المسلة السياحية
بقلم الصحفى : مجدي الدقاق
أثناء رئاسته لمنظمة تضامن الشعوب الأفرو- آسيوية ، روي لي أستاذي واخي الكبير الكاتب والمفكر البارز الأستاذ أحمد حمروش ، بعضاً من ذكرياته التي لم تنشر في كتبه التي سجلت صفحات مهمة من تاريخ مصر المعاصر ، وكان حمروش منتميا ً في شبابه لتنظيم يساري هو الأشهر في تاريخ التنظيمات اليسارية المصرية ، الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني ، ويطلق عليه إختصاراً ( حدتو ) و أحد رجال الصف الثاني في مجلس قيادة الثورة الذي قاد مصر عقب حركة يوليو 1952 ، ولم يتول منصباً سياسياً ، وفضٓل تحمل مسئولية مؤسسات إعلامية وثقافية لعبت دورا ً بارزا ً في النهضة الفكرية والفنية والثقافية التي شهدتها مصر خلال فترة الستينيات … وظل لفترة رئيساً لمنظمة التضامن التي لعبت دوراً مهما ً في التقارب بين شعوب القارتين الأفريقية والأسيوية ودول عدم الانحياز في مواجهة الصراع الدولي بين القطبين الكبيرين ، الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية .
وخلال هذه الفترة في أواخر الثمانينات ، ترأس حمروش وفداً من أعضاء منظمة التضامن يتألف من 6 شخصيات مصرية ، وزار جمهورية كوريا االديمقراطية الشعبية ، وهو الأسم الرسمي لكوريا الشمالية ، وعقد عدة إجتماعات مع منظمات شعبية وقيادات حزب العمل الكوري ، انتظاراً للموعد الكبير مع الرئيس “كيم إيل سونج “رئيس الجمهورية ، وفي كل لقاء كان الكوريون يرحبون بالوفد المصري قائلين ( أهلا بكم في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية ، بلد الزعيم المحبوب لأربعين مليون كوري ) ..!
وتحدد موعد اللقاء مع الرئيس كيم ، واستقبل الوفد المصري وقام أحد مساعديه بتقديم الوفد ثم كرر الجملة الذي سمعها الوفد في كل اللقاءات ، قائلاً الفقرة الاخيرة مرتين ( بلد الزعيم المحبوب لأربعين مليون كوري ) ، وهنا غلب الطابع الفكاهي أحد أعضاء الوفد ، وعدل رقم المحبين قائلاً : (الزعيم المحبوب لأربعين مليون كوري ، وسبعة مصريين ) … الطريف أن المترجم أسرع في نقل العبارة بالكورية ، واستحسن الزعيم ومساعدوه ، حب 7 مصريين للزعيم المحبوب ، ليضاف إلي الأربعين مليون كوري ، ولم ينتبه أحد لطبيعة الدعابة ،التي تحمل أكثر من معني.. !
وعندما روي لي الاستاذ حمروش هذه الواقعة ، ضحكت وقلت له ، ألا يوجد كوري واحد يكره الزعيم ، أو يختلف معه ، أو حتي ‘ زعلان’ منه ؟ ، فضحك ضحكة عالية عبرت عن إعجابه بسؤالي المغلف بالاستنكار والدهشة ولم يعلق وهو السياسي والدبلوماسي والمثقف المحنك .
أعترف أنني في صباي كنت مبهوراً بتجربة “ماو” في الصين ، و”كيم” في كوريا ، و”كاسترو” في كوبا ، و( العم هو ) هوشي منه في فيتنام ، وبالطبع بالرفيق الحديدي “جوزيف ستالين” ، بالمقابل ، كان موقفي حاداً ورافضاً لنازية هتلر وفاشية موسوليني ، وغباء “فرانكو “، وكل الديكتاتوريات العسكرية في دول أمريكا اللاتينية والعالم الثالث، ولكن إعجابي بالرفاق وإشتراكيتهم ، زلزلتها ميولي الانسانية نحو الحريات وحق الإبداع والاختيار وعززتها تلك القصص القادمة من خلف بلدان الستار الحديدي بالتعبير المستخدم من خصوم المعسكر الإشتراكي !
صحيح أن بعضها تم ‘فبركتها ‘ من قِبل أجهزة الغرب الاستعماري ، وبعض نجومها المنشقين تم تحضيرهم في معامل الاستخبارات الغربية والأمريكية، وكل ما شهدته ساحات دول المعسكر الاشتراكي من ‘ ربيع ‘ ، بدءا ببراغ وصولا لجدانسك في بولندا ، تم وضع خطوطه العريضة في غرف عمليات حلف الأطلنطي ، ومكاتب CIA في واشنطن وعواصم أوروبية وتطورت بعد ذلك إلي ما عرف بالثورات البرتقالية ، التي تم نقلها حرفياً الي عالمنا العربي بإسم الربيع أيضاً.
ورغم إنحيازي لافكار العدل الاجتماعي والاستقلال الوطني ،إلا انني لم أكن مرتاحاً لفكرة عبادة الفرد ، والزعيم القائد ، وكيف نبتت الزهور عندما سقطت دموع الرئيس المحبوب علي الأرض فتحولت لشجرة مقدسة ، أو عندما يتم نفي أديب او مفكر ومصادرة إبداعه وإرساله لمعسكرات السخرة أو إعادة التأهيل ، أو إنشقاقات الرفاق ثم مطاردتهم وإغتيالهم أو سجنهم ، أو سجن شاب أحب فتاة فرنسية بتهمة الاتصال بأجنبية ..!!
فكرة الرئيس القائد ، المعلم ، الملهم ، الفيلسوف ، المرجع ، الخالد أبداً ، فكرة هزمها الزمن والواقع ، وأصبح من الضروري البحث عن الرئيس المواطن ، الإنسان ، الذي يأتي هو وحزبه بالانتخاب الحر ، و بمحبين ومؤيدين لا يتجاوزون 60 بالمائة من عدد الناخبين وليس مهما أن يحبه او ينتخبه” 99 بالمائة” من الشعب ..!
مجدي الدقاق – القاهرة 5 مارس 2018