المسلة السياحية
بقلم : د. عبدالرحيم ريحان
أقسم سبحانه وتعالى بالتين والزيتون وهى أرض القدس الشريف ،وطور سيناء وهو جبل الطور بالوادى المقدس طوى بسيناء (منطقة سانت كاترين حاليًا) ،والبلد الأمين وهى مكة المكرمة ولهذا فهذه الأماكن هى أقدس وأطهر أماكن على وجه الأرض… وحين فتح القدس عام 15 هـ – 636م فإن أول ما فعله الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه هو البحث عن مكان المسجد الأقصى والصخرة المقدسة واضعًا نصب عينيه الرواية التى سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، وسأل الصحابة وكعب الأحبار (وهو من اليهود الذين أسلموا ) والبطريرك صفرنيوس بطريرك القدس، وكان عمر بن الخطاب يراجع المرافقين له حين يدلونه على مكان لا يجد أوصافه تنطبق على ما لديه قائلًا ( لقد وصف لى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد بصفة ما هى عليه هذه ) .
والمقصود بالمسجد الأقصى هى البقعة المباركة التى أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم إليها وصلى فيها إمامًا بجميع الأنبياء وليس المسجد كبناء والصخرة المقدسة هى التى عرج منها للسموات العلى وقد عثر الخليفة عمر بن الخطاب على مكان المسجد الأقصى والصخرة المقدسة وكان المكان مطمورًا بالأتربة التى تكاد تخفى معالمه وعند رفع الأتربة كان المكان خالى تمامًا من بقايا أى مبانى سابقة .
وذلك يفند الإدّعاء بأن الإمبراطور الرومانى تيتوس قد دمر الهيكل الثانى عام 69م فعندما رفع الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه الأتربة لم يكن هناك ولو حجر واحد من مبانى سابقة ولا أى شواهد أثرية تدل عليه، وهذا يؤكد عدم وجود ما يسمى بالهيكل الثانى مما يترتب عليه عدم وجود هيكل أول من الأصل .
وقد أقام الخليفة عمر بن الخطاب مسجدًا موضع المسجد الأول الذى عثر عليه وأقام ظلة من الخشب فوق الصخرة المقدسة، وعندما جاء الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان بنى قبة الصخرة فوق الصخرة المقدسة عام 72هـ – 691م ثم بنى الخليفة الوليد بن عبد الملك المسجد الأقصى عام 86هـ – 709م.
ويؤكد منبر الحضارة أن المسجد الأقصى المذكور فى سورة الإسراء أية 1 ليس المقصود به المسجد كبناء معمارى فلم يكن هذا البناء قائمًا بالقدس سنة 621م ليلة الإسراء وإنما المقصود بالمسجد الأقصى مدينة القدس كلها ،وكذلك عبارة المسجد الحرام تعنى كل مدينة مكة ولا تقتصر على الكعبة والمسجد الحرام فقط.
وأن ما يسمى خطأ بحائط المبكى على أنه من بقايا الهيكل القديم فقد فصل فى هذه القضية منذ عام 1929م ، وأكدته اليونسكو مؤخرًا حيث جاء فى تقرير لجنة تقصى الحقائق التى أوفدتها عصبة الأمم السابقة على الأمم المتحدة عام 1929(إن حق ملكية حائط المبكى – البراق – وحق التصرف فيه ، وفيما جاوره من الأماكن موضع البحث فى هذا التقرير هى للمسلمين لأن الحائط نفسه جزء لا يتجزأ من الحرم الشريف.
وأن الحفائر الأثرية أسفل المسجد الأقصى أكدت هذه الحقيقة العلمية بأن المسجد الأقصى واقع دينى ومعمارى والهيكل المزعوم وهم ،وقد قامت عالمة الآثار البريطانية كاثلين كينيون بأعمال حفريات بالقدس وطردت من فلسطين بسبب فضحها للأساطير الإسرائيلية حول وجود آثار لهيكل سليمان أسفل المسجد الأقصى، ولقد اكتشفت أن ما يسميه الإسرائيليون مبنى إسطبلات سليمان ليس له علاقة بنبى الله سليمان عليه السلام ولا إسطبلات من الأصل بل هو نموذج معمارى لقصر شائع البناء فى عدة مناطق بفلسطين ولقد نشرت هذا فى كتابها (آثار الأرض المقدسة).
حقيقة الهيكل المزعوم
أسطورة الهيكل المزعوم هى أكبر جريمة تزوير للتاريخ فما هى حقيقة الهيكل المزعوم؟ وما علاقة نبى الله سليمان بهذا الهيكل؟ ما هو تابوت العهد؟ ما هى قصة بناء الهيكل؟ ما هى علاقة نبى الله سليمان باليهود؟ أين المسجد الأقصى والصخرة المقدسة الذى أسرى برسول الله (صلى الله عليه وسلم) إليهما؟
نشير فى البداية إلى ما ذكره اليهود أن نبى الله سليمان بنى هيكلًا وثنيًا مقصود به مكان لحفظ تابوت العهد وأن هذا الهيكل يزخر بالرموز الوثنية والأساطير الخاصة بعبادة الآلهة الكنعانية، وأن نبى الله سليمان بنى الهيكل لإله اليهود يهوه أو ياهو وهذا يعنى أن الهيكل بنى لحفظ تابوت العهد ، فإذا أثبتنا أن تابوت العهد لا وجود له فى عهد نبى الله سليمان، إذًا فلا حاجة لبناء الهيكل من الأصل…
ويدّعى اليهود أن نبى الله سليمان كان يعبد إله غير الذى كان يعبده باقى الأنبياء وهو ياهو إله بنى إسرائيل وأنه كان من عبدة الأوثان لأنه بنى معبدًا يزخر بالرموز الوثنية ،فإذا أثبتنا أن نبى الله سليمان لم يكن من عبدة الأوثان وكان يعبد الله رب العالمين كسائر الأنبياء فهذا يعنى أنه لا حاجة لبناء هيكل ضخم كما وصفه اليهود لإله اليهود يهوه .
تابوت العهد
تابوت العهد هو صندوق مصنوع من خشب السنط أودع به لوحى الشهادة اللذان نقشت عليهما الشريعة وتلقاها نبى الله موسى عليه السلام بسيناء ،وكان بنى إسرائيل يحملونه معهم أينما ذهبوا ولقد نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية فى عدد 7 فبراير 1997 أن منليك بن سيدنا سليمان من بلقيس ملكة سبأ سرق تابوت العهد من أبيه أثناء بناء الهيكل وهرب به إلى الحبشة، و أن الهيكل لا يعنى أى شئ بدون تابوت العهد وأن الحفائر تحت المسجد الأقصى للتوصل للهيكل ستبوء بالفشل وستهدم المسجد ،وأضافت الصحيفة إن هذه القصة موجودة فى كتاب (ترنيمة الملوك) وهو كتاب أثيوبى كتبه الحاخام الأثيوبى ( نيبوز جيز اسحق ) فى القرن 14م .
وقد ذكر تابوت العهد فى القرآن الكريم أيام أول ملك لبنى إسرائيل وهو طالوت (الذى تذكره التوراة باسم شاؤل) سورة البقرة من أية 246 إلى 248، وكانت حدود مملكة طالوت خارج مدينة القدس حيث أقاموا أول معبد لهم فى مدينة جبعون، وكان اليبوسيون العرب ما يزالون يحكموا مدينة القدس إذًا فلا وجود لتابوت العهد بعد ذلك التاريخ ،والاحتمال الأكبر أنه فقد منهم فى أحد الحروب لأنهم لم يحافظوا على ما جاء فى لوحى الشهادة، وبالتالى فلا وجود لتابوت العهد فى عهد نبى الله سليمان .
ولو افترضنا جدلاً أن تابوت العهد كان موجودًا أثناء البناء ثم سرق منه فلماذا يكمل البناء ؟ولأى غرض سيبنيه بهذه الفخامة؟ ولقد ذكر فى القرآن الكريم ملك نبى الله سليمان وليس من بينه هيكل وثنى ،بل كان له قصر عظيم من الزجاج الصافى شاهدته بلقيس ملكة سبأ وعندما تأكدت أنه نبى الله أتاه الملك والعلم والنبوة، وليس فقط كسائر الملوك آمنت وأسلمت لله رب العالمين وليس لياهو إله بنى إسرائيل والذى يدّعى اليهود أن نبى الله سليمان كان يعبده “سورة النمل أية 44” .. فإذا كان نبى الله سليمان يعبد الله الواحد كسائر الأنبياء فلماذا يبنى هيكلًا وثنيًا لإله بنى إسرائيل ياهو كما يدّعى اليهود؟
محراب نبى الله سليمان
فى سورة سبأ أية 13 }يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادى الشكور { كلمة محاريب فى الآية الكريمة وهى جمع محراب تعنى مكان صغير للعبادة فقد كان نبى الله ذكريا يتعبد فى محراب صغير }فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب{ آل عمران39 } فخرج على قومه من المحراب{ مريم 11 .. وكانت السيدة مريم العذراء تتعبد فى محراب صغير }كلما دخل عليها ذكريا المحراب وجد عندها رزقًا {آل عمران 37 .
وكان لنبى الله داود محرابًا له سور حيث كان يخصص بعض الوقت لتصريف شئون الملك والقضاء بين الناس والبعض الآخر للخلوة والعبادة وترتيل الزبور ، وكان إذا دخل المحراب للعبادة لم يدخل إليه أحد حتى يخرج هو إلى الناس لذلك كان للمحراب سوراً حتى أنه فزع ذات يوم عندما دخل عليه شخصان من أعلى سور لمحراب ودون استئذان فى وقت كان مخصصًا للعبادة ، وهما ملكان أرسلهما الله إليه لاختبار حكمته وفصله فى المنازعات بين الناس وألّا يصدر حكمًا دون سماع الطرفين }وهل أتاك نبؤا الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط { سورة ص أية 21 ، 22 ..
إذًا نبى الله سليمان كان له محراب صغير يتعبد فيه ولما كانت مملكته واسعة فكان له عدة محاريب يتعبد فيها أينما وجد لله رب العالمين ولا علاقة له بهيكل يزخر بالرموز الوثنية لإله بنى إسرائيل ، واليهود أنفسهم لم يتّبعوا دين نبى الله سليمان وهو عبادة الله الواحد رب العالمين فهل يعقل أن يبنى لهم هيكل خاص بالإله يهوه ؟
علاقة نبى الله سليمان باليهود
لم يتبع اليهود دين نبى الله سليمان بل اتّبعوا طرق السحر التى كانت تحدثهم بها الشياطين فى عهد نبى الله سليمان، ولقد برّأ الله نبيه سليمان بأنه لم يكن ساحرًا ولا كفر بتعلمه السحر بل الله سخّر له الجن لخدمته ،ولكن الشياطين بدأت فى تعليم الناس السحر فاتبعهم اليهود }وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت { البقرة 102.
الهيكل الذى يدّعيه اليهود
أما عن الهيكل الذى يدّعيه اليهود والذى يفتقد إلى أى أدلة أثرية أو تاريخية أو دينية تؤكد صحة وجوده إلا فى مخيلاتهم ، وحتى لو سايرنا ما فى أذهانهم فإن البعض من بنى إسرائيل كانوا يعبدون آلهة أخرى إلى جانب الرب يهوه إذ كانوا يرون أنه إله أجنبى لم يستقر كما ينبغى فى كنعان، وكان لا يزال مرتبطًا بالبقاع الجنوبية من سيناء وعسير وباران (تكوين 36/20) وكانوا يعبدون آلهة مثل بعل وغيره ،ويقيمون فى أعلى الجبال الأنصاب ويطلقون لها البخور وهذا هو إفسادهم الأول وهو الشرك بالله الواحد، وقد أقاموا عددًا من المعابد ربما كان أحدهم أهمهم بالنسبة لهم فربطوا بينه وبين نبى الله سليمان وبين تابوت العهد وذلك لإيهام العالم بأن اغتصابهم للأرض العربية ومؤامرتهم لهدم المسجد الأقصى تنفيذًا للوعد الإلهى، وبحثًا عن أوهام وأكاذيب اختلقوها وصدّقها الجميع حتى صارت كالحقيقة فصدّقوها هم أنفسهم.
القدس عربية
القدس هى المدينة العربية الذى بناها اليبوسيون وأطلقوا عليها يبوس واليبوسيون هم أحد الأقوام الكنعانية السبعة ،والكنعانيون قبائل سامية نزحت من صحراء شبه الجزيرة العربية أو الصحراء السورية منذ زمن بعيد قدّر فى النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد ،وكلمة كنعانى هى صيغة النسب لكنعان وتعنى الصبغ القرمزى اللون وهو الصبغ الذى كان الكنعانيون يصنعونه ويتاجرون فيه، وهم أول من اكتشف النحاس وجمعوا بينه وبين القصدير لإنتاج البرونز .
وقد برع الكنعانيون فى البناء وإنشاء القلاع والتحصينات وأخذ عنهم العبرانيون فيما بعد حضارتهم وأبجديتهم وديانتهم ،وبدأ التسلل العبرانى لأرض كنعان ( 1250 – 1200 ق.م .) واختلطوا بسكانها الأصليين الكنعانيين ،ورغم أنهم أخذوا الكثير والكثير من الحضارة الكنعانية إلا أن هناك إدعاءات بأن الكنعانيون قد أبيدوا تمامًا على أيدى العبرانيين أو أنهم ذابوا فيهم وهذا مستحيل لأن الكنعانيون كانوا هم الشعب الأقوى وصاحب الحضارة الأكثر تفوقًا.
وخضعت (يبوس القديمة) لحكم قدماء المصريين من عهد تحتمس الثالث (1479 ق.م.) الذى أقام عليها حاكمًا من أبناء مصر ولم يحاول المصريون تمصيرها بل اكتفوا بتحصيل الجزية من سكانها وأطلقوا عليها إسمها اليبوسى (يابيشى) وتارة اسمها الكنعانى (أورو- سالم ) أى مدينة السلام، ودخل نبى الله داود عليه السلام المدينة عام 1049 ق.م. زاحفًا من حبرون واتخذها عاصمة لملكه وأسماها مدينة داود
وتعرضت القدس للغزو البابلى بقيادة نبوخذ نصّر عام 586 ق.م وأطلقوا عليها إسم “أورو سالم”..
وانتشرت اللغة البابلية وأصبحت اللغة الرسمية أما اللغة الدارجة فكانت الكنعانية حتى احتلها ملك الفرس كورش عام 538 ق.م. ثم الإسكندر عام 332 ق.م. ،وانتشرت اللغة اليونانية كلغة رسمية وكانت اللغة الدارجة الآرامية وأطلق عليها اليونانيون “يرو سالم” ثم احتلها بومبى 63 ق.م. وأصبح إسمها “هيرو ساليما” ومنها أخذت أوروبا الإسم Jerusalem .
واستولى الإمبراطور الرومانى تيتوس عام 70م على القدس، وفى عام 139م أطلق عليها الإمبراطور الرومانى أوريانوس “إيلياكابيتولينا” وتعنى بيت الله وظلت تعرف بهذا الإسم حتى أوائل الفتح الإسلامى ،وفى عام 614م احتلها الفرس ثم استعادها الرومان عام 628م وفتحها المسلمون فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه على يد الصحابى الجليل أبو عبيدة بن الجرّاح 15هـ 636م ولمكانتها العظيمة تسلم المدينة الخليفة عمر بن الخطاب بنفسه وليس قائد الجيش الفاتح وأطلقوا عليها القدس .
إحتل الصليبيون القدس عام 1099م واستردها صلاح الدين الأيوبى عام 583هـ 1187م ثم احتلتها بريطانيا من عام 1917 حتى 1947م وفى حرب 1948م سيطرت إسرائيل على الجزء الغربى من القدس بينما خضع الجزء الشرقى للأردن بما فيها المدينة القديمة التى تضم المواقع الدينية ،واستولت إسرائيل عام 1967م على القدس بأكملها ،وكان قرار ضم المدينة المقدسة فى 27/6/1967 بعد ثلاثة أسابيع من احتلالها رغم احتجاجات الرأى العام العالمى والمؤسسات الدولية وقرارات الأمم المتحدة التى نددت بهذا الإجراء ..
ثم بدأت بتوطين أعداد هائلة من اليهود فى المنطقة العربية وحولها بينما لم يكن هناك يهودى واحد فى القدس العربية قبل عام 1967، وأخذ عدد العرب يتناقص من جراء الضرائب الفادحة والقوانين الجائرة، ثم أحاطوا القدس العربية بأحياء يهودية أشبه ما تكون بالحصون العسكرية تلتف حول المدينة لفصلها عما جاورها، وبدأت ممارسات تغيير ملامح المدينة وطمس هويتها العربية الإسلامية بالعبث بالمعالم التاريخية والدينية للمدينة ،وتحويلها لبارات وملاهى ليلية للجذب السياحى.