كتب د. عبد الرحيم ريحان
القاهرة “المسلة” …. صدر عن مكتبة زهراء الشرق ودار القاهرة كتاب “خط وتذهيب وزخرفة المصحف الشريف، دراسة أثرية فنية” للدكتور محمد فراج محمد الغول المدرس بكلية الآثار جامعة القاهرة هو أحدث ما كتب عن مخطوطات المصحف الشريف وسيعرض فى إطار فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب 22 يناير.
يتناول الكتاب فنون المصحف الشريف من خلال دراسة ونشر لمجموعة جديدة ونفيسة من المخطوطات المصحفية الغير مسبوق نشرها والمحفوظة بمكتبة جامعة أم القرى بمكة المكرمة ومقارنتها مع غيرها من مخطوطات المصاحف الأخرى.
وهذه المصاحف متنوعة (كمًا وكيفًا) من حيث كثرة عددها وأساليب الكتابة وأنواع الخطوط المستخدمة وتوقيعات الفنانين والخطاطين، بالإضافة إلى تعدد أساليب التذهيب والتلوين والتجليد، فضلًا عن الثراء الفني والزخرفي المنفذ بها وكثرة المواضع الفنية والزخرفية، كذلك تنوعت هذه المصاحف ما بين أماكن نسخها سواء المشرقية (التركية) أو المغربية منها، كذلك من ناحية الزخرفة، ومواضعها، وألوانها، وأشكالها، وعناصرها، ومدى تأثير وارتباط هذه الأشكال والعناصر بأقاليم العالم الإسلامي شرقًا وغربًا، أو مدى تأثرها ببعضها البعض.
واعتمد الباحث فى تناوله لهذه الدراسة على المنهج الوصفي لتوثيق كافة مصاحف الدراسة ووصفها وصفًا دقيقًا، كما اعتمد أيضا على المنهج التحليلي المقارن من خلال تتبع ورصد كافة الفروع المتعلقة بفنون الكتاب من خط وتذهيب وزخرفة وتجليد بالإضافة إلى مقارنة مصاحف الدراسة مع غيرها من المصاحف الأخرى المحفوظة في مكتبات ومتاحف عالمية سواء المعاصرة أو التي ترجع إلى فترات متعددة.
ويتناول الكتاب شتى الجوانب المتعلقة بفنون الكتاب الإسلامي من خلال تقسيم محتوياته إلى مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب تحوي اثني عشر فصلًا على النحو الآتي
التمهيد وفيه رحلة المصحف الشريف من الجمع والتدوين والنسخ من خلال ثلاثة محاور رئيسة، زخرفة المصحف الشريف وتطورها وموقف الفقهاء الأوائل منها.
الباب الأول ويشمل ثلاثة فصول هى المصاحف التركية الموقعة والمؤرخة والمصاحف التركية غير المؤرخة والمصاحف المغربية، والباب الثاني أربعة فصول تشمل أنواع الخطوط وتوقيعات الخطاطين في المصاحف التركية وأنواع الخطوط وتوقيعات الخطاطين في المصاحف المغربية، ودراسة الألقاب والعبارات الدعائية وطرق النسخ الواردة في صيغ توقيعات الخطاطين بالمصاحف التركية والمغربية و أدوات الكتابة (الأقلام – الأحبار- الألوان – الورق).
ويضم الباب الثالث خمسة فصول وهى فن التذهيب وأساليب وطرق تنفيذه وفن التجليد وأساليب وطرق تنفيذه والموضوع الفني وعناصره الزخرفية فى المصاحف التركية و الموضوع الفني وعناصره الزخرفية فى المصاحف المغربية ودراسة مقارنة بين مواضع الزخرفة والتذهيب فى المصاحف التركية والمغربية.
ومن بين أهم نماذج المخطوطات والنسخ القرآنية المنشورة في هذا الكتاب نسخة قرآنية موقعة باسم الخطاط التركي الشهير أحمد القره حصاري تعود إلى القرن 10هـــ/16م كتبت في سنة 953هـــ/ 1546م، وعدة نسخ قرآنية أخرى تعود إلى القرنين (12-13هــ/18-19م) مثل نسخة الخطاط محمد ﭼلبي تعود إلى سنة 1111هـــ/ 1699م، ونسخة الخطاط محمد أمين المعروف بحافظ القرآن المؤرخة بسنة 1161هــ/ 1748م، ومصحف الخطاط محمد المعروف بشكر زاده المؤرخ بسنة 1246هـــ/ 1830م، ومصحف بخط عمر الزهدي وخليل إبراهيم النسيب سنة 1259هـــ/1843م، ومصحف السيد علي الوصفي كتبت سنة 1270هـــ/ 1843م ومصحفين بخط السيد إبراهيم أدهم، ومصحف للخطاط المغربي المعطي بن محمد بن سليمان التادلي الزموردي، وغير ذلك من نماذج النسخ القرآنية المؤرخة وغير المؤرخة والتي تم تأريخها وإرجاعها إلى فتراتها التاريخية والزمنية في هذه الدراسة.
وتوصل الباحث إلى عدة نتائج ومنها تنوع فنون المصحف الشريف تنوعًا شديدًا للغاية، وارتبط الإخراج الفني للمخطوط المصحفي بكافة فروع فنون الكتاب المختلفة من خط، تذهيب، تجليد، فضلًا عن تنوع الأمدة والأحبار والأوراق والألوان المستخدمة في تزويقها عبر العصور الإسلامية المختلفة، بالإضافة إلى الكشف عن العديد من أسماء خطاطي المصحف الشريف وتوقيعاتهم الفنية وعمل تراجم ذاتيه لهم واستخراج أساليبهم الفنية من خلال هذه التوقيعات.
كما كشفت هذه الدراسة أيضا عن وجود علاقة وثيقة ووطيدة بين مواضع الزخرفة والتذهيب وبين النص القرآني، إذ أن الزخارف المنفذة بالمصحف الشريف لم يكن الغرض منها لمجرد الزخرفة ومراعاة الجانب الجمالي فحسب، بل كانت لأغراض وظيفية لخدمة المصحف الشريف ومنها إرشاد القارئ وتعريفه بالعديد من الأمور داخل المصحف الشريف منها مثلا: معرفة المواضع والتقسيمات الحزبية، ومنها أيضا إحاطة النص القرآني بإطار مذهب لمنع تحريف كلام الله عز وجل سواء بالإضافة أو بالحذف للنص القرآني، وغير ذلك من الدلالات الدينية والرمزية الأخرى.
وتم الكشف من خلال هذا الكتاب أيضا عن أن المخطوطات المصحفية تُعَدُ مَيْدَانًا خِصْبًا للفنان المسلم أبدع فيه إبداعًا منقطع النظير، وكانت هذه المصاحف المنسوخة هي الأصل التي استقت منها كافة التحف التطبيقية المختلفة الكثير من الأساليب الفنية والزخرفية، ولا عَجَبَ في ذلك فقد كان لقُدسية ومكانة المصحف الشريف في نفوس وحياة الفنانين والخطاطين والمزخرفين والمذهبين المسلمين وغيرهم من طوائف الحرف الأثرَ البالغَ في الإعتناء والإهتمام الشديد بهذا الكتاب السماوي لأقصى درجة، وفَرَّغَ هؤلاء الفنانون كامل طاقتهم الإبداعية من أجل التفنن في الإخراج الفني لهذا المصحف الشريف، بل وأعطوه الرعاية والإهتمام الكامل في شتى النواحي الفنية والزخرفية وذلك على مَرِّ العصور الإسلامية المختلفة، وغير ذلك من التفاصيل الهامة الموجودة بهذا الكتاب.