المسلة السياحية
كتب د. عبد الرحيم ريحان
دراسة جديدة للدكتورة هايدى أحمد موسى الآثارية بوزارة الآثار تحت عنوان “أيقونة رحلة العائلة المقدسة و دورها فى الدعاية لرحلات الحج المسيحى لمصر تطبيقًا على بعض النماذج الآثرية المختارة” ترصد الأيقونات المرتبطة برحلة العائلة المقدسة .
وتؤكد الدكتورة هايدى أحمد موسى أن الرحلة بدأت بخروج يوسف النجار راكبًا على حمار وأركب السيدة العذراء والطفل ورافقهما سالومى، واتخذت العائلة المُقدسة فى طريقها إلى مصر أكثر من مكان لترتاح و تستقر فيه لفترة وجيزة, و بالتالى تركوا أثارهم فى أكثر من بقعة من البقع التى أستقروا فيها, و كانت المدن الكبرى التى مروا بها حوالى عشرين مدينة أو منطقة, غير القرى العديدة التى فى الطريق, كما كانوا يعبرون النهر إلى الشرق أحيانًا و إلى الغرب أحيانًا أخرى .
هذا و لقد أضفى الطريق الذى سلكته العائلة المقدسة عبر سيناء إلى مصر أهمية روحية عند المسيحيين الذين يعتبرون الطرق و المسالك و الدروب التى سلكتها العائلة المقدسة أثناء رحلة الهروب إلى مصر و العودة من مناسك الدين يجب على القادر أن يسلكها, وحثت على سلوكها بل و اعتبار كل مكان و موضع وطأته قدما المسيح مكان مقدس يجب زيارته و التعبد فيه, و عليه فقد تم تشييد العديد من الكنائس و الأديرة فى المحطات التى استراحت بها العائلة المقدسة.
تصوير الرحلة
وتشير الدكتورة هايدى موسى أن تصوير موضوعى الرحلتين إلى أرض مصر و إلى بيت لحم على الأيقونات قد تشابها من حيث الشكل و التكوين فى الفنون المسيحية الشرقية, إلا أن الاختلاف بينهما هو أن الطفل يسوع لا يصور فى الرحلة إلى بيت لحم,كما نجد أن الفنانيين الشرقيين اتخذوا أحيانًا الإتجاه من البحرى إلى القبلى ليعبروا عن الذهاب إلى مصر, و الإتجاه من القبلى إلى البحرى للتعبير عن العودة إلى فلسطين..
هذا و إن كان الفنان القبطى لم يهتم بتناول الرحلة إلى بيت لحم كمادة للتصوير, إلا أنه صور موضوع الرحلة إلى أرض مصر لأنها رحلة هامة تحمل الكثير من المعانى المعبرة عن المعاناة و الخوف و الحيطة و الحذر, و قد أبدع الفنان القبطى فى التعبير عن اتجاه الرحلة إلى أرض مصر من خلال أشجار النخيل التى تميز أرض مصر, و من خلال تصميم المبانى التى تعبر عن البيئة المصرية, و فى بعض الأحيان يعبر عن خروج الرحلة من خلال الخلفية التى تصور مبانى على الطراز البيزنطى جمالونية الأسقف تحتضنها أشجار الصنوبر و فى كلتا الرحلتين كانت تصور العائلة المقدسة فى صورة قافلة صغيرة يتقدمها الشيخ يوسف النجارالذى يمسك بإحدى يديه بلجام الحمار, الذى تمتطيه السيدة العذراء مريم و من أمامها الطفل يسوع.
وفى بعض الأحيان نجد السيدة العذراء تجلس بمفردها على الحمار, بينما الطفل يسوع يحمله يوسف النجار على كتفيه,و من خلف الركب تسير إمراءة فارعة الطول فى خريف العمر تحمل فى يدها صُرة بها متاع الأسرة من ملابس و طعام و شراب ,هذا و قد لاحظنا ندرة الصور الجدارية التى تصور رحلة العائلة المقدسة فى مصر فى المبانى القبطية التى ترجع إلى العصور الوسطى, فى حين نجد فى مصر العديد من الأيقونات التى تصور هذا الموضوع, و خاصة الأيقونات التى صُنعت خلال القرن الثامن عشر الميلادى.
كيفية الترويج للرحلة
تطالب الدكتورة هايدى موسى بالإستعانة بهذه الأيقونات كرمز ترويجى فى الدعاية لرحلات الحج المسيحى لمصر, و ذلك من خلال الدعاية و الإعلان عن أهمية و قصة هذه الأيقونة و ربطها بما ورد من نصوص بالكتاب المُقدس, فالإعلان هو أحد أبرز عناصر المزيج الترويجى والذي يستخدم بشكل واسع من قبل كل المنشآت الصناعية والتجارية والخدمية فى عمل العديد من النماذج لأيقونة رحلة العائلة المقدسة المُنفذة على مواد مختلفة كهدايا تذكارية ،وعرضها فى المعارض الداخلية والخارجية التى تقيمها وزارة السياحة ،وكذلك التعاون مع القطاع الخاص ليكونوا رعاة لرحلات الحج المسيحى لمصر،مع حثهم على القيام بعمل نماذج لأيقونة رحلة العائلة المُقدسة توزع كهدايا مجانية على الحجاج .
وكذلك الترويج لقصة الرحلة من خلال الأفلام التسجيلية و الأفلام القصيرة, وعمل نماذج لأيقونة رحلة العائلة المُقدسة تخاطب الأطفال بشكل مُبسط, وتخصيص منطقة فى الواجهة الأمامية للكاتدرائيات الكبرى فى مصر والعديد من دول العالم لمحاكاة رحلة العائلة المقدسة ، من خلال تصميم بعض الظروف البيئية التى صاحبت هذه الرحلة المٌقدسة, وذلك لإيضاح الأهمية الدينية والروحانيات, فضلاً عن إيضاح المتاعب و الآلام التى عانتها العائلة المُقدسة خلال رحلتها, و كذلك الكرامات و البركات التى حدثت فى الأماكن التى تشرفت بزيارة العائلة المُقدسة.
كما تطالب الدكتورة هايدى موسى بوجود منهجية علمية وإدارة واعية متفهمة لطبيعة المواقع التى زارتها العائلة المقدسة عند إدارتها, خاصة وأن هناك العديد من الأديرة و الكنائس بمحطات الزيارة تقع فى الصحراء ,و بالتالى فلابد من مراعاة الأحوال والتقاليد والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة فى محيط هذه الأماكن, مع توافر قاعدة بيانات إدارية تقدم الحلول الفعالة لإدارة هذة المواقع على الوجه الأكمل.
تضافر الجهود
وتنوه الدكتورة هايدى موسى إلى ضرورة تضافر الجهات المعنية والمسئولة والتوقيع على بروتوكولات تعاون فيما بينهم ،ومنهم وزارة الآثار والسياحة والثقافة والبيئة والصحة والداخلية والخارجية والدفاع والمحليات، ووضع تصور و إفتراض لعدد الحجاج القادمين وكيفية التعامل مع هذه الأعداد من حيث طبيعة البرامج السياحية الملائمة لهم, خاصة وأنه من المتوقع زيادة هذه الأعداد خلال فترة الأعياد,مع وضع البرامج السياحية المختلفة المُدد و التكلفة والتى تخاطب كافة الشرائح المتوقع قدومها للحج، مع القيام بالحملات الإعلامية و الإعلانية السياحية فى الداخل والخارج .
وكذلك الترويج الالكتروني عبر شبكة الإنترنت من خلال مواقع وزارات السياحة و الآثار و الثقافة على أن تكون بخمس لغات وإرسال نشرات إخبارية بالبريد الإلكتروني لشركات السياحة، وإقامة المؤتمرات والندوات التثقيفية بحضور رجال الدين المسيحى ،وعمل توثيق لمواقع رحلات الحج المسيحى لمصر من خلال الواقع الإفتراضى، مع عمل تطبيقات على الهواتف الجوالة توضح و تشرح مواقع الحج المسيحى و أهم معالمها الدينية و التاريخية و الأثرية و الفنية.
وتتابع الدكتورة هايدى موسى بأن هناك حاجة ضرورية لعمل مسار للزيارة يوضح للزوار خط السير, مع عمل مطويات لأهم الفعاليات و الإحتفالات بالموالد فى أماكن الحج, وعمل لوحات تعريفية عند كل آثر أومبنى أو شجرة أو بئر ماء لتوضح أهم معالم الرحلة الدينية و التاريخية و الأثرية و الفنية.
وكذلك عمل مراكز للزوار فى كل موقع من مواقع الحج، يتم فيها عرض أفلام قصيرة تشرح أهمية كل موقع فى مسار الرحلة, وكذلك مشاركة الحجاج والزائرين بمحاكاتهم لرحلة العائلة المُقدسة من خلال إرتدائهم نفس الملابس، وبعد الإنتهاء من الرحلة لابد من متابعة ما يكتبه هؤلاء الحجاج عن تجربتهم فى مصر, أو ما يتحدثون به في مجتمعاتهم وتقييم كل هذا..
كما أنه من الضروري الحرص على استمرار علاقات الود والصداقة بهؤلاء الحجاج, و محاولة استمرار الإتصال بهم مع موافاتهم بالمطبوعات السياحية الدورية ودعوتهم لزيارة البلاد مرة أخرى.