المسلة السياحية
كتب د. عبد الرحيم ريحان
عندما نشتاق إلى الجمال ومعانى الحب الصادقة ودفء الرومانسية المفقودة ، فى أزماننا نعود دائمًا إلى الزمن الجميل لنعايشها لحظات ربما تبعث فينا الأمل لإحياء المشاعر النبيلة المدفونة، عمدًا فى قلوبنا تحت ضغوط الحياة ووتيرتها الأسرع من اللازم.
وقد اخترت ثلاثة شهور يتجسد فيها معنى الحب وهى فبراير ومارس وأبريل، فبراير وهو شهر الحب بكل معانيه النبيلة والشاملة ، ومارس حب الأم والتذكرة بأفضالها علينا وعودة الدفء الأسرى، وأبريل عيد الربيع الذى يحيى فينا حب الجمال والتأمل فى الطبيعة الساحرة فى الشروق والغروب، والأشجار والزهور نتلحف نسمات المساء الرقيقة.
وسنبدأ الزمن الجميل منذ عصر مصر القديمة التى علمت العالم كيف يقرأ ويكتب ويبنى ويعيش إنسانًا متحضرًا ، كما علمته كل معانى الحب الصادق ،وفى دراسة للدكتور خالد شوقى البسيونى أستاذ الآثار المصرية والإرشاد السياحى بكلية السياحة والفنادق ورئيس قسم الإرشاد السياحى بجامعة قناة السويس، عنوانها ” شعر الغزل والغرام فى مصر القديمة” أكد من خلالها أن قدماء المصريين أول من كتبوا أشعار الغزل والغرام فى التاريخ ، وقد عرفت مصر القديمة أنماطًا متنوعة وأجناسًا مختلفة من الأدب مثل أدب السير الذاتية ،والتراجم الشخصية ،وأدب الحكمة ،وهو أدب التربية والتعليم ،والأدب الإصلاحى والتهذيبى، الذى ظهر على يد من أطلق عليهم اسم الأنبياء الاجتماعيون مثل الحكيم بتاح حوتب، والحكيم آنى ،والحكيم أمنؤبى.
وقد شمل الأدب المصرى القديم أدب القصة مثل بردية الملاح الغريق، وبردية القروى الفصيح ،وبردية سنوهى ،وبردية الأمير المسحور ،وبردية الأخوين ، وفى مقدمة هذا بردية خوفو والسحرة ،وأدب الرسائل والخطابات الملكية مثل رسائل تل العمارنة والدبلوماسية فى مصر القديمة ، والأدب الدينى والجنائزى، وقد ظهر فى الدولة الحديثة نمط جديد من الأدب فى سياق الوثائق الكتابية والنصية وهو شعر الغزل والغرام من قصائد عاطفية ووجدانية، مما يعكس تطور الحياة الاجتماعية والثقافية والفكرية فى عصر الدولة الحديثة ، والتطور الطبقى بمعناه الحضارى.
وتعتبر بردية شستر بيتى النموذج الأمثل الذى يعكس هذا النوع من الشعر فى مجال الحب والغرام والمشاعر الحميمة، مما ينفى صفة الجمود والجنائزية ومظاهر الميلودراما فى مجمل الحياة المصرية القديمة (حياة القصور والترف فى أحياء العواصم الكبرى فى طيبة وتل العمارنة .
ومن نماذج الشعر المصرى القديمة فى ترنيمة نفتيس إلى أوزوريس
أحضر توا يا سيدى يا من ذهبت بعيداً – أحضرلكى تفعل ما كنت تحبه تحت الأشجار
لقد أخذت قلبى بعيداً عنى آلاف الأميال – معك أنت فقط أرغب فى فعل ما أحب
إذا كنت قد ذهبت إلى بلد الخلود – فسوف أصحبك
فأنا أخشى أن يقتلنى طيفون ( الشيطان ست ) – لقد أتيت هنا من أجل حبى لك – فلتحرر جسدى من حبك
ومن قصيدة إيزيس العاشقة الأولى : النداء الأبدى لأوزوريس بردية برلين رقم 3008
تعالى نحو بيتك تعالى إلى بيتك – أنت يا من لا أعداء له – أيها الشاب الجميل الطلعة
تعالى بيتك لكى ترانى– لا تفترق عنى أبداً – أنا لا أراك – ولكن قلبى يتطلع للقياك وعيونى تبحث عنك – تعالى يا من توقف قلبه عن الخفقان – أننى أناديك ويرج صراخى أجواء السماء – ولكنك لا تسمع صوتى – أنت لم تحب إمرأة أخرى سواى.
ومن قصيدة العاشقة العذراء الغزل العفيف عن بردية شستربيتى تشبه أغنية ( يا أما القمر على الباب)
لقد أثار حبيبى قلبى بصوته – وتركنى فريسة لقلقى وتلهفى – أنه يسكن قريبًا من بيت والدتى – ومع ذلك فلا أعرف كيف أذهب نحوه – ربما تستطيع أمى أن تتصرف حيال ذلك – ويجب أن أتحدث معها وأبوح لها – أنه لا يعلم برغبتى فى أن آخذه بين أحضانى – ولا يعرف بما دفعنى للإفصاح بسرى لأمى – إن قلبى يسرع فى دقاته عندما أفكر فى حبى – أنه ينتفض فى مكانه .
لقد أصبحت لا أعرف كيف أرتدى ملابسى – ولا أضع المساحيق حول عينى ولا أتعطر أبدًا بالروائح الذكية
الحوض الذى يشفى من آلام الحب
وفى دراسة أثرية للدكتورة رضوى زكي الباحثة بمكتبة الإسكندرية تحت عنوان “النقوش الهيروغليفية بآثار القاهرة الإسلامية ، في ضوء لوحات المستشرق لويجي ماير” ترصد أسطورة توضح حقيقة الحوض المرصود الاسم المشهور بمنطقة السيدة زينب، والذى يشفى من آلام الحب ،وقد نسجت حول تابوت جرانيتي من عصر مصر القديمة أعيد استخدامه بأحد مساجد مدينة القاهرة كحوض أو مسقى للمياه ،وقد أشار لهذه الأسطورة المؤرخ المملوكي بن إياس موضحاً أن هذا التابوت كان مستخدمًا كسفينة، كما رصدت ملامح بعض آثار ومنشآت القاهرة الإسلامية ،ومن ضمنها الآثار الفرعونية المعاد استخدامها في بعض العمائر الإسلامية من خلال اللوحات المائية الذى رسمها المستشرق الإيطالي ماير ،والتي صورت مجموعة من الآثار الإسلامية بدقة بالغة وكأنما التقطتها عدسات مصور محترف.
وتحكى الأسطورة عن تابوت كان يستخدم سفينة فى قديم الزمان، وكان يركب في هذه السفينة أربعة أشخاص يعبرون بها النيل من ضفة إلى أخرى ،فإذا ركبها خمسة فلابد أن تغرق بهم لأن الكهنة القدماء طلسموها هكذا ، ولقد بادر كافور الإخشيدي إلى جمع علماء مصر لديه وكلفهم بقراءة النقوش الهيروغليفية المدونة على هذا التابوت فعجزوا عن ذلك، فاضطر كافور إلى اعادة السفينة إلى شاطئ النيل لاستعمالها كسابق عهدها حتى غرقت المركب بهم في النيل لفساد الطلسم وهى نقوش السفينة، ومنذ ذلك الحين ألقى التابوت بجوار أحد مساجد قلعة الكبش.
ونظر علماء الحملة الفرنسية لهذا التابوت باعتباره يسمى “ينبوع العشاق”، وأوضحوا أن هذه الأسطورة كانت على أرض الواقع حقيقية ورسموا التابوت وبه ثقب من أحد جوانبه لتصريف المياه التي به ، وكان ذلك سبباً فى تسمية المنطقة الواقعة بأحد شوارع منطقة قلعة الكبش باسم شارع الحوض المرصود ،وقد سجل علي باشا مبارك في خططه التوفيقية قصة هذا التابوت ،والذي سُمي الشارع باسمه قبل نقله إلى المتحف البريطاني ليستقر هناك كتابوت مصري فرعوني وسط مجموعة من الآثار المصرية الأخرى ،وقد كان مقدراً لهذا التابوت أن ينتقل إلى فرنسا بعد أن نقله أعضاء لجنة العلوم والفنون المرافقة للحملة إلى الإسكندرية في طريقه إلى باريس، لكن انتقل بموجب اتفاقية الإسكندرية عام 1802 مع العديد من الآثار المصرية الأخرى كحجر رشيد إلى بريطانيا، والآن يطلق اسم الحوض المرصود على مستشفى للأمراض الجلدية بمنطقة السيدة زينب.
العلاقة الزوجية
تجسدت مشاعر الحب فى مصر القديمة فى عدة صور حيث صور المصرى القديم العلاقة بين الزوجين على الجدران بصور تدل على الإخلاص والوفاء ، ومنها وقوف الزوج مجاوراً لزوجته أو الجلوس معاً على أحد المقاعد بينما تلف الزوجة ذراعها برفق حول عنق زوجها ، أو تضع يدها على إحدى كتفيه أو تتشابك أيديهما معاً رمزاً للحب الجارف، أو تقف أمامه لتقدم له الزهور أو تقف جانبه وتسند عليه ذراعها كناية عن معاونتها له فى كل الأمور.
ويجسّد تمثال القزم (سنب) وأسرته من الأسرة الخامسة بالمتحف المصرى روح المحبة والعطف التى تسود الأسرة المصرية ، حيث تجلس الزوجة إلى جوار زوجها وتلف ذراعها حوله برقة ولطف على حين وقف الأبناء بجانب الأب والأم فى أدب واحترام ، ومنظر على ظهر كرسى عرش الملك توت عنخ امون بالمتحف المصرى يصّور جلوس الملك دون تكلف والملكة مائلة أمامه وفى إحدى يديها إناء صغير للعطر تأخذ منه، وباليد الأخرى عطر آخر تلمس به كتف زوجها برقة ولطف.
الأم مدرسة الحب
وسجل المصريون القدماء معانى الحب على لوحتين أثريتين أكتشفتا بمقبرة سوبك حتب المشرف على البيت المالك بمنطقة آثار هوارة بالفيوم عام 1974، تشيرا لمدى حب واحترام المصرى القديم لأهل بيته سواء أمه أو زوجته أو بناته ،كما جاء فى بحث الدكتور أشرف السنوسى الآثارى بمنطقة آثار الفيوم عنوانه (مقابر أفراد الدولة الوسطى بهوارة حفائر 1974 ، 1982).
ويصور الجزء الأيسر من اللوحة ثلاثة بنات وأعلى كل واحدة منهن كتب (ابنته حبيبته المجهولة) وأعلى صف البنات صف آخر ربما لأولاد، وربما أيضا كتب فوق كل واحد (ابنه حبيبه المجهول) ويفسّر الجزء الأيمن من اللوحة سبب وصف بناته بالمجهولين، والذى يمثّل منظر لسيدة جالسة وأعلاها كتب لقبها ( أمه حبيبته ست الدار ايسن) ،مما يوضح أن سوبك تزوج أكثر من مرة ولم ينجب أطفالاً ، وكما هو جارى فى وقتنا الحاضر كان يتزوج أكثر من واحدة على أمل الإنجاب ،ونتيجة عدم تحقق الإنجاب تمنى أن يكون له فى العالم الآخر أولاد وبنات، وبالطبع لم يعرف أسماءهم فوصفهم بالمجهولين ،ولم يكتف بذلك بل أعطى أمه لقب (ست الدار) وهو لقب لم يكن يعطى فى الغالب إلا للزوجات وهذا دليل على شدة تكريمه لأمه بتصويرها داخل مقبرته.
امّا اللوحة الثانية فتؤكد أن سوبك حتب كما كان محبًا لأمه ولبناته المجهولين فقد كان محبًا لزوجاته ، بصرف النظر عن الإنجاب أو عدمه حيث صوّر على لوحة حجرية أخرى من نفس المقبرة حملة قرابين وأعلى اللوحة تصوير لسيدة أمامها مائدة عليها قرابين يبدو أنها مكررة مثل منظر البنات المجهولة ،وأعلى واحدة من هؤلاء السيدات كتب (سيدة الدار المرحومة ايبو) ،وأعلى السيدة الأخرى بقية كلمة (المرحومة) مما يدل على تمثيله لأكثر من زوجة بالمنظر.
ترنيمة إيزيس
كما تجسّت معانى الوفاء والإخلاص فى الحب فى أسطورة أيزيس التى تحكى كيف غدر ست بأخيه أوزوريس الذى كان يبغض فيه جمال وجهه ورجاحة عقله وحمله رسالة المحبة والخير بين البشر ، فدبر مكيدة للقضاء عليه واتفق مع أعوانه من معبودات الشر على أن يقيموا لأوزوريس حفلاً تكريمًا له ، ثم أعد تابوتاً مكسى بالذهب الخالص بحجم أوزوريس وزعم أنه سيقدمه هدية لمن يكون مرقده مناسباً له، ورقد فى التابوت كل الضيوف ولم يكن مناسبًا لأى أحد حتى جاء دور أوزوريس فأغلق عليه ست التابوت وألقوه فى نهر النيل، وانتقل التابوت من النيل عابراً البحر المتوسط حتى وصل للشاطئ الفينيقى فى أرض ليبانو عند مدينة بيبلوس، وهناك نمت على الشاطئ شجرة ضخمة وارفة الظلال حافظت على التابوت المقدس من أعين الرقباء.
وكان فى بيبلوس ملكة جميلة تسمى عشتروت خرجت لتتريض على الشاطئ فبهرتها الشجرة الجميلة النادرة وأمرت بنقلها لقصرها وأما إيزيس فبكت على أوزوريس وبحثت عنه على طول شاطئ النيل واختلطت دموعها بماء النيل حتى فاض النهر وبينما كانت تجلس بين سيقان البردى فى الدلتا همس فى أذنيها صوت رياح الشمال تبلغها بأن المعبود أوزوريس ينتظرها على شاطئ بيبلوس فذهبت واستضافتها عشتروت وكانت إيزيس تحول نفسها كل مساء بقوة سحرية إلى نسر مقدس تحلق فى السماء وتحوم حول شجرة زوجها أوزوريس حتى حدثت المعجزة وحملت إيزيس بالطفل حورس من روح أوزوريس ورجعت به مصر تخفيه بين سيقان البردى فى أحراش الدلتا حتى كبر وحارب الشر وخلص الإنسانية من شرور ست.
تخليد الزوجة المحبوبة
ونشير هنا إلى أثرين شهيرين بمصر وهما من أشهر آثار العالم معبد أبو سمبل الصغير ، ودير سانت كاترين ،وقد جسدا الوفاء لذكرى الزوجة المحبوبة لرمسيس الثانى نفرتارى ، والزوجة المحبوبة للإمبراطور جستنيان ثيودورا.
نفرتارى هى الزوجة الرئيسية لرمسيس الثانى جميلة جميلات الدنيا والمحبوبة التى لا مثيل لها، والنجمة التى تظهر عند مطلع عام جديد رشيقة القوام وقد أبهرت أزياؤها أعظم مصممى أزياء العالم، وهى الزوجة الملكية العظمى مليحة الوجه الجميلة ذات الريشتين كما أطلق عليها فى مصر القديمة، وبهذا فهى تستحق لقب ملكة جمال مصر القديمة وقد بنى المعبد الصغير على بعد مائة متر شمال شرق معبد رمسيس الثانى، وخصص للمعبودة حتحور ،ورمسيس الثانى وزوجته نفرتارى، ويتكون من واجهة بها ستة تماثيل يليها صالة أعمدة وصالة مستعرضة وينتهى بقدس أقداس صغير …
ويتسم هذا المعبد بإبراز الجانب الأنثوى فى الخطوط الرقيقة لأشكال الملكة، وفى الإهتمام بإبراز الملامح الجمالية للنساء ، رغم أن أغلب مناظر المعبد تركز على المراسيم الدينية اليومية فى المعبد مثل تقديم الأزهار ،وحمل أداة الصلصلة وحرق البخور فوق القرابين.. وتنقسم الواجهة إلى برجين يتضمن كل منهما مجموعة من ثلاثة تماثيل منحوتة يبلغ ارتفاعها عشرة أمتار ، إثنان منهما يمثلان الملك رمسيس الثانى ،والثالث لزوجته نفرتارى ، وأجمل تمثال للملكة نفرتارى هو الموجود فى المجموعة اليمنى ، وتظهر فيه الملكة نفرتارى وهى ترتدى فستان طويل شفاف ،وتمسك فى يديها أداة الصلصلة ، وتضع على رأسها التاج الحتحورى المميز الذى يتكون من الريشتين و بينهما قرص الشمس.
اكتشفت مقبرة نفرتارى بمنطقة البر الغربى بمدينة الأقصر عام 1904 على يد بعثة إيطالية برئاسة الأثرى الشهير “سكياباريللي “، وصورت نفرتارى بمقبرتها وهى ترتدى رداء شفافا فضفاضا ذا ثنيات من اللون الأبيض ظهر منه ساعداها وقد ربطتهما بشريط معقود أسفل صدرها يتدلى منه طرف الرباط ، ووضعت على رأسها تاجاً من الذهب على هيئة طائر الرحمة «نخبت» ،وفى كثير من الأحيان كانت تضع تاجا آخر يعلوه طائر الرحمة بريشتين بينهما قرص الشمس، وقد تزينت الملكة بالكثير من الحلى من أقراط وأساور وعقود حيث تظهر المساحيق على وجهها.
وكانت ثيودورا الزوجة المحبوبة للإمبراطور جستنيان، وهناك نقش باللغة اليونانية على أحد عوارض السقف بكنيسة التجلى بدير سانت كاترين ، وترجمته كالآتى ( لأجل تحية ملكنا التقى جوستنيان العظيم لأجل إحياء ذكرى وراحة ملكتنا ثيودورا )، ولقد أنشأ جستنيان هذا الدير لإحياء ذكرى زوجته ثيودورا وتاريخ وفاة ثيودورا 548 م ووفاة جستنيان 565 م، وكانت ثيودورا الزوجة المحببة لجستنيان وشاركت فى كثير من أمور الحكم ،وكانت مهتمة بالمناطق الشرقية من الإمبراطورية ، وحرصت على إقامة علاقات سلمية معهم ، ولقد ماتت قبل وفاة جستنيان ،
وقد استنتج د. ريحان من ذلك التاريخ الحقيقى لبناء دير سانت كاترين ، مؤكداً أن بناء الدير كان بين عام 548م وهو تاريخ وفاة ثيودورا ،وعام 565م تاريخ وفاة جستنيان ، وذكر أن التاريخ الأقرب لبناء الدير هو 560م ،ويتضح من نقش رقم 3 من عوارض سقف البازيليكا أن مهندس بناء الدير هو أسطفانوس من أيلة (العقبة حاليا).
ودير سانت كاترين مسجل كأثر من آثار مصر فى العصر البيزنطى والخاص بطائفة الروم الأرثوذكس عام 1993 ،والمسجل ضمن قائمة التراث العالمى (يونسكو) عام 2002 ، يعتبر من أهم الأديرة على مستوى العالم ،والذى أخذ شهرته من موقعه الفريد فى البقعة الطاهرة التى تجسدت فيها روح التسامح والتلاقى بين الأديان، ولقد بنى الإمبراطور جستنيان الدير ليشمل الرهبان المقيمين بسيناء بمنطقة الجبل المقدس منذ القرن الرابع الميلادى عند البقعة المقدسة التى ناجى عندها نبى الله موسى ربه وتلقى فيها ألواح الشريعة.
كليوباترا وبلسم الحب
“كليوباترا” قال عنها الشاعر بلوتارك أن سرها يكمن فى شفتيها ،وقال عنها بينى بأنها كالقيثارة العديدة الأوتار الكثيرة الأنغام والإيقاع والنبرات المثيرة ،وهى تتكلم بسبع لغات ، وقال سنيكا أنها الأنثى الخالدة الذى وجد فيها باحثى علم النفس والشعراء والفنانين أنشودته للتعبير عن مختلف نواحى الجمال، ووصفها باسكال لو أن أنفها كان أصغر مما هى عليه لتغير وجه الأرض فى تلك الزمان ،ومدح مرسييه ذكائها وثقافتها ، وكشف شاعر يونانى جمالها من خلال حركات شفتيها ونبرات عينيها ،وقال عنها جانيميد إن لون عينيها الحالمتين يعكس زرقة ماء بحر الإسكندرية وعمقه فى هدوئه وثورته.
كانت تكرم كبار ضيوفها بوضع حبات من اللؤلؤ النادر الذى يزينن صدرها فى كأس ضيفها العظيم والذى يفقد توازنه، وقد فسّر الطبيب الإيطالى كارلو أنطونللو فى كتابه ” شئ فى فم كليوباترا ” ، بأنها كانت تعتمد على شئ خفى يجعل الرجال يتساقطون عند قدميها من أول لمسة من شفتيها ،هو أنها كانت تقبّل الجميع وترسل مع ريقها مخدرًا ،وكانت تسرف فى استخدام قبلاتها لكل من تريد أن تستولى على عقله وقلبه ،وكان ذلك بفعل مادة الهلوسة أو سائل الهلوسة التى تضعه فى أفواههم، وذلك طبقًا لما جاء فى كتاب ” لغز الحضارة المصرية ” للدكتور سيد كريم.
وعن سر عطر كليوباترا بلسم الحب تحدث المؤرخون والكتاب، وكانت تقوم بإهدائه فى آنية خاصة نقش عليه إسمها لضيوفها من كبار الزوار والحكام ، وقد أطلق عليه كتاب الرومان اسم بلسم الحب بعدما نسجوا حوله الكثير من الأساطير لما كان له من سحر خاص، وتقوم بتحضيره فى معمل خاص ملحق بمعبد إيزيس ، ويحتفظ بسر صناعته كهنة معبد آمون، وكانت زيوت صناعة ذلك العطر تستورد خصوصًا من جوديا بمنطقة أريحا، وكان يطلق عليها أشجار البلسم المقدس ،وذلك طبقًا لما جاء فى كتاب ” لغز الحضارة المصرية ” للدكتور سيد كريم.
وقد حقق أنطونيو حلم كليوباترا بالإستيلاء على تلك الحدائق من زهور وزيوت عطرية وأخشاب معطرة للبخور ،وعملت كليوباترا على نقلها وزراعتها فى مصر ،فقامت بإنشاء حدائق البلسم الشهيرة فى المطرية، وكانت تنقل إليها الأشجار الكبيرة النامية بواسطة السفن.
وصفها المؤرخون بأنها كانت مقدونية الصدر من خلال تماثيلها الذى قام مثالو الرومان بنحتها عند إقامتها فى روما ،بينما وصفها البعض بأنها كانت نحيلة فرعونية القوام من خلال صورها على جدران معبد كوم أمبو، أو ممثلة فى شكل المعبودة إيزيس فى معابد فيلة ودندرة … حيث قيل أن فنانى مصر القديمة اتخذوا من قوامها نموذجًا لهم، وقد كان ملوك البطالسة فى ظاهرهم فراعنة ،وفى باطنهم مقدونيين وذوى ثقافة هلينية بحتة.. ولم يكن بينهم أحد يعرف اللغة المصرية القديمة سوى كليوباترا التى ختم بها عهد البطالسة ،وكانت تتكلم المصرية الديموطيقية كواحدة من أهل البلاد ،وقد تعلمت على يد كهنة آمون وهى طفلة فى التاسعة من عمرها، واعتنقت الديانة المصرية وأتمت ثقافتها العالية فى العلوم الآداب والفلسفة على يد أساتذة مصريين من أكاديمية الميوسيين.
وكان أنطونيو المحبوب الأول والأخير لكليوباترا وكذلك كانت لأنطونيو ، وكانت كليوباترا فى الرابعة عشرة من عمرها عندما أعجبت بالضابط الرومانى وقوامه العسكرى وجبهته العريضة وعينيه اللتين تعكسان زرقة البحر الذى وصل فوق أمواجه، وقد وقع أنطونيو فى غرامها رغم صغر سنها وقد سحرته شخصيتها ، وكانت تظهر دائما برفقته فى زيارة معالم الإسكندرية وحضور أعيادها وحفلات القصر…
وقد تخلى أنطونيو عن مستقبله فى روما ليتبع ساحرة النيل إلى الإسكندرية ليستمتع بحبها ، ويكمل أسطورة غرامه وتزوجت من أنطونيو عام 40 ق. م ، وتحقق حلمها فى أن تكون مصر عاصمة عالم الشرق والغرب بدلاً من روما ، وعاش أنطونيو مع كليوباترا عشر سنوات ، وكانت نهاية أسطورة الحب فى يوم 7 أغسطس عام 30 ق. م. عند هزيمة أنطونيو أمام أكتافيوس فى موقعة أكتيوم ، ليعود إلى الإسكندرية ويقتل نفسه بسيفه ،وتحتضن كليوباترا الكوبرا لتموت وهى فى كامل زينتها ويتوج رأسها التاج الملكى
إيزادورا أيقونة الحب
كان عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين يختفى لمدة ثلاثة أشهر فى الشتاء من كل عام ، ونسجت إشاعات كثيرة حول هذا الاختفاء نكشف عن حقيقتها فى عيد الحب ،حيث كان هذا الإختفاء إختيارى ليقيم فى استراحته بتونة الجبل التابعة لمركز ملوى بمحافظة المنيا ،واشتق اسمها من الكلمة المصرية القديمة “تاحني” أى البحيرة إشارة إلى بحيرة كانت تتكون في المنطقة نتيجة لفيضان النيل، وأضيفت إليها كلمة الجبل نظرًا لوقوعها في منطقة جبلية صحراوية.
وكانت الإستراحة بجوار محبوبته إيزادورا ،وهى قصة حقيقية لفتاة كان عمرها 18 عام رائعة الجمال عاشت فى مصر القديمة منذ القرن الثانى قبل الميلاد عشقت شابًا رفض أباها الزواج ثم وافق ، وحين ذهبت لرؤية المحبوب عبر ضفتى النيل اختل توازنها وغرقت وتم تحنيط جسدها ، ورثاها والدها بمرثية شعرية كتبت باليونانية، وسجلت على جدران المقبرة وبقيت المومياء شاهدة على هذا الحب الذى سطر على صفحات النهر الخالد الذى شهد وفاء إيزيس لمحبوبها أوزوريس وجمع شتاته من أعماق النهر …
وكانت مقبرتها بتونة الجبل مصدر إلهام لعميد الأدب العربى الدكتور طه، وأقام بجوارها استراحة كان يقيم بها ثلاثة أشهر فى الشتاء طلباً للرومانسية وحياة الحب الخالد ،حيث كان يتوجه لمقبرتها قبل غروب الشمس لينير “المسرجة” الموجودة داخل المقبرة، كما كان يفعل عشيق إيزادورا بعد وفاتها حيث كان يسير إلى مقبرتها لعدة كيلو مترات ليضئ الشموع ليشعل حرارة الحب الخالد من جديد.
ويشير الباحث الآثارى عماد مهدى مكتشف مجمع البحرين بسيناء أن آخر ما دون على جدران مقبرة إيزادورا باليونانية ( أيتها الصغيرة الجميلة… أيتها الطيبة البريئة… والزهرة الناضرة… التى ذبلت فى ربيع العمر… ياملاكى الطاهر الذى رحل دون وداع ) ، وكانت هذه الكلمات رثاء من الأب النادم على حرمان أميرته الصغيرة من حق الحب والحياة ، ويزادورا تعنى هبة إيزيس الفتاة اليانعة صاحبة الستة عشر عامًا من طبقة النبلاء إبنه حاكم إقليم المنيا (أنتنيوبولس) على الجانب الشرقي للنيل بملوى فى عصر الإمبراطور هادريان (117م- 138م ).
ويوضح أن إيزادورا أحبت ضابط بالجيش المصرى من عامة الشعب إسمه حابى من أول نظرة أثناء حضورها أحد الاحتفالات الخاصة بالمعبود “تحوت” رمز الحكمة والعلم بمصر القديمة، وكانت تقابله عند البحيرة بجوار قصر أبيها ودام هذا الحب لمدة ثلاث سنوات حتى علم أبيها بهذا الحب، وكانت إيزادورا محبوبة أبيها ولما علم بما فعله بقلب إبنته ندم أشد الندم وشيد لها مقبرة جميلة وفريدة الطراز على شكل قوقعة مغطاة بالجص…
وظل الحبيب حابى على وفائه لحبها وقرر عدم الزواج ، وكان يذهب إلى قبرها يوميًا ليجلس معها لساعات ويشعل المسرجة داخل قبرها حتى لا تبقى روحها وحيدة فى قبرها، وكان عميد الأدب العربى يكرر معنى هذا الوفاء ويشعل مسرجة إيزادورا يوميًا عند الغروب.