الكاتبة: الأستاذة الدكتورة عادلة رجب
أستاذ الاقتصاد- مديرة مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية كلية الإقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة
-
نائب وزير السياحة السابق
بات الإهتمام بالسياحة المحلية ضرورة لما تعكسه من آثار اقتصادية ، من حيث العمل على رفع نسب الإشغال الفندقى خاصةً فى غير موسم ذروة السياحة الوافدة ، وأيضاً لدورها فى أوقات كثيرة فى معالجة مشاكل التشغيل الفندقى وإيجاد فرص للعمل وتخفيف الأعباء المالية على المنشآت السياحية، فنجد أن أرقام السياحة المحلية فى كثير من الدول فاقت السياحة الوافدة لتصل إلى ثلاثة أو أربعة أمثال عدد السائحين أو الليالى السياحية.
وهناك خلط دائماً بين مصطلح السياحة المحلية ،والسياحة الداخلية، إذ يختلط على الكثيرين، فى حين أكدت منظمة السياحة العالمية فى تعريفها لكلمة “السياحة المحلية” Domestic Tourismأنها تمثل نشاطات المقيمين داخل حدود الدولة المسافرين إلى مناطق فى الدولة ، ولكن خارج محيطهم الاعتيادي.
ويقصد بمفهوم “المحيط الإعتيادى”Usual Environment تكرار الزيارة بدلاً من فكرة تحديد المسافة التى يقطعها المواطن أو عدد الأيام التى يقضيها بعيداً عن مقر إقامته الأصلى داخل الوطن والذى كان يحدد فى الماضى ما إذا كان الشخص يقوم بسياحة محلية أم لا.
بينما على صعيد آخر نجد أن مفهوم “السياحة الداخلية”Internal Tourism يقصد به كما عرفته المنظمة أنه مجموع أعداد الوافدين القادمين من خارج الدولة مضافاً إليه أعداد القائمين بالسياحة المحلية داخل حدود الدولة المستقبلة.
كما يلاحظ حديثاً أن مفهوم السياحة المحلية قد تغير مع تغير النظرة المجتمعية للسياحة إذ أصبح لا يرتبط هذا النوع من الترفيه عن النفس بالمستوى الإقتصادى للشخص أو بمتوسط دخل الفرد كما كان قديما ، ولكن بالصورة الذهنية للمقصد وبرغبة المواطن فى الترويح عن نفسه وعن أسرته خاصةً مع توافر إمكانية السفر بالتقسيط أو باستخدام البطاقات الائتمانية بما يعزز الشمول المالى.
فنجد أنه حتى مسمى السياحة المحلية أصبح يطلق عليها حالياً “السياحة الاجتماعية”Social tourism لما تولده من آثار إجتماعية وسياسية إلى جانب الميزة الإقتصادية السابق الإشارة لها والمزايا التجارية الأخرى، إذ أنها كوسيلة ترفيه للشخص تعمل على بناء الشخصية الإنسانية والتى افتقدتها كثير من الدول وأضحت حالياً تسعى نحو توفير التسهيلات لمواطنيها لتحفيزهم على القيام بالرحلات السياحية المحلية.
ونجد أنه فى الحالة المصرية والتى لا تختلف عن بقية دول العالم، تسعى الدولة بكل مؤسساتها العامة والخاصة على العمل لترسيخ الانتماء وحب الوطن للأبناء وللشباب خاصة فى ظل انتشار التكنولوجيا والتحول الرقمى الذى يجب أن نعمل جميعا على الإستفادة بما يفتحه من آفاق أمام المتلقى ونحفز لديه رغبة الإنتقال للتعرف على ما يراه من خلال شبكات التواصل الإجتماعى .
فلو نظرنا إلى ما تحققه السياحة المحلية من بعد إجتماعى فسنجدها تعمل على تنمية شعور الإعتزاز لدى المواطن بوطنه وبتراثه من خلال مشاهدة الآثار المصرية الفرعونية والقبطية والإسلامية ، والإستماع بتاريخنا القديم والمعاصر والذى يسهم فى تكوين العقلية السياحية وبناء السلوك السياحى بما يحققه من توعية وثقافة وبث لروح التعاون والتآلف، فينعكس أثره على تصرفات المواطن تجاه أبناء وطنه ونحو السائحين الأجانب وكذلك تعاملاته مع الآخرين.
كما تساعد تنمية ” السياحة المحلية ” على تحقيق الترويح عن الجسم والنفس فيعود الإنسان إلى عمله أكثر إنتاجياً، وفضلاً عن كونه يُقوى الشعور بوحدة العائلة وبقدرة تماسك المجتمع، بما يوفره من ألوان التعارف والتآلف، والاطلاع على أفكار الآخرين وثقافتهم وعاداتهم وأساليب معيشتهم.
أما بالنسبة للبعد السياسى فتلعب ” السياحة المحلية ” دوراً هاماً من خلال تأمين وحدة التراب الوطنى وإدماج المجتمعات المصرية المختلفة فى الوطن خاصة مع أخواتنا فى المناطق الحدودية وفى صعيد مصر، حيث يتعارف كل المصريين على بعضهم البعض من خلال التعرّف على طبيعة هذه المناطق والمقاصد السياحية بتركيباتها وعاداتها والصناعات الحرفية والتقليدية لهم بما يحقق ما تصبو إليه الدولة وهو توجيه الرسالة التحفيزية أو التنشيطية وفق خصائص الجمهور المستهدف سواء كانوا من فئات الطلبة أو الشباب.
ونجد أنه من أهم ألوان التحفيز المختلفة للمواطن هو توفير وسيلة الانتقال السهلة والمناسبة فخير أسلوب لتشجيع السياحة هو تيسير الوصول إلى المقصد وتقديم الخدمة الجيدة فيه.
لذا تهتم الحكومات بإقامة المطارات المحلية (الداخلية) إلى جانب تعبيد الطرق البرية والإهتمام بمد السكك الحديدية. وقد عملت الحكومة المصرية من خلال تحقيق عدد من المشروعات الكبرى على مدى 4 سنوات فى الاهتمام بشق الطرق لربط كافة أنحاء المعمورة بسلاسة وبتقنية عالية.
كما قامت وزارة الطيران المدنى بإضافة عدد من المطارات الجديدة لربط العاصمة بالمدن والمجتمعات العمرانية الجديدة وبالمناطق ذات النشاط الإقتصادى الكبير والمناطق النائية والتى تحتاج إلى تسهيلات مريحة للنقل وذلك لتشجيع السياحة بأنماطها المختلفة وكذلك النقل التجارى للبضائع.
فقامت بإنشاء عدد من المطارات الدولية والمحلية ومن بينها مطار سفنكس الدولى الذى أنشأ فى 2016 فى الجيزة غرب القاهرة والذى يعتبر أحد المرافق ذات الأهمية الإستراتيجية التى ستساعد فى عملية التنمية السياحية والتى تعتبر من أهداف الدولة فى إطار إستراتيجية مصر 2030.
وفى هذا الإطار تم الإعلان عن بدء التشغيل الفعلى للمطار ليكون فى 26 يناير 2019 ليتزامن مع أجازات نصف العام الدراسى ،والتى تعد أحد مواسم الذروة للسياحة المحلية فى مصر وذلك بقيام شركة مصر للطيران بتسيير رحلات تصل إلى 15 رحلة أسبوعياً إلى كل من مطارات أسوان والأقصر وشرم الشيخ والغردقة ذهاباً وأياباً لرفع القدرة التنافسية لهذه المقاصد وتنشيط الحركة السياحية محلياً ودولياً واجتذاب أكبر قدر من الحركة بتسهيل وسائل الانتقال إلى المعالم والمزارات السياحية المختلفة.
كما يساهم هذا المطار ” سفنكس ” والذى يعد ذو موقع جغرافى متميز فى تخفيف الضغط والكثافة عن قلب القاهرة لوجوده على بعد 12 كيلومتر عن منطقة الأهرامات والمتحف المصرى الكبير – المتوقع افتتاحه هذا العام – وحوالى 5 كيلومتر من طريق مصر – الإسكندرية الصحراوي، فيخدم فى الوقت ذاته قاطنى منطقة الشيخ زايد والسادس من أكتوبر وبعض المحافظات مثل بنى سويف والفيوم وغيرها.
هذا إلى جانب ما يمكن أن يوفره من وقت لراغبى القيام برحلات اليوم الواحد إلى الإسكندرية الساحل الشمالى، وتسهيل رحلات المنتج السياحى الجديد”مسار العائلة المقدسة” لقربه من عدد من محطات المرحلة الأولى فى المسار وهى أديرة وادى النطرون ومنطقة مصر القديمة والمعادى.
ومما لاشك فيه أن ما تمثله المطارات من أهمية فى حركة النقل سواء الداخلى منها أو الخارجى ، يساعد على تحفيز وتشجيع الاستثمار فى المدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية ومدينة العلمين وكذلك تنمية المجتمعات المحلية المحيطة بها فضلاً عن دورها كركيزة أساسية للتنمية السياحية فى المحافظات المختلفة بما يعود بالنفع ليس فقط على المجتمعات المحلية إنما بالقطع على مجمل الاقتصاد القومي.
هذا،بالإضافة لأهميتها لحماية الأمن القومى للدولة،إلا إنه من الضرورى أن تحقق هذه المطارات حداً أدنى من الإيرادات وذلك لمواجهة أعمال التطوير والتوسع لزيادة القدرات الاستيعابية عند تزايد الأعداد الوافدة وللتشغيل والصيانة بما يتوافق مع المعايير والمواصفات التى تحقق التوافق البيئى وذلك لتحقيق التنافسية والتنمية المستدامة ولتتواكب مع مستوى الخدمات المقدمة عالمياً فى المطارات المنافسة فى المنطقة من حيث مدة وكفاءة أدائها.