كاتبها : سليم نقولا محسن
الخيانة: لفظة لا تؤخذ على حقيقة مفهومها ومدى معانيها، لذا تبدو نتائج ممارستها ضبابية الاستيعاب، ويتعدد في موضوعها التفسير، لكن هي في الوقت ذاته سهلة المفهوم، لأنها تتجاوز الضرر الموصوف والمحدد عادة لشخص أو عدة أشخاص ..؟
سليم نقولا محسن ولكثرة ما استبيح التداول في استعمالها، غدت هذه اللفظة ممقوتة يكرهها الجميع، لأن التهمة شكليا تطال الجميع، هذا لأنها أصبحت وجهة نظر .. فكل له وجهة نظر، لأن له مصالحه أو مصالح جماعته، ولكن خدمة مصلحة ما لا تعني الخيانة، في حال انتفاء الضرر، أما أن يعمل إنسان ما مؤتمن كما المفترض على الإضرار في مصالح جماعته حتى الهاوية المميتة والفناء لصالح طرف آخر، فهذا أمر مختلف ..؟ فالإضرار بالآخر هنا، ليس اختلافا في الرأي، إنما هو ادعاء في الاختلاف، لذا يوصف هذا الآخر المخالف للرأي خائنا، والنتيجة تبقى واحدة في العقل إذا قلبنا الأمر .. لأن ليس كل ما يحدث، وكل شيء وجهة نظر ..؟
* ولتوضيح المعني، فأي عاقل منا، لن يقبل بما ليس هو عادل، فمثلا: إن افترضنا أن أحدا من أهل المنزل أو من المؤتمنين فيه، أو من الأقارب، أو من الجيران في الحي أو القرية أو المدينة، قام بفعل جرمي أو المشاركة فيه، فاستقدم في غفلة عن أهل البيت بمن يقتل صاحبه، أو يقتل أحد أفراد عائلته، وينزع عنهم حقهم في الحياة، أو أن يستلب مالهم أو نتاجهم ومحصولهم، أو مقتنياتهم ومدخراتهم، أو أن يدعي ملكيتها دون وجه حق، بأن يعتبرهم مثلا من المغانم أو الأسلاب، أو أن يعتدي هذا المجرم على ما لهم من إخوة وبنات، أو أن بحجز حرياتهم، ويمنع عنهم العمل بقصد إفقارهم وتجويعهم، بإتلاف وتحطيم أدوات العمل للأفراد العائلين لهم، أو أن يقوم بحصارهم ومنع عنهم الماء والغذاء والدواء، أو ما يقيهم من برد الشتاء وحر الصيف ..؟
* طبعا إن حدثت مثل هذه الأمور لا يمكن أن يقف أمامها أي امرئ موقف المتفرج السلبي أو أن يعتبرها وجهة نظر، وإن أصر فاعلها من موقف مقابل، أيا كانت منطلقاته ومواقفه ودوافعه في موضوعها سماوية أو غيبية شيطانية، أو عصبوية: على اعتبارها تحقيق للحق والعدل ؟
، كما أن إصرار الفاعل الشاذ هذا على الاستمرار في ممارستها، لا يمكن أن يعطيها شرعية التطبيق كطرف آخر وموقف مقابل، ولا أن يسمح للبعض من باب الذرائع في تبنيها، بل يوجب على المجتمع الإنساني مهام صارمة لتأكيد إدانتها ..؟
ذلك لأن القيم الإنسانية والأعراف الاجتماعية ثابتة، أقرتها المجتمعات الإنسانية وضمنتها أعرافها وقوانينها منذ القدم، لديمومة النوع الإنساني واستمرار الحياة، وهي غير قابلة للتبديل أو التأويل، فالقتل مثلا جريمة، لا يمكن أن تكون وهبا للحياة، والسلب والاعتداء من الجرائم، التي لا يمكن حسبانها أفعال خير وسلم وعطاء ..؟ فكيف إذا كان الأمر يتعلق في موضوع الوطن بما يحتوي، وهو كل هذا، والحاضنة الأعمق والأوسع لكل بيوت العائلات وأفرادها؟
فهذه الممارسات في مجملها ونتائجها، لا يمكن أن تحسب تصرفا ظرفيا أو حدثا عابرا، يمكن إبداء الرأي في موضوعه، لنغفل عن حسبتها على أنها من الجرائم الوحشية الخطيرة، التي تهدد وجود أي مجتمع إنساني، ولا تنفع فيها المسميات المختلفة المغايرة، إلا إذا كان صاحب الرأي المؤيد لها أو حتى المحايد مشاركا فيها أو كاذبا متواطئا، ينتظر المشاركة في الجريمة للحصول على شيء من المغانم، بل لا بد أن يعتبرها من يعلم فيها أنها من الجرائم الخطيرة، التي لا يمكن السكوت عنها، وتستوجب القصاص العادل وأكبر العقاب، خاصة بما تحمل ممارستها من مفهوم:
خيانة المجرم للقوانين والأعراف السائدة، وخيانته لأمانة العدل المناطة به طبيعيا وبكل إنسان اجتماعي، وتجاوز خيانة الأمانة هذه إلى جريمة واقعة الاعتداء .. فهل الخيانة في هذه التوصيفات هنا تعتبر رأيا ..؟ ووفق هذا المعنى ومفهومه، فإن الخيانة لا يمكن أن تعتبر بأي حال وجهة نظر ..؟