بقلم: محمد رضا
الرئيس التنفيذي الإقليمي لمجموعة سوليد كابيتال SOLID Capital Group
“المسلة السياحية” ….. حرباً تجارية أطلقت شراراتها أمريكا ضد الصين هددت استقرار الاقتصاد العالمي وتطيح بالاقتصادات الناشئة الواحد تلو الآخر، وبدأت هذه الحرب التجارية بين القوى الأعظم أقتصادياً في العالم عندما هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على السلع الصينية المُصدرة إلى الولايات المتحدة والبالغة قيمتها أكثر من 500 مليار دولار سنويا ما لم توافق بكين على إجراء تغييرات كبيرة في ممارساتها بشأن الملكية الفكرية وبرامج الدعم الصناعي وهياكل الرسوم وأن تشتري الصين المزيد من السلع الأمريكية حيث تستورد الصين من أمريكا بأقل بكثير مما تصدر لها.
وبالفعل أصبح الاقتصاد العالمي ينمو “بشكل أبطأ” متأثراً بالتوترات التجارية والرسوم الجمركية والتشدد المالي وحالة عدم اليقين حول نتيجة “بريكست” وتباطؤ الاقتصاد الصيني وهو ماوصفه صندوق النقد الدولي بـ “الغيوم الأربع” التي تؤثر سلبا على الاقتصاد العالمي وحذر في ذات الوقت من إمكانية مواجهة “عاصفة” محتملة تطيح بالاقتصاد العالمي، وكان صندوق النقد الدولي قد خفض في يناير 2019 توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي للمرة الثانية خلال أشهر حيث توقع نموه هذا العام بنسبة 3.5%، وبنسبة 3.6% في 2020، بعد أن سجل نموا في 2018 بنسبة 3.7%.
وبعد نمو سريع في عام 2017 تباطأ الأنتاج الصناعي والتجارة وتراجعت ثقة الأعمال وأحد أسباب فقدان الزخم على هذا النحو هو قيام الاقتصادات الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة بتطبيق تعريفات جمركية، واتخاذ إجراءات انتقامية مقابلة من جانب اقتصادات أخرى بما فيها الصين، ومع تصاعد نبرة الحمائية في المجال التجاري، ارتفع عدم اليقين بشأن السياسة التجارية، مما يؤثر على قرارات الاستثمار في المستقبل. ورغم هذه الإجراءات، فقد توسع الاقتصاد الأمريكي بوتيرة سريعة في عام 2018، حيث أدت التخفيضات الضريبية وزيادات الإنفاق إلى تنشيط الطلب. ونتيجة لذلك، استمر الاحتياطي الفيدرالي في رفع سعر الفائدة الأساسي.
وكانت الزيادة أقل في أسعار الفائدة على السندات الأمريكية طويلة الأجل، حيث يرى المستثمرون مخاطر على النمو في المستقبل ويفضلون الأمان الذي تتيحه سندات الخزانة الأمريكية.
وزاد سعر الدولار الأمريكي بفضل قوة الاقتصاد وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وتعرض عدد من اقتصادات الأسواق الصاعدة الهشة إلى ضغوط بسبب ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي وهبوط مستوى المخاطر الذي كان المستثمرون الماليون العالميون على استعداد لقبوله، وشهدت معظم هذه البلدان زيادة في تكاليف الاقتراض الخارجي، لكن درجة هذه الزيادة تفاوتت إلى حد كبير.
ودخلت هذه الحرب التجارية حيز التنفيذ سريعاً بفرض أمريكا رسوم جمركية أكبر على بعض واردت الصين وبدأ في التصاعد مع رد الصين بفرض رسوم أكبر على بعض الواردات الأمريكية، وبدأت التعريفة الجمركية بنسبة 10%، قبل أن ترتفع إلى 25% ، وتم تطبيقها على آلاف البضائع الصينية ما بين مواد غذائية وقفازات البسبول وحتى أجهزة الرواتر والمكونات الصناعية، أما التعريفة الصينية الجديدة ترتفع بمعدل 5%، بحسب المنتج…
ومع أستمرار تبادل النيران بين القوتين الاقتصاديتين العظمتين سيعنى فرض تعريفة جمركية على ما يقدر بأكثر من 360 مليار دولار من البضائع لتمثل تصعيدا كبير لصراعهما والذى يضرب نمو الاقتصادى العالمى في مقتل ومن المتوقع أن تتفاقم هذه المعركة حتى مع نفاذ السبل أمام بكين للرد على ما تقوم به واشنطن فالخطوة الأمريكية الأخيرة تعنى أن حوالى نصف المنتجات التى تبيعها الصين للولايات المتحدة كل عام ستفرض عليها تعريفة أمريكية.
في حين يعاني الاقتصاد الصيني من التباطؤ وفي الوقت الذي بات الاقتصاد الأمريكي أقوى وفي ظل أن ماتصدره الصين لأمريكا أكبر بكثير مما تستورده منها، يبقى للطرف الأمريكي في هذه الحرب ذخيرة أكثر لأطلاقها في وجه الاقتصاد الصيني، ومن المتوقع أن كل ما تم فرض رسوم على واردات بمئة مليار دولار يقلص التجارة العالمية نحو 0.5% أي أن وصلت إلي خمسمائة مليار دولار سيقلص ذلك حجم التجارة العالمية 2.5%، كما من المتوقع أن يكون تأثيرا مباشرا على نمو الاقتصاد الصيني في 2018 بما بين 0.1 و0.3 نقطة مئوية وأن لها تأثيرا بنسبة أقل على الولايات المتحدة لكن التأثير سيكون أكبر العام الحالي فضلا عن الإضرار بدول أخرى وشركات ترتبط بسلسلة التوريدات العالمية للصين.
وفي الوقت الذي أندلعت فيه الحرب التجارية بين القوى الأعظم أقتصادياً، أندلعت معها أزمات متتالية في أقتصاديات الأسواق الناشئة لتتسع في سبعة من أكبر الأقتصادات النامية حيث ساهمت التوترات التجارية التي أدت إلي تباطأ الاقتصاد العالمي وأرتفاع الدولار إلى تفاقم المشاكل في العديد من الاقتصادات الناشئة، مع حجم الديون المقومة بالدولار التي تضاعفت إلى أكثر من الضعف عند 3.7 تريليون دولار على مدى العقد الماضي وفقا لبنك التسويات الدولية.
حيث يواجه عدد من دول الأسواق الناشئة أزمات مالية وسط تعثر لعملاتها المحلية مقابل الدولار الأميركي مما دفع بعضها إلي أتباع سياسات التشديد المالي ومنها رفع الفائدة بنسب مرتفعة للغاية في محاولة لاستبقاء المستثمرين الأجانب في الوقت الذي يخشى المستثمرون فيه من أن تعاني الاقتصادات الناشئة الأخرى في النهاية من نفس المشاكل التي تعاني منها هذه الاقتصاديات…
وهرب كثير من المستثمرين الأجانب وسط ارتفاع التضخم نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية وارتفاع الدولار، مع عمليات بيع كثيفة للعملات المحلية وتبدو الأسواق الناشئة شديدة الهشاشة في المرحلة الراهنة، خاصة في ظل تصاعد الصراع التجاري العالمي المضر بشكل كبير بالأسواق الناشئة، وسحب الصناديق العالمية مليارات الدولارات من أسواق الديون في البلدان الناشئة مند أوائل مايو (أيار) من العام الماضي، وانخفاض مؤشرات الأسهم بشكل حاد.
حيث أدت سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الضغط على المعروض العالمي من الدولار، وشجعت رؤوس الأموال الأجنبية على الهجرة من الأسواق الناشئة إلى الولايات المتحدة، ما شكل ضغطًا هبوطيًا على عملات هذه البلدان، وخلق مخاوف من انتقال عدوى الاضطراب الاقتصادي إلى دول أخرى في ظل التوقعات بمواصلة الاحتياطي الفيدرالي رفع الفائدة على العملة الأميركية، حيث يؤدي رفع الفائدة إلى زيادة الضغوط على عملات البلدان الناشئة التي هبط بعضها بالفعل إلى مستويات قياسية، ما اضطر البنوك المركزية في هذه الأسواق إلى رفع معدلات الفائدة إلى نسب غير مسبوقة.