كتب :د. عبد الرحيم ريحان
القاهرة “المسلة” ….. تحت رعاية الدكتور عبيد عبد العاطى صالح رئيس جامعة دمنهور والدكتورة حنان الشافعى عميدة كلية الآداب ورئيسة المؤتمر انعقد المؤتمر العلمى الأول لكلية الآداب جامعة دمنهور تحت عنوان ” البحيرة عبر العصور – رؤية تنموية مستقبلية ” بمقر الكلية بجامعة دمنهور فى الفترة من 11 إلى 12 أبريل ومقرر عام المؤتمر الدكتور إبراهيم مرجونة.
وعرضت ضمن فعاليات المؤتمر ورقة بحثية مشتركة بين الباحثة سلفانا جورج عطا الله باحثة دكتوراه بمعهد البحوث والدراسات القبطية بجامعة الإسكندرية والدكتورة سماح الصاوى أستاذ مساعد الآثار بكلية الآداب جامعة دمنهور تحت عنوان “رؤية آثرية لجدارية الآباء الثلاث الآوائل بدير السريان دراسة مقارنة” .
وتشير الباحثة سلفانا جورج عطا الله إلى أن التصوير كان له دورًا كبيرًا على مر العصور حيث كان يُعد مصدرًا من مصادر تدوين التاريخ للشعوب لحقب متعددة، ويعتبر التصوير الجدارى من أقدم أنواع التصوير الفنى فى تاريخ البشرية منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى الحضارات القديمة فى العالم القديم وكان يهدف الإنسان من خلال هذا التصوير التسجيل اليومى لحياته والأحداث المهمة ، فيرى علماء الآثار والحضارة أن الفن هو المقياس الصادق للحضارة.
وتوضح الدكتورة سماح الصاوى أن التصوير فى الفن المسيحى اختلف فى مفهومه ورسالته عن الفنون السابقة له، فبالإضافة إلى أنه يعد تدوينا لتاريخ وحضارة العالم المسيحى بالمفهوم المحدود ، فهو دلالة روحية وغير منظورة أعمق من المفهوم المحدود للتصوير لأنه نافذة إلى السماء بتحويله للروحانيات الغير منظورة إلى تصوير منظور ، وبهذا يخضع الفنان لتقاليد خاصة لابد أن يتقيد بها، فلا يخضع التصوير المسيحى بشكل عام لفكر او خيال الفنان ولا إلى زمن محدد ، بل أنه يشكل حالة خاصة فهو إيضاح لعقيدة مقدسة حيث نشرت الكنيسة تعاليمها بالكلام والتصوير أيضًا .
ومن هذا المنطلق يعتبر دير السريان من أهم الأديرة القبطية لأهميته الفنية والآثرية الكبيرة لاحتوائه على كنوز فنية وأثرية متمثلة فى التصوير الجدارى بالكنيسة الأثرية به والمقتنيات الآثرية الآخرى.
دير السريان
يقع دير السريان بوادى النطرون مع دير الأنبا بيشوى فى المنطقة الواقعة بين دير البراموس ودير القديس مقاريوس ويبعد عن الرست هاوس بمسافة 12كم، ويعتبر من أصغر أديرة وادى النطرون حيث تبلغ مساحته فدانًا وثلاث عشر قيراطًا .
وتوضح الباحثة سلفانا جورج عطا الله أن دير السريان أطلق عليه عدة أسماء فعرف بدير الثيؤطوكوس حيث كان من أشهر الأديرة المعروفة بذلك وكان ضمن نظام الأديرة المزدوجة التى ظهرت فى القرن الخامس الميلادى بعد دحض بدعة نسطور التى بسببها عقد مجمع أفسس 431م.
وبعده بنيت أديرة بإسم الثيؤطوكوس وعرف أيضًا بإسم دير السريان نسبة إلى الرهبان السريان الذين عاشوا جنبًا إلى جنب مع الرهبان الأقباط ، حيث اشتراه السريان فى بدايات القرن الثامن الميلادى من بطريرك الإسكندرية بحوالى 12 ألف دينار واستمر من ضمن أملاك السريان حتى القرن السادس عشر الميلادى، وعاشوا جنبًا إلى جنب مع الرهبان الأقباط وهو ما كشفته الاكتشافات الجدارية الحديثة فى هذا الدير.
الكنيسة الآثرية بدير السريان
وتوضح الدكتورة سماح الصاوى أن الكنيسة الأثرية بدير السريان وهى تعرف بكنيسة السيدة العذراء تقع فى الجانب الجنوبي الشرقي للحصن، وتعتبر من أقدم وأروع كنائس الأديرة فهى تعود إلى حوالى منتصف القرن السابع الميلادى طراز تلك الكنيسة هو البازيلكى فهى تنقسم إلى صحن وثلاثة أجنحة مع سقف خشبى، وتتميز تلك الكنيسة بالعديد من الفريسكات وتحتوى على أربع أنصاف القباب مزينه بالرسوم الجدارية حيث نستطيع من خلال تلك الفريسكات دراسة التطور الفنى لتلك الجداريات عبر حقب متعددة، حيث أنها ثرية بموضوعاتها المتنوعة سواءً من الكتاب المقدس أو تصوير بعض شخصيات القديسيين والرهبان، كذلك تعدد الألوان والتقنية لفترات مختلفة، وحتى عام 1988م كشف فقط عن ثلاثة رسوم جدارية بالكنيسة مرسومة فى أنصاف قباب، اثنين بالخورس الأمامى والثالث فى نهاية صحن الكنيسة ويعودوا إلى القرن الثالث عشر الميلادى، ثم قام فريق من الباحثين بجامعة لايدن بهولندا تحت إشراف الدكتور كارل إينمى عام 1994 لعمل مجسات على حوائط الكنيسة ، فاكتشف وجود خمس طبقات لفترات زمنية مختلفة وهى كالتالى .
1- الطبقة الأولى من القرن السابع وذات طراز قبطى.
2- الطبقة الثانية من القرن الثامن وذات طراز قبطى.
3- الطبقة الثالثة من القرن العاشر والفن خليط من الفن القبطى والسريانى.
4- الطبقة الرابعة من القرن الثالث عشر ذا طراز سريانى وبه كتابات قبطية.
5- الطبقة الخامسة من القرن الثامن عشر ذا طراز قبطى.
وتصفا الباحثتان الدكتورة سماح الصاوى والباحثة سلفانا جورج الجداريات موضع الدراسة
جدارية الأباء البطاركة العظام
مكان وجودها: الحائط الجنوبى من الكنيسة الآثرية للسيدة العذراء- دير السريان
التأريخ: العاشر – الحادى عشر الميلادى.
النوع: تمبرا
الحالة الآثرية: تساقطت الكثير من تفاصيل الجدارية وطمست رسوماته.
الوصف: يجلس الآباء الثلاث بالترتيب من اليمين على عرش كبير فى الفردوس مع نفوس صالحة متمثلة فى ثلاث شخصيات صغيرة عارية فى أحضان كل واحد من الآباء، وتحيط برؤسهم هالة دائرية باللون الذهبى وحددت بإطار خارجي باللون الأسود وحدد أيضا الوجه بخط أسود، ويرتدون الثلاث آباء التونيك والبالاي ذات ألوان بنية وبنية مائلة للإحمرار.
وتعتبر تلك الجدارية من الجداريات المهمة بدير السريان بصفة خاصة وذات أهمية كبيرة فى الفن المسيحى من الناحيتين الرمزية والفنية ، فمن الناحية الرمزية يعتبر موضوع تلك الجدارية فريد وذات أصول سورية حيث وجد تصوير الآباء البطاركة الثلاث الأوائل منتشر خارج مصر، وتعتبر تلك الجدارية فى سوريا بدير موسى الحبشى من أقدم تلك الجداريات للأباء البطاركة وتعود إلى حوالى القرنين العاشر أو الحادى عشر الميلاديين حيث صور الآباء الثلاث بجانب السيدة العذراء وهم يحملون أنفس الصالحين فى صورة رؤوس غير محددة الجنس أو معروفة الأسماء، وإلى اليمين من السيدة العذراء يقف آدم وحواء وبجانبهم ثلاث مجموعات من الآباء باللبس الكهنوتى وقد صورت تلك الجدارية فى سوريا وقت دخول كنائس الشرق خاصة سوريا والكنيسة القبطية فى صراعات مع كنيسة القسطنطينية بعد مجمع خليقدونية عام 451م وظهور الكثير من الهراطقة أمثال الكاهن آريوس والأسقف نسطور الذين ضلوا الكثيرين ، فحاول الفنان السورى التعبير عن ذلك من خلال تصوير أبونا آدم وأمنا حواء فى منتصف الجدارية وعلى يمينهم الجيل الأول من قادة المسيحيين الذين قسموا لثلاث مجموعات كهنوتية .
وتوضح الباحثة سلفانا جورج أن الرهبان السريان عاشوا بجانب الرهبان الأقباط بدير السريان بوادى النطرون فنقلوا فكرة تلك الجدارية إلى دير السريان، ثم أخذها الأقباط بدير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمروقد نفذتا بمقاييس بيزنطية .
أما عن اختيار الفنان لشخصيات الآباء الثلاث، فيعود ذلك إلى رمزية كل شخصية من هؤلاء الآباء الأوائل فى الكتاب المقدس، وحدوث حادثة تاريخية فريدة لكل شخصية لم تحدث لغيرهم من البشر لذا نجد ان عدد الأشخاص الذين أخذوا شكل أطفال عارية بالجدارية هم إثنى عشر شخص ليرمزوا إلي الأسباط الاثنى عشر،و بتلك الأحداث الفريده اعتبر آباء الكنيسة أن هؤلاء هم الآباء الثلاث الأوائل للبشرية، ووجد الفنان فى شخصياتهم بداية الشجرة التى أثمرت منها باقى البشرية وأجيالًا كثيرة.
واستخدم الفنان خلفيات نباتية سواء فى جدارية السريان أو الأنبا أنطونيوس لتشير إلى الفردوس فالشجر يرمز إلى شجرة الخير والمعرفة التى بسببها طرد الإنسان من الجنة وكذلك شجرة الحياة ولم يذكر الكتاب المقدس نوعية تلك الشجرة التى بسببها طرد الإنسان، ولهذا الفنان لم يحدد نوع الشجرة فى تصويره، وكان أكثر تحديدً لتلك الأشجار فى دير السريان حيث خص العنب كشجرة من أشجار النعيم والأرواح الصالحة تقطف ثمارها وتأكلها ليرمز بوجود تلك النفوس فى الفردوس .
بينما استخدم الفنان لهيب النار الذى صور حول الشخص الغنى والبناء الطوبى الذى يعرف بالبرج ليشير به إلى الجحيم والعزل خارج إطار الجدارية والعرش اللذان يرمزان إلى الفردوس ، كما استطاع الفنان التعبير عن الهوة العميقة او المسافة بين الفردوس والجحيم من خلال مقاييس الرسم فصور الغنى المطروح فى الجحيم بمقياس صغير وأسفل الجدارية فى حين صور الآباء بمقياس رسم كبير.
وتشير الدكتورة سماح الصاوى إلى أن جدارية الآباء الثلاث الآوائل ظهرت كفكرة فى القرن التاسع الميلادى بسوريا نتيجة لأفكار هرطوقية انتشرت فى الجزء الشرقى من الإمبراطورية منها أتباع النسطوريين وغيرهم، وانتقلت تلك الفكرة بين جميع ولايات الإمبراطورية الشرقية ومنها مصر حيث وجدت فى دير السريان ودير الأنبا أنطونيوس، وأصبحت رمزية للربط بين العهد القديم والجديد من خلال نفوس هؤلاء الآباء، وللتعبير عن الدينونة والعدل الإلهى من خلال تجسيد قصة اليعازر الفقير والغنى، ونجح الفنان من خلال استخدام الكثير من الرموز كالأطفال والعرش ولهيب النار والنباتات وملامح الوجوه من تأكيد هذا الفكر الروحى والتعليمى للجدارية، لهذا تعد جدارية الآباء من الجداريات المهمة للتعليم المسيحى .