى أصبح منارًا للعلم ومركز إشعاع لنشر وتدريس علوم الشريعة الإسلامية، وعلوم الحديث والتفسير والفقه والسنة النبوية الشريفة، وإلقاء دروس الوعظ والإرشاد وتعريف الناس بتعاليم الدين الصحيحة، وذلك لحرص الشيخ الشديد على نشر التعاليم الدينية الصحيحة بمدينة فرشوط.
مدينة فرشوط
وقد لعب جامع الشاورى دورًا سياسيًا وإعلاميًا واجتماعيًا هاما بمدينة فرشوط وقد ساعده على ذلك أهمية مدينة فرشوط بالنسبة للمدن والقرى المجاورة وموقعة المتميز بوسط المدينة فى منطقة السوق وفترة الاضطرابات التى كانت تمر بها البلاد، حيث كان القاضى يجلس به أو أمامه ليقضى بين الناسويفتيهم فى أمور دينهم ودنياهم وأخذ العهود عليهم.
المراسيم والأخبار
ونظرا لأهمية الجامع الكبيرة فقد كان يتم منه الإعلان عن المراسيم والأخبار والأوامر التى ترد من السلطات الحاكمة، والمراسيم هى تلك النقوش التى يصدرها الحكام والأمراء والقضاة ويكون لها قوة القانون وهى تتعلق بالعديد من الإعفاءات والمسامحات وإبطال بعض الضرائب أو المكوس والمظالم أو تخفيضها، فضلا عن بعض الأوامر الإدارية الأخرى، وبه أيضا كان يتم طرق النحاسات ( النقرزان ) التى تقع أعلى مئذنة الجامع للإعلان عن موعد الإفطار والسحور فى شهر رمضان المبارك، وفى مواكب الولاة والقواد والاحتفالات الدينية وموالد الأولياء والحروب وغيرها، وفى وفاة العلماء وعلية القوم، حتى أنه ارتبط عند أهالى مدينة فرشوط بضرورة الصلاة على المتوفى بجامع الشاورى دون غيره من الجوامع،ومن على منبره كانت تعلن الأوامر وتعلق على جدرانه المراسيم .
وثائق تآريخ
كما تعتبر مجموعة وثائق الشيخ الشاورى من أهم المجموعات التى تؤرخ لخطط مدينة فرشوط فى القرنين 18/19م ، والتى توضح أيضا التركيب الطبقى لسكان المدينة، وأيضا بيان الكثير عن طوائف الحرفيين والتجار ومعاملاتهم التجارية فى القرنين 18/19م .
وفاة الشيخ الشاورى
يشير الدكتور محمود مدنى إلى أنه لما تغيرت أحوال الصعيد قدم الشيخ الشاورى إلى مصر مع إبن شيخ العرب همام ،ثم توجه إلى طندتا ( طنطا ) وكان به مرض فيجلس أياما وهو ملازم للفراش فزار وعاد إلى مصر، وتوفى يوم دخوله إلى بولاق نهار الثلاثاء ثالث عشر شعبان عام 1185هـ ، وكان يوم مطير به رعد وبرق فوصل خبره إلى الجامع الأزهر فخرج إليه الشيخ على الصعيدى وكثير من العلماء وتخلف من تخلف لذلك العذر فجهزوه هناك وكفنوه وأتوا به إلى الأزهر ،وأراد الشيخ الصعيدى دفنه فى مدفن عبدالرحمن كتخدا لصعوبة الذهاب به إلى القرافة فدفنوه بالمجاورين بجانب تربة الشيخ الصعيدى التى دفن فيها.
التخطيط العام للجامع
ويصف الدكتور محمود عبد الوهاب مدنى تخطيط جامع الشيخ الشاورى موضحًا أنه مثال جيد لنمط عمارة المساجد فى الأقاليم المصرية فى العصر العثمانى، فقد احتفظ الجامع بكل الموروثات المحلية وإن كان هذا لم يمنع من ظهور بعض المؤثرات العثمانية، ويتكون تخطيط جامع الشيخ الشاورى من صحن أوسط مغطى بشخشيخة خشبية تحيط به أربعة أروقة من جهاته الأربع، ويتشابه تخطيط جامع الشاورى تماما مع تخطيط الجامع العتيق ( الجامع الجديد ) الموجود حاليا والذى يقع إلى الشمال منه فى نفس الشارع (شارع أبوهريرة )، وذلك من حيث تخطيط صحن الجامع وشكل الأعمدة ووجود المقصورة التى يطل عليها الجامع من الناحية الغربية، والحوانيت التى تتقدمها والمصلى الجنوبى وموقع المئذنة وكذا شكل دورات المياه وتخطيطها، إلا أن جامع الشاورى كان أصغر فى المساحة ويحتوى على دكة مبلغ (مؤذن ) فى الرواق الشمالى ، ولقد نقش على العتب الخشبى الذى يعلو المدخل الشمالى للجامع ابيات شعرية نصه:-
يا مسـجد الأنــوار والأسـرار ***** يا مربـع الأمـلاك والأنــوار *
لازال يعـلو مـن بنـاك مراتبـا ***** تدنيه من رب السـما الغفــار *
يا صالح ابشر بـبـيت مشـرف ***** فى جــنـة بالـحـور والأنـهـار *
أخلصت فيه لوجـهـه سبـحانـه ***** فحييت من أهل الكرام الخيار *
وأخوك أحمد قال فيه مؤرخا ***** أعطـاك ربـك نعمـة بوقـار 1192*
الجامع من الداخل
يوضح الدكتور محمود عبد الوهاب أن الجامع من الداخل يشتمل على ثلاثة صفوف من الأعمدة الحجرية المستديرة ( تشبه المرمر ) عددها 12 عمود، منها أربعة أعمدة فى رواق القبلة ،وأربعة أعمدة فى الرواق الشمالى نوعمود فى الرواق الشرقى، وعمود فى الرواق الغربى وينتهى كل عمود من أعلى بحلية مستديرة الشكل، ولكل من هذه الأعمدة قاعدة حجرية وتاج مربع الشكل به زخارف هندسية وتعلو تيجان الأعمدة مخدات خشبية بها بعض الحزوز، وتعلو تيجان الأعمدة روابط خشبية تسير بشكل عمودى وموازى لجدار القبلة، وكل من هذه الروابط عبارة عن برطوم خشبى ممتد بين أرجل العقود لحمل وسائل الإضاءة، ويرتكز على تيجان الأعمدة عقود نصف دائرية ثم يرتفع البناء فوق كوشات تلك العقود حتى نهاية ارتفاع المبانى حيث يرتكز عليها سقف الجامع .