الإسكندرية “المسلة السياحية” ….. نظمت مكتبة الإسكندرية في إطار معرض الإسكندرية للكتاب ندوة عن رواية الكاتب الصحفي الدكتور سامح فوزي “حدث في برايتون”، بعنوان “التمرد على الذات.. حدث في برايتون نموذجًا”، ناقشها الكاتب الصحفي والناقد سيد محمود، وقدمها الناقد الدكتور مدحت عيسى.
وقال الدكتور مدحت عيسى إن الندوة تأتي اللاحتفاء بالرواية الأولى للدكتور سامح فوزي، الكاتب الصحفي والباحث في العلوم السياسية والاجتماعية، الذي نجح في التحول بسلاسة إلى الكتابة الإبداعية. ولفت إلى أن عمل الدكتور سامح فوزي كباحث لسنوات طويلة مكنه من خوض غمار الكتابة الروائية لما يتمتع به الباحث من قدرة على التحليل، إلى جانب فكرة الاحتشاد المعرفي التي تمكن الباحث من الاستقراء والاستدلال، وهو جزء لا يتجزأ من الخلفية التي ينطلق منها الروائي.
وتحدث الدكتور سامح فوزي عن تجربته الإبداعية الأولى وظروف كتابتها، لافتًا إلى أنه كان يكتب جزءًا بعد جزء من دون التفكير في نشرها، حتى عرض المسودة الأولى على الأستاذ سيد محمود، الذي تحمس لها كثيرًا وقدم له مجموعة مقترحات تخص اللغة، لافتًا إلى وجود تحدي كبير في الانتقال من لغة البحث العلمي إلى سلاسة الكتابة الإبداعية.
وقال إن الرواية تدور حول قضية التغيير الإنساني، وكيف يغير الإنسان طريقة تفكيره ليكتسب ذاتًا جديدة. وأكد أن تلك التجربة تنطوي على الكثير من الصدمات، وتتطلب قدرة كبيرة على الاحتجاج، حتى تتمكن الذات من إعادة إنتاج نفسها.
ولفت إلى أن “منة الله” الشخصية الرئيسية في الرواية هي فتاة تعيش في إحدى قرى الصعيد وانتقلت إلى برايتون في منحة دراسية حيث بدأت تحتج على ذاتها وتغير طريقة تفكيرها ونمط حياتها، ولكن من دون أن تتخلى عن هويتها، وأضاف: “هي لم تثور على تقاليد مجتمعها، بل ثارت على التخلف”.
وأضاف أن الرواية تتناول تجربة فتاة تودع ذاتًا وتستقبل ذاتً جديدة، فتاة في حالة عشق مع المكان الذي شهد على تغيير إدراكها للأمور، وفرض عليها أن تسأل أسئلة صعبة حول الحب والعلاقات والحرية والإرادة. وأكد أن منة الله لم تتكمن من استيعاب ذاتها الجديدة إلا بإدراك أسس علاقتها بالآخرين، وأنها لن تعيش بطريقتها إلا عندما تترك الآخرين ليعيشوا بطريقتهم، كما أن لديها حدود آمنة حول شخصيتها لا يمكن لأحد التدخل فيها.
وأكد أن بطل الرواية الحقيقي هو الراوي، فهو الذي يتحدث عن منة الله ويعبر عن إعادة انتاج ذاتها بالانتصار على الخوف الذي أعاقها عن الاستمتاع بالحياة، وتغيير علاقتها بالآخر المختلف عنها.
وأشار فوزي إلى أنه استخدم طريقة سردية بها قدر كبير من تخطي الزمن، واستعادة الشخصية لذكرياتها وهي تمضي في طريقها الجديد، وأضاف: “الذات تعيد انتاج نفسها خلال فترة الرواية، وتمر بحالات مد وجذب، ومراوحة بين الذات القديمة والجديدة”.
من جانبه، قال الأستاذ سيد محمود إن مخطوط العمل كان بمثابة اكتشاف جديد لوجه آخر من وجوه الدكتور سامح فوزي، وكيف قرر أن يخوض التحدي الصعب في الانتقال من لغة العلوم السياسية والاجتماعية للغة التعبيرية والوصفية. وأكد أن الدكتور سامح فوزي كان حريصًا على الاستماع للملاحظات، واختبارها، والخروج بالجديد دومًا، وكانت لديه القدرة على فتح مسارات جديدة لتطوير الشخصية في كل مرة، وأن يتطور معها، ويخرج بها من فكرة النمط إلى الشخصية.
وأشار إلى أن الانتقال الجغرافي في الرواية مجازي، فهي لا تعبر عن العبور من مكان لمكان، بل انتقال الذات من لحظة وعي إلى لحظة وعي أخرى، ولذلك أهدى الكاتب الرواية إلى “الذوات المتمردة على ذاتها”. وأكد أن الكاتب استطاع تسريب العديد من النماذج الإيجابية إلى الرواية، كفكرة أن الصعود الاجتماعي يأتي بالجهد والتعب وليس تقديم التنازلات، كما عبر عن الكثير من القضايا المجتمعية، وأضاف: “هكذا يتحول الكاتب إلى مؤرخ اجتماعي”.
ولفت إلى أن إشكالية الشرق والغرب موجودة في الرواية، ولكن بشكل يختلف عن السائد في الرصيد الموجود من الروايات العربية، الذي ينطوي دومًا على الصراع مغ الغرب، فهذه الرواية تعبر عن ذات تعاني من التشظي والانقسام، فالآخر هنا ليس شخصًا بل مجموعة قيم وأفكار.
وتحدث محمود عن البنية الروائية والشعرية للرواية، قائلاً إن الكاتب يكون شغوفًا في عمله الأول على ملئ الصفحات، إلا أن الدكتور سامح فوزي خاض التحدي الأصعب وهو الرواية القصيرة أو “النوفيلا”. وأضاف: “اللغة كانت مفاجئة بالنسبة لي، فهي تتجاوب مع القصة بسلاسة، لأنها تتحدث عن شخصية ملتصقة بالكاتب”.
وشهدت الندوة عدة مداخلات من جانب الجمهور، وأكد الدكتور أشرف فراج أن الكاتب قدم الرواية بأسلوب سلس وعبارات “ضوئية”، ولغة تصويرية، مؤكدًا أن العمل يمكن أن يتحول إلى سيناريو بمنتهى البساطة. ولفت إلى أن الكاتب قدم إسقاطات داخل المجتمع المصري بطريقة غير مباشرة، أي بالتلميح لا التصريح، كقضايا التعليم والبطالة والعشوائيات والميراث.