كتب: د. عبد الرحيم ريحان
القاهرة “المسلة” ….. كتاب جديد للدكتورة أهداب حسنى جلال مدرس الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة أسوان تحت عنوان ” العمامة العثمانية فى تركيا ومصر فى ضوء التحف التطبيقية وتصاوير المخطوطات” يرصد أصل ونشأة العمامة وعلاقتها بصعيد مصر .
ونرصد ملامح هذا الكتاب حيث أن ثقافة العمامة العثمانية ما هى إلا خليط من العادات الموروثة من العلاقات والاتفاقيات بين تركيا وآسيا الوسطى وهى نتيجة للتأثيرات العربية الإسلامية والثقافة البيزنطية بالأناضول وأن أول مثال ملموس لأغطية الرأس التركية القديمة يرجع إلى عام 732 ق. م من خلال رأس حجرية يسمى قول تيجين على رأسه هيئة عبارة عن شكل دائرى وفق مقاس الرأس ومرتفع لأعلى على هيئة تشبه البورك محفوظ بمتحف الهرميتاج بروسيا، ويؤكد ذلك ما أثبته المؤلف ايميل اسين عن تنوع أغطية الرأس فى تركيا والتى تعود إلى 3000 سنة ق.م فى منطقة الشرق الأوسط، والتى كانت تسمى بورك حيث اعتمد على 143 مصدر ورسومات تزيد عن 120 شكلا فى كتابه الذى يحمل عنوانا باسمBedük Börk . مما يشير إلى أن الأتراك منذ فترة طويلة كان لديهم اهتمام كبير بأغطية الرأس.
وقد ارتبطت العمامة بالانتماء وتوحيد المظهر والوقاية من البرودة والحرارة وحب التملك والتقليد والتزيين والاحتشام التى كانت تتغير حسب الوقت والمكان واستمر مسمى بورك ومسمى سربوش بأشكاله العديدة فى التاريخ التركى حتى بعد انتشار الإسلام الذى أدخل العديد من المسميات والهيئات الأخرى، وقد تأثر سلاجقة الأناضول التى تأسست دولتهم عام 470 – 708هـ/ 1077 -1308م. بمدينة قونية بروح وفلسفة وأفكار الشيخ الصوفى جلال الدين الرومى رمز التسامح بين العرب والعجم والذى أدى بطبيعة الحال إلى أن تكون معقلا للشيوخ الصوفية الذين كان لهم مسميات لأغطية رؤوسهم .
وكان هناك غطاء رأس خاص بسلاجقة الأناضول وجد فى القرن 15م يسمى الكيكوبادى وهو عبارة عن طاقية ملفوف حولها شاش أبيض وهي تسمى بالتركية “تولبند” وإذا انسدل منها طرف من خلفها فيتكون شكل العمامة التى تسمى بالتركية دستار كاكل.
وكان مجتمع الروم بالأناضول يعتمرون العمامة السوداء لتغطية رؤوسهم وخصوصًا عند تواجدهم فى الكنائس أو الجنائز كما قبلوا كل أنواع العمائم لكونها تقليدًا إسلاميًا من تقاليد سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم ” لذا صار كل الأتراك الذين لهم نفس العقيدة على نفس التقليد، وأنه فى حالة اقتراف ذنب لأى شخص من نسل الرسول فإن عقوبته هى خلع عمامته الخضراء من على رأسه وتقبيلها وإعادتها إلى صاحبها وهذا التقليد عندهم رمزًا للاحترام والرفعة والسمو.
لقد استطاع السلاطين العثمانيين باعتبارهم شخصيات قيادية عليا التأثير فى كل أجزاء الامبراطورية ووضعت قوانين منظمة للملابس بشكل عام ولأغطية الرأس بشكل خاص حيث نال غطاء الرأس السلطانى أكبر الاهتمام والتقدير والاحترام ووضعوا كل هذه القوانين فى كتاب قانون نامه حيث أن قوانين اللباس الرسمية كانت غاية فى التعقيد وخاصة فn كثرة الوظائف الموجودة فى ذلك العصر بالرغم من أن هذه القوانين كانت على غرار القوانين التى كانت موجودة ومستعملة للمعاصرين فى عدة مناطق من العالم مما يؤكد أن هذه الدراسة لها أبعاد سياسية ومعتقدات دينية في أن الدولة العثمانية مسيطرة ومهيمنة على موظفيها ورعاياها وأصبحت أغطية الرؤوس خاصة علامة واضحة وبارزة لدرجات الرتب الرسمية والتدرج الطبقى الاجتماعى، كما أصبحت من أهم الأشياء التى يكافئ بها السلطان أو الحاكم العثمانى.
كما مثل غطاء الرأس إعطاء الوضع الشرعى أو المنزلة الرفيعة والإحساس بالهوية والتفرقة بين أصحاب الطرق الصوفية المختلفة والحرفييين أو المهنيين المتصلين بالمجتمع العثماني حتى يكون لهما امتيازات دينية واجتماعية، وأصبح غطاء الرأس يعبر عن الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والشخصية لكل فرد فى المجتمع، كما جعل لكل مناسبة على حسب أهميتها غطاء رأس خاص بها فاعتمار العلماء ورجال الدين غطاء رأس خاص بهم، بينما حراس وخدم وموظفو القصر السلطانى وفرقة الإنكشارية غطاء رأس مختلف خاص بهم، بينما تعتمر أصناف عادية من الطبقة الاجتماعية العثمانية هيئات بسيطة من العمامة كل على حسب طبقته الاجتماعية.
ثم حدثت ثورة الزى فى أوائل القرن13هـ- 19م ،وقد استطاع السلطان محمود الثانى أن يسن قوانين جديدة للزى حتى يخلق حكم ملكى قوى وبدأت هذه الخطوة عام 1826-1827م، مما ترتب عليه تغيير فى غطاء الرأس الذى كان عبارة عن طرابيش، وبالتالى لم يقلد هذا السلطان أسلافه لتمييز كل مجموعة عندما وضع الطرابيش المماثلة على رأس كل المسئولين إلا الوزراء الذى سمح لهم بارتداء غطاء رأس له ملامح مميزة.
ويعد هذا نوعًا جديدًا من السيطرة السلطانية، حيث كان كل المسئولين متساوين فى مظهرهم، ولتعزيز عرشه خلق مجموعة من الأوسمة والميداليات كوسائل تمنح عند الترقى أو التدرج الوظيفى، وقد أضفى هذا التغيير سمة رائعة وهى إعادة هيكلة الامبراطورية العثمانية بشكل رمزى ولم يعد دينى فى امتيازاته، لذلك تشابهت أغطية الرؤوس مع بعضها البعض التى كانت فى القرون السابقة، والتى كانت كل الامتيازات والسيادة للموظفين العسكريين والبيروقراطيين ومن خلال تغيير أغطية الرأس عام 1829 وأصبح هذا التشابه المظهرى دليلاً على الديمقراطية.
كما أوجدت هذه القوانين الجديدة رد فعل حسن عند المسلمين وغير المسلمين، مما أدى إلى إنشاء دولة عثمانية مدنية جديدة، وبالمقارنة مع هذا القبول رفض عمال وأصحاب الحرف المتعصبين دينيًا ارتداء ذلك الطربوش البسيط، الذى يخفى انتسابهم الدينى حيث كان البعض منهم يعتنق المذهب الصوفى، كما كانوا يرفضون سياسة السلطان محمود الثانى المختلفة عن أسلافه، لذا طلبوا من السلطان أن يكون لهم غطاء رأس مميز، ولكن فيما بعد انتشر اعتمار الطرابيش بينهم وذلك من خلال لف عصبة من القماش حوله كما عدلت قوانين الجيش من خلال غطاء الرأس فاعتمروا الطرابيش، بينما كان رجال الجيش الذين يخدمون غربى البحر المتوسط أمروا بلف قماش ملفوف حول الطربوش حتى يميز بين المدنى في الجيش وقوات الجيش البحرية، وقد سنت هذه القوانين في سنة1245هـ/ 1829م. التى كانت بداية الانهيار لفرقة الانكشارية، كما أصبحت هذه القوانين تعكس الرؤية الواضحة للديمقراطية والمجموعة الاقتصادية أثناء القرن 12هـ/18م، وبالتالى أصبح الطربوش الزى الموحد للرأس، مما خلق مجتمعًا جديدًا غير طبقى وديمقراطى وترتب على ذلك معرفة مدى أهمية أغطية الرأس العثمانية.
وقد لعبت أغطية الرأس دورضا هامًا لدى الطوائف الحرفية أو المهنية وما بين السلطات والرعية حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادى، وهكذا واصل الشيوخ ممارسة وظائفهم في تبليغ أوامر الحكومة إلى أعضاء طوائفهم، لذلك وجد الكثير من الأسواق والأماكن سواءً في اسطنبول أو القاهرة المسماه بأسماء الطائفة التي تقطن فيها مثل بائعى الطواقى، بائعى القاووق، بائعى الدولامة وهكذا …، وعندما يتجمع هؤلاء التجار معًا عادة فى الأسواق فقد كان لهم شيوخًا، وقد تكون هذه الطوائف مجرد تجمعات إدارية وكان رئيس الهيئة وهو عادة أعلى التجار يسمى في اسطنبول كخيا وفى القاهرة يعرف باسم الشهبندر يباشر سلطانه على التجار وأرباب الحرف المختلفة.
كما ظهر تماسكًا ملحوظًا اتصفت به هذه الطوائف، وبذلك قد حافظت على مستوى حرفة أغطية الرأس وأوقفت المنافسة وخدمت أغراض مجتمع يقوم على تأمين أفراده وأقامت العلاقات بينهم، لذا كانت الطوائف حرة نسبيا وتتمتع بحكم ذاتى، وهذا أدى إلى تميز هذه الحرفة أو الصناعة فى العصر العثمانى برغم من تأثرها بالظروف الاقتصادية العامة وبالإجراءات المحلية وقد كانت هناك علاقة غاية في القوة ما بين هؤلاء الحرفيين لأغطية الرأس وبين العلماء والنظم الصوفية لذا كانت لهذه النقابة صلة وثيقة بالعلماء وبالنظم الصوفية.
وقد أدى هذا النظام إلى دقة صناعة أغطية الرأس والارتقاء بها، بالإضافة إلى أنها كانت توفر الوسيلة، التى تمكن أقل المواطنين شأنا من التعبير عن غرائزه الاجتماعية والاطمئنان إلى مكانته فى النظام الاجتماعى، ولكن للأسف انهارت هذه الحرف أو الطوائف فى استانبول ومصر، والتى كان ولاء الفرد فيها موجه نحو الطائفة أو المجتمع الصغير الذى ينتمى إليه، وأصبح ولاء الفرد نحو الدولة من خلال توحيد هيئات أغطية الرأس فاعتمرت كل فئات المجتمع العثمانى الطربوش، وبالتالى تحولت الإمبرطورية العثمانية فى اسطنبول ومصر إلى أمة ذات قومية متكاملة.
ومما ساعد على ذلك وسائل الإتصالات المتقدمة بين هذه المجتمعات، كما انشأ محمد على باشا والى مصر مصنعًا مخصصًا لصناعة الطرابيش، وفى عهد محمد سعيد باشا(1237-1279هـ/1822-1863م ألغى حق الشيخ فى فرض الغرامات على أعضاء الطائفة، كما تم إلغاء ما بقى من الطوائف عام1300هـ-1882م حيث كان يبدأ السلم الوظيفى فى قاعدة الحرفة بالصبى وينتهى في القمة بالشيخ الرئيس، وفى الوسط الأسطوات أو المعلمين والعمال وكانت لكل طائفة تتكون في هيكلها من ستة عناصر هم: الصبى، العريف، والمعلم، والأسطى، والنقيب، والشيخ .
ويشتمل الكتاب على تمهيد عن أصل الأتراك العثمانيين وموطنهم الأول ثم قيام الدولة العثمانية (1299هـ/1453م) ووضع قوانين Kanun Namee منظمة للملابس بشكل عام ولأغطية الرأس بشكل خاص ويتناول الباب الأول: العمامة الملفوفة وقد تم تقسيمه إلي ثلاثة فصول الفصل الأول: ويشتمل على العمامة في اللغة – أهمية العمامة الملفوفة- مسمياتها – أنواعها – طوائف وأرباب حرفتها وصناعتها من خلال المراجع والمعاجم والقواميس العربية والتركية العثمانية، الفصل الثاني: ويتناول العمامة الملفوفة في تصاوير المخطوطات والتي انقسمت إلى ثلاثة أفرع أولا: عمامة السلاطين والأمراء . ثانيا: عمامة رجال الدين والعلماء . ثالثا: عمامة أرباب الوظائف وعامة الناس، الفصل الثالث: يتناول الدراسة التحليلية للعمامة الملفوفة في تصاوير المخطوطات وعلي التحف التطبيقية في تركيا ومصر فضلاً عن تأصيلها بمدارس التصوير الإسلامى السابقة عن مدرسة التصوير العثماني مع عرض مقارنة من خلال تصاوير هذه المخطوطات والتحف وقمم شواهد القبور بين تركيا ومصر .
ويتناول الباب الثانى : العمامة القاووق وقد تم تقسيمه إلي ثلاثة فصول وهي : الفصل الأول: ويشتمل القاووق لغة واصطلاحا – أهمية العمامة القاووق – مسمياته – أنواعه – والوظائف المعتمة به – طوائف وأرباب حرفته وصناعته.من خلال المراجع والمعاجم العربية والتركية العثمانية. الفصل الثانى: ويشمل العمامة القاووق وطرزه المختلفة في تصاوير المخطوطات العثمانية والذى انقسم إلى فرعين : أولا: العمامة القاووق للسلاطين والأمراء . ثانيا: العمامة القاووق لأرباب الوظائف والعامة . الفصل الثالث: ويشمل دراسة تحليلية للعمامة القاووق في تصاوير المخطوطات وعلي التحف التطبيقية في تركيا ومصر، من خلال عقد مقارنة في ضوء هذه النماذج التي كانت متوافرة في مجموعة الدراسة ويتناول الباب الثالث العمامة الطربوش وقد تم تقسيمه إلي ثلاثة فصول وهي : الفصل الأول: ويتناول العمامة الطربوش لغة واصطلاحا – صناعة – ألوان -أسعار من خلال المعاجم العربية والتركية والوثائق. الفصل الثانى: وقد اشتمل على العمامة الطربوش في تصاوير المخطوطات وعلي التحف التطبيقية في ضوء ما ورد من نماذج. الفصل الثالث: وقد تناول دراسة تحليلية بين العمامة الطربوش في تركيا ومصر. من خلال عقد مقارنة ما بين طربوش السلطان والباشوات وأرباب الوظائف ورجال الدين .
وتضمنت الخاتمة أهم النتائج التي أسفرت عنها الدراسة ، مع وجود ثلاثة ملاحق متصلان اتصالًا وثيقًا بموضوعاته فقد اشتملوا على حصر عمامات (دستارى) طبقات المجتمع العثماني وفى الثانى: عمل رؤية استمرارية وتطورية للعمامة الملفوفة بأنواعها والعمامة القاووق بأنواعها عبر عصورها المتعاقبة وفى الثالث: المصطلحات التركية العثمانية التي تضمنتها الدراسة مرتبة ترتيبًا أبجديًا يليها فهرس اللوحات والأشكال وهيئات العمامات واستمرارها وتطورها ثم قائمة المصادر والمراجع العربية والأجنبية والتركية الحديثة .