اسطنبول ….. يعج شارع الاستقلال، القلب النابض لمدينة اسطنبول، بسواح أجانب أتوا من كل حدب وصوب، إذ تتردد على مسامع المرء في هذا الشارع، الذي يمتد لمسافة كيلومتر ونصف تقريبا، لغات مختلفة، وكذلك واجهات المحلات فيه تعكس تنوع زواره، فإضافة إلى اللغة التركية، تجد اللغة الإنجليزية والعربية وحتى الفارسية أحيانا.
ويبدو المشاة في الشارع غير عابئين بــ”الحرب الاقتصادية” التي قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده تتعرض لها.
وكانت الأزمة بين أنقرة وواشنطن قد أدت إلى تدني سعر صرف الليرة إلى مستويات غير مسبوقة. فمنذ بداية العام فقدت العملة التركية قرابة أربعين في المئة من قيمتها أمام الدولار الأمريكي.
وفاقم أزمة الليرة مضاعفة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرسوم الجمركية على واردات الولايات المتحدة من الصلب والألومنيوم التركي بعد رفض نظيره أردوغان إطلاق سراح القس الأمريكي أندرو برونسون، المحتجز منذ عامين على خلفية اتهامات بدعم جماعات خارجة على القانون في تركيا.
مصائب قوم عند قوم فوائد
وفيما تبذل السلطات التركية قصارى جهدها سعيا وراء استقرار سعر صرف الليرة ومنع تدهورها أكثر، وجد العديد من السواح في انخفاض العملة التركية فرصة ذهبية.
فمثلا تذكرة الدخول إلى المعلم الأثري آيا صوفيا الذي يصنف ضمن الثراث الثقافي العالمي تساوي أربعين ليرة أي حوالي ستة دولارات ونصف حاليا فيما نفس التذكرة كانت تعادل العام الماضي قرابة أحد عشر دولارا. فسعر صرف الدولار يقدر حاليا بحوالي ست ليرات، فيما كان يساوي الصيف الماضي زهاء 3.5 ليرات وهو ما يغري السواح على الإقبال أكثر على جميع الخدمات من مطاعم ومقاهي وأسواق تجارية وغيرها.
أنس سائح أردني، يقضي شهر العسل مع عروسه في تركيا وكان نزول سعر صرف الليرة عاملا مهما في اختياره القدوم إلى هنا. يقول: “كنّا نفكر في زيارة دول أخرى ولكن بعدما استشرنا الأهل والأصدقاء وجدنا أننا سنستمتع بوقتنا هنا بأسعار أبخس من أماكن أخرى. إضافة إلى التبضع سنقوم بزيارة الأماكن السياحية”.
كما تقول لوبا وهي سائحة روسية إنها تقضي إجازة مدتها أسبوع مع صديقها في منتجع سياحي على البحر. وترى أن أكبر المستفيدين من تدني سعر الليرة هم السواح الذين يقضون وقتا أطول في تركيا.
أما إينس من ألمانيا، البالغ من العمر 24 عاما والذي يقضي مع عائلته إجازة مدتها أسبوعان في تركيا، فيقول إنه سعيد بتدني سعر صرف الليرة ويضيف أن ذلك شجعه “على شراء الملابس من هنا لأنها أرخص ثمنا. وحتى السلع الإلكترونية التي كنت أجدها باهظة الثمن في تركيا أصبحت في المتناول. لكن رغم سعادتي بالأمر فأنا حزين على الأتراك الذين تأثروا من تدني سعر صرف الليرة”.
ويتوقع المسؤولون الأتراك أن يبلغ عدد السياح الأجانب عام 2018 أرقاما قياسية، حيث يتوقعون أن يزور تركيا 40 مليون سائح مقارنة بـ 32 مليونا العام الماضي وأن تصل عائدات السياحة إلى 32 مليار دولار مقابل 26 مليار دولار العام الماضي.
قال وزير الثقافة والسياحة التركي نعمان قورتلموش إن بلاده تهدف لاستقطاب خمسين مليون سائح بحلول عام 2023 وأن تصل عائدات السياحة إلى خمسين مليار دولار.
قطاع السياحة في تركيا ما زال في طريقه إلى التعافي بعد سلسلة من الهجمات التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية إضافة إلى محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس أردوغان عام 2016 وأزمات دبلوماسية مع روسيا وألمانيا. وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد السواح شهد انخفاضا حادا عام 2016 حيث لم يتجاوز عددهم 25.3 مليون مقابل 36.3 مليون عام 2015.
الصورة ليست وردية بالكامل
رغم التوقعات بأعداد قياسية من السواح في تركيا هذه السنة لكن نوعية السواح اختلفت كثيرا. و يقول أورهان باريش، صاحب وكالة أسفار في إسطنبول: “صحيح أننا لمسنا قدوم السواح بأعداد أكبر ولكن جودة السواح لم تعد كالسابق أي منذ ثلاث أو خمس سنوات. وكمية الإنفاق اختلفت. فقد كان معدل إنفاق السائح فيما مضى يتراوح ما بين 1000 و 5000 آلاف دولار، لكن السائح حالياً ينفق حوالي 300 دولار فقط”.
ويضيف باريش أن تركيا أضحت وجهة سياحية رخيصة الثمن وأن كثيرا من السياح الأغنياء باتوا يفضلون الذهاب إلى وجهات مختلفة في أوروبا وخصوصا منطقة البلقان و”لم تعد تركيا تجذبهم، لذا على وزارة السياحة أن تنظر في هذا الأمر”.
وأوضح إن الأعداد الكبيرة للسواح في الصيف تجعل الأمور جيدة في الوقت الحالي حتى إن كانت نسبة إنفاقهم محدودة ولكن هذه المشكلة قد تصبح مطروحة بقوة في فصل الشتاء، خاصة أن وكالته تتعامل بالليرة التركية دعما للعملة المحلية في هذا الوقت العصيب الذي تمر به.
الأرقام الرسمية تبدو متفائلة بقطاع سياحي في طريقه إلى التعافي ولكنه يبدو أنه تعاف هش لغاية الآن، لارتباطه بعوامل خارجة عن نطاق السيطرة. فهو رهين بالاستقرار الأمني والسياسي في بلد كان حافلا بالأحداث في السنوات الأخيرة.
المصدر : بي بي سي عربي